خبر كيف سطَّرت « فلسطين اليوم » وقائع الحرب على غزة؟

الساعة 12:18 م|27 ديسمبر 2009

فلسطين اليوم- غزة (خاص)

عامٌ على الحرب.. ذكريات ألم راسخةً في الأذهان، ورائحة دم لا زالت تحيط بالمكان، وحكايات وقصص لا تطرب لها الآذان، وفوضى وضوضاء في المكان، قلمٌ وهاتف وجهاز حاسوب ومولد للكهرباء، وأخبار عن شهداء وقصف واجتياح، وخوف وقلق على الأحباب .. كل هذا كان يدور في موقع "وكالة فلسطين اليوم الإخبارية".

 

تجربة الإعلاميين والصحفيين لا تقل صعوبة وألماً .. فقد كانوا جنوداً في دائرة الاستهداف، يحاولون بكل الإمكانات نقل الحقائق وفضح الاحتلال، وفي جانب آخر يشعرون بقلق وخوف على عائلاتهم، وهذا جزء قليل مما كان يشعر به العاملون في المؤسسات الإعلامية والمكاتب الصحفية من بينها "فلسطين اليوم".

 

فمنذ اليوم الأول للحرب، وفي اللحظة الأولى لبدايتها التي تركت علامة استفهام عما يجري لدى الجميع، فإن كل ما في الإمكان هو نقل الأخبار لحظة بلحظة.

 

قصة البداية

وعلى الرغم من أن المشرف العام على "فلسطين اليوم" الصحفي صالح المصري، كتب الخبر الأول للغارة المفاجئة التي تعرضت لها قطاع غزة، إلا أنه قام بتعديل الخبر عدة مرات كي يستطيع أن يعبر ما يجري.. وفي النهاية استقر به الأمر ليكتب "غزة تحترق.. "إسرائيل" تشن عدة غارات في لحظة مفاجئة استهدفت مقرات أمنية وسقوط مئات الشهداء والجرحى".

 

الصحفي عوض أبو دقة رئيس تحرير "فلسطين اليوم" الذي كان متواجداً في المكتب، ولكنه حرص منذ اللحظة الأولى للقصف على الرغم من صعوبة التغطية في البداية إلا أنه كان يحاول تغطية الحدث أولاً بأول لتزويد الرأي العام بما يجري بالضبط.

 

أما الصحفي والمحرر في الموقع رامي أبو قمر، فلم يكن يدري ما يحدث فقد كان في طريقه للعمل، وعند سماع دوي الانفجار توقَّع أن يكون هناك عملية اغتيال أو قصف لأحد المواقع، ولكن مع ازدياد الغارات أصبح لديه يقين أن هناك شيئاً كبيراً يحدث .. دون أن يعي ما يجري !!.

 

الصحفي عبد الهادي عوكل المحرر في الموقع، كان في يومهاً عائداً من عمله، وعندما سمع صوت الانفجارات وفي بداية الأمر، شاهد لحظات الهلع، وأصوات المستغيثين من طلبة المدارس والنساء، ولا سيما صوت الزجاج المتناثر من شبابيك المنازل والمدارس في مخيم جباليا شمال القطاع.

 

واستذكر في هذه اللحظة موقف قال إنه لا ينساه حيث تشبتت فيه طالبتان كانتا خائفتان من القصف فاضطر للتواجد بجانبهما، حيث أن منزلهما يقع بجوار مقر الإدارة المدنية شمال القطاع، وبعد أن هدأت الأمور قليلاً، أوصلهما إلى منزليهما وعندها رأى المقر "أثراً بعد عين"، ووصل لبيته لتفقده والإطمئنان على عائلته.

 

عمل استثنائي

ظروف العمل كانت صعبة في موقع "فلسطين اليوم"، وكما قال المصري: "كان العمل في ظرف استثنائي، فأنت تعمل والصواريخ والقذائف تنطلق من حولك، وتسمع صوت الطائرات وكأنه فوق راسك، والجو المحيط بنا غير مهيأ للعمل".

 

وتابع المصري: "رغم هذه الظروف القاسية أصررنا على العمل.. ومنذ اللحظة الأولى انقطعت الكهرباء، وعملنا على مولد طوال وقت الحرب، ورغم غياب عدد كبير من العاملين نتيجة تقطيع المدن الفلسطينية بعضها عن البعض إلا أننا استطعنا تجاوز هذه المشكلة وعملنا بربع فريق العمل".

 

وأضاف أبو قمر، أنه وزملائه باشروا في تغطية الأحداث، ولكن حجم الغارات كبير وفي نفس الوقت المعلومات قليلة، حيث كانت هناك حالة إرباك في بداية الأمر في مصادر المعلومات، ولكن بعد أن اتضحت الصورة بدأنا بالعمل المتواصل لمواكبة الأحداث أول بأول.

 

ووصف عوكل، طبيعة العمل بأنه كان مشحون، وممزوج بين الخوف والقلق، والضغط، حيث حالة من الإرباك في كافة المؤسسات الإعلامية، حيث يحاول الصحفي جاهداً توصيل الخبر في ظل القلق، ولكن رغم كل ذلك كان الصحفيون يتابعون على أكثر من اتجاه لمتابعة الأحداث أولاً بأول.

 

أما الصعب في هذه البداية الصعبة .. فإن الصحفيين عادة يعدون أنفسهم لتغطية حدث ما، ولكن في هذه الحرب كان كل شئ مفاجئ فالأحداث في كل مكان، وكل مناطق قطاع غزة معرضة للقصف.

 

جوال تعيس.. كهرباء مقطوعة.. انترنت ضعيف


ومن الصعوبات كذلك، أكد أبو دقة، أن الانقطاع المتواصل للتيار الكهربائي، وضعف خدمةالانترنت وكذلك الخلل في شبكة "جوال"، كانت من أهم معوقات العمل خلال الحرب.

 

ولكن موقع "فلسطين اليوم"، تغلب على هذه المعيقات كما استطاع التغلب على الحرب، فبين المصري، أنهم اعتمدوا في مصادرهم على الهاتف الأرضي، وإذاعة القدس، من أخبار ومراسلين، حيث كان العمل موحد ومشترك بين إذاعة القدس، والموقع.

 

وقال:"كنا نحاول ملاحقة الأخبار التي كانت تنهال علينا بشكل كبير.. لدرجة أن خبر سقوط شهيد أصبح خبر صغير بالنسبة لنا أمام حجم الأخبار الكبيرة التي تتحدث عن مجازر وسقوط أعداد كبيرة".

 

وبين المصري، أن الموقع تميز بمتابعة الأخبار الإسرائيلية عبر قسم الترجمة حيث كان مصدراً مهماً لكثير من وسائل الإعلام وخاصة الإذاعات الفلسطينية.

 

طالت الحرب فلم تقتصر على يوم أو يومين، بل امتدت لـ23 يوماً عاش الصحفيون خلالها لحظات صعبة، فراق للأصحاب، وشوق للأهل، وأخرى محبة وأخوة، وعمل دؤوب، حيث حرص العاملون في الموقع على متابعة القصف، ولم تغب شاردة أو ورادة إلا لم تغطيتها وتسجيلها ونقلها للمواطنين.

 

ويضيف عوكل، أن من بين المصاعب كانت صعوبة المواصلات، نظراً لخطورة الوضع، خاصة في الوصول للمستشفيات لمتابعة العمل من داخلها لفضح الانتهاكات الإسرائيلية بحق شعبنا، حيث أن الصحفيين كانوا جنباً إلى جنب مع المقاومة ولم يكن دورهم بأقل منهم، في هذه الحرب، وبفضلهم تم ممارسة الضغوط الدولية لإنهاء الحرب المسعورة على الشعب الأعزل.

 

 

تقاسمنا رغيف الخبز

وقد تميز العمل داخل الموقع خلال أيام الحرب بالجو العائلي فلم يكن مدير الموقع المصري بعيداً عن زملائه في الموقع فقد كان بينهم، يعملون سويةً، ويقول:"لم يكن بمقدوري ترك زملائي والجلوس في المنزل، فالحرب كانت تواجه الجميع، فقد كنا نترك عائلاتنا من أجل بث الأخبار ونقل الأحداث، وكشف جرائم العدو".

 

أما المعاملة الإنسانية والجو العائلي داخل المكتب فكان أحد الأسباب التي تخفف الخوف والقلق من هذه الحرب، وترك انطباعاً لدى الجميع، حيث تقاسموا رغيف الخبر، وكان الجو أسري وأخوي إلى أبعد مدى وهذا هو الجانب الإيجابي في أوقات التغطية أثناء الحرب أننا كنا نعمل كما الأخوة.. يضيف المصري.

 

أبو قمر، لم يرَ عائلته 17 يوماً خلال الحرب ولكنه كان يشعر بعائلته داخل المكتب، حيث كان الجو العائلي جميلاً مابين المدير والموظفين، تقاسموا كل شئ حتى الأكل والفراش، وكلنه كان دائم القلق على عائلته حيث كان الهاتف الوسيلة الوحيدة للاطمئنان عليهم، ولكن نحن كإعلاميين وجدنا أنفسنا في دائرة الاستهداف الإسرائيلي وذلك يتطلب منا صموداً وشجاعة لمواجهة الموقف.

 

وفي هذا الإطار، أكد عوكل أن هناك جواً أخوياً جميلاً ساهم في التخفيف من حدة قلق الحرب، حيث أوى الكثير من الصحفيين زملائهم ممن تعذر عليهم الرجوع لمنازلهم نظراً لخطورة الحرب.

 

أما أبو دقة، فقد كان العدوان البري الذي منع التواصل بين مدينة غزة وجنوب القطاع حيث يقطن في مدينة خانيونس كان كفيلاً بأن يمنعه من زيارة أهله، كما أن ظروف الحرب كانت تمنعه من زيارتهم، حيث بقي يواصل عمله في المكتب بجانب زملائه.

 

أيام صعبة

"كل أيام الحرب كانت صعبة وقاسية"..اتفق الجميع على ذلك، فلم يذكروا يوماً واحداً صعباً، فقال المصري:"عشنا ظروفاً صعبة.. فأنت تعمل في أجواء حرب وتريد أن تكون مع أسرتك وأبناءك وفي ذات الوقت تريد أنت تؤدي رسالتك لتعكس صورة المأساة على الأرض".

 

ويضيف المصري، أن من بين المواقف الصعبة التي شهدها خلال الحرب هي عندما زار مدرسة الشاطئ التي كانت تأوي آلاف الأسر، قائلاً:"عندما دخلت المدرسة تبادر إلى ذهني الهجرة الفلسطينية، حيث كانت المنظر مأساوياً فآلاف الأسر تعيش داخل المدرسة، وعشرات النسوة يجلسن في صف، وصف آخر يضم عائلة مكونة من عشرات الأطفال، والأمر المحزن أن هذه المدارس لم تسلم من القصف والتدمير"

 

أبو دقة، أشار إلى أنه بعد قصف سلسلة من المساجد شعروا بأن كل شئ مستهدف، وجيش الاحتلال لم يعد أمامه شئ مقدس، حتى أن طائرات الاحتلال قامت بقصف سطح برج الجوهرة، الذي يعج بعدة مكاتب صحفية، مما أدى إلى إصابة صحفيين فيه.

 

ومن المواقف الصعبة التي مرت على عوكل قال:"كنت والزميل رامي أبو قمر نمر من جانب مسجد الشفاء قبل لحظات من قصفه، ووقتها حمدنا الله أن نجانا من موت محقق".

 

وعن موقف آخر قال:"بعد مروري من جانب مسجد الشهيد عماد عقل وسط مخيم جباليا ذاهباً لمنزل أخي حيث تعذر عليا الوصول لمنزلي، وكان الوقت متأخراً ومن إن دققت الباب حتى هز انفجار كبير المنطقة حيث جرى قصف المسجد أدى لتدمير المسجد ومنازل مجاورة واستشهاد خمسة من أطفال بعلوشة، وكنت شاهداً على الحدث، وبعدها كان صعباً عليا المرور من جانب المساجد، لأنها أصبحت هدفاً لطائرات الاحتلال".

 

إخــلاء

ولكن، عندما يتم الحديث عن أصعب هذه المواقف، فقد ذكر المصري موقفاً له خلال الحرب، حيث اتصل أحد رجال المخابرات الإسرائيلية يهدد بإخلاء البرج، وبالفعل اتصلت على أحد الصحفيين في الموقع وقاموا بإخلاء البرج، منوهاً إلى أنه خلال الحرب كانوا يقومون بإخلاء البرج لعدة مرات حيث نجلس خارجاً لعدة ساعات.

 

ومن المواقف التي امتزجت مابين الضحك والخوف، استذكر عوكل موقف إخلاء الصحفيين لبرج شوا حصري، فعقب استهداف الطيران الإسرائيلي لبرج الجوهرة، قال عوكل:"كنت بمفردي في المكتب فرن الهاتف وكان رجال المخابرات الإسرائيلي وما إن سمعت صوت الإسرائيلي حتى تركت المكتب وخرجت وإذا بزملائي يهدأون من روعي لأكتشف بعدها أن هذا مجرد اسطوانة اعتاد جيش الاحتلال على استخدامها للنيل من عزيمة المواطنين".

وبعد رجوعه للمكتب، قال عوكل:"اتصل بي المدير ليؤكد لي أن أحدهم اتصل به بشكل يؤكد أن إسرائيل هددت بقصف البرج الذي يضم الموقع، ولم أنتظر كثيراً حيث سارعت للخروج من مقر المكتب".

 

ويشر عوكل، إلى أن هناك مشاهد كثيرة، يصعب وصفها والحديث عنها، ولكن عند تذكرها تقشعر الأبدان ويشعر الإنسان بالمرارة والحزن، والألم على تلك المشاهد خصوصاً مشاهد الأطفال والنساء الذين استشهدوا وأصيبوا خلال الحرب.

 

أما أبو دقة فقد استذكر أحد المواقف حيث بقي وزملائه في الموقع على الرغم من التهديد بقصف البرج، قائلاً:"وقتها بقينا متواجدين في المكتب على رأس عملنا، وطلبت من زملائي لفظ الشهادتين، لأننا كنا نصر على نقل الأحداث المتلاحقة.

 

وبعد انتهاء الحرب لم يتوقف الموقع عن العمل بل استمد طاقةً قوية للمضي قدماً للأمام حيث أكد مديره المصري، أن الموقع انتقل نقلة نوعية أثناء الحرب وبعده وأخذ مصداقية في التغطية الصحفية، حيث أن رجع الصدى والآراء التي تصدر عن إذاعات محلية وخبراء تؤكد ذلك.

تميز وإنطلاقة نحو العالمية

وأضاف، "فلسطين اليوم" كشف عن طبيعة الجرائم التي ترتكتبها إسرائيل بحق المواطنين، وقد انطلق نحو العالمية حيث عكس جرائم الاحتلال والقصص الإنسانية وأبرزها دولياً.

 

وعن الدرس الذي استفاده الموقع، قال المصري:"تعلمنا المسؤولية في التغطية الصحية التي تعتبر أمراً هاماً حيث لم يكن هناك تهويل للأمر، ولم نكن نهدف إلى إرباك وتخويف المواطنين من خلال التغطية، وكنا نقدم للمواطنين جرعات من الصمود والثبات".