خبر غزة: من « الرصاص المصبوب » إلى « الفولاذ المدفون »

الساعة 06:49 ص|23 ديسمبر 2009

فلسطين اليوم : كتب/ نزار السهلي*

ما زال دوي عملية "الرصاص المصبوب" الذي ارتكبت به محرقة غزة يتردد صداه، بعد عام على الاعتداءات الوحشية التي تفنن الاحتلال الصهيوني بممارستها، ضد شعوب المنطقة العربية، وأخذ الشعب الفلسطيني النصيب الأكبر منها، كونه المستهدف الأول في المشروع الصهيوني، ليستباح الدم الفلسطيني ليشمل كل الأرض الفلسطينية، فيوم السبت 27 كانون الأول 2008، كان مشهودا بتناثر الجثث وإسالة الدم الفلسطيني

"جراء عملية الرصاص المصبوب" التي بدأتها إسرائيل منتهكةً كل القوانين الدولية وشرعة حقوق الإنسان عبر ارتكاب جرائم الحرب، التي شاهدها العالم عبر وسائل الإعلام المختلفة ومازالت إلى يومنا هذا متواصلة بأساليب أكثر همجية ووحشية.

أجواء المجزرة المستمرة ضد الشعب الفلسطيني مازالت تخيم على المنطقة، وأجواء التطورات التي ظهرت على ساحة الردود العملية لا تتلاءم إطلاقاً مع بشاعة وهول الجريمة، بالرغم من الإدانة الدولية الواسعة للعدوان، إلا أن دول العالم، لم تصنف العدوان على غزة بالإرهاب، وتعاملت مع المحرقة في غزة لاستثمارها عل صعيد عملية التسوية في المنطقة، فبدت الإدارة الأمريكية الجديدة كسابقتها غير معنية إطلاقا بالدم الفلسطيني أو حمايته، وأن ما يجري في قطاع غزة حدث عادي، وأن الأهم هو التركيز على العملية السلمية، وعدم تفويت الفرصة، وسرعان ما تصبح قضية المجزرة والعدوان في غزة في ذمة التاريخ، من خلال إدامة الحصار المزدوج على الشعب الفلسطيني وعقابه على خياراته الوطنية.

إذا تأملنا المشهد الفلسطيني والعربي والدولي بعد عام من المجازر الجماعية في أحياء غزة الصامدة، ليس هناك ما يشير إلى أي تغيير جوهري، في المواقف التي يتطلبها واقع رفع الحصار وإزالة العدوان وإعادة الإعمار للقطاع، بل على العكس من هذا كله، تواصل إسرائيل العدوان بآليات وأشكال عدة، ومؤامرات من أطراف فلسطينية وعربية ودولية، جعل من وهج المذبحة يلمع في سماء فلسطين كلها وفي فضاء السياسة العربية المكتفية شاهد زور على ما يجري لفلسطين وشعبها ومقدساتها المتهاوية شيئا فشيا، من خلال زحف التهويد والاستيطان، والحالة الفلسطينية الداخلية تنذر بدوام الحال الساقطة نحو الهاوية.

صحيح أن إسرائيل فشلت في تحقيق مآربها، من وراء العدوان، برغم آلاف الجرحى والشهداء الذين ارتوت بهم أرض غزة، ورمت كل قوتها فوق أزقة وشوارع القطاع فضلا عن التدمير الممنهج للمساجد والبيوت والمدارس والجامعات والمستشفيات، واستعمال أسلحة الدمار الشامل "الفسفور الأبيض" وطائراتها ودباباتها وبوارجها ومروحياتها، ضد السكان المدنيين، هذه المحرقة لغزة التي خلفت دمارا هائلا، لأحياء كاملة ولعائلات أبيدت عن بكرة أبيها، فإن حجم الجريمة وهول المأساة لن يثني عزيمة المقاومة الفلسطينية وثبات الشعب الفلسطيني الذي أجهض وأفلس البنك الإسرائيلي للأهداف المعلنة والغير معلنة من العدوان على غزة.

ولعل المفارقة المدهشة هنا، هي أن الموقف الرسمي الفلسطيني والعربي، مازال مؤمنا بخياراته السلمية التي يفرضها واقع العدوان الإسرائيلي على المنطقة، والتمسك بخيار المفاوضات المكبل بالشروط والاعتداءات الإسرائيلية، والتمسك بالتنسيق الأمني مع إسرائيل الذي تعاظم بعد العدوان على غزة ليرتقي إلى درجة عالية بين الأجهزة الفلسطينية وإسرائيل، ليتحول بعدها المجتمع الفلسطيني تحت الاحتلال، إلى مجتمع نخبوي قادر بوسائل حضارية أن يتصدى لإجراءات الاحتلال عبر الاعتصام ورفع اليافطات وإضاءة الشموع، كحالة أكثر حضارية من نضال البندقية الذي عفت عنه السياسة الفلسطينية "الحضارية" الباحثة عن بناء دولة المؤسسات.

وللشرطة والسلطة الحق بأن تفرح وللفصائل أن تتقاتل كيفما تشاء، ولكن الاحتلال باق يحصد مزيداً من الانتصارات والغنائم دون يدفع قطرة دم واحدة، ويطارد ويسقط ويعدل قوانين الدول الأخرى، إن هي فكرت أن تجلب مجرمي الحرب الإسرائيليين إلى العدالة الدولية.

وبعد عام على المحرقة ها هو تقرير "غولدستون" الذي أسقطته مؤامرات بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية التي يزحف لها مريدوها، لن يغير من واقع الحال شيئاً.

لكن السؤال الذي لم يجد جوابا عندهم، أو أنهم يعرفون الجواب، إن الشعب الفلسطيني لن يتخلى عن ميراثه، وأنه الأكثر أصالة في حفظ الوطن والدفاع عن كرامته وعن ترابه الوطني، مهما علت أسوار الاحتلال الإسمنتية والالكترونية، ومهما ازدادت أسوار الشقيق الفولاذية عمقا وصلابة، لن تهزم إرادة الشعب الفلسطيني في مقاومته للاحتلال وأعوانه، فالذي خبر الرصاص المصبوب لن يهاب من الفولاذ المدفون.

* كاتب فلسطيني مقيم في دمشق