خبر «الحلّ بالمقاومة»؟ ..حازم صاغيّة

الساعة 12:51 م|19 ديسمبر 2009

«الحلّ بالمقاومة»؟ ..حازم صاغيّة

 

ـ الحياة 19/12/2009

في العامين الأخيرين درج قول راحت أصداؤه تتردّد بين طهران وغزّة، مفاده أنّ السياسة والمفاوضات قد فشلت، بينما أثبتت المقاومة أنّها هي الحلّ. وقد قُدّم العلاج بالمقاومة، ويُقدّم، على غرار تقديم التداوي بالأعشاب: فهي صالحة لكلّ زمان ومكان. وغنيّ عن القول إنّنا أمم وثقافة تتعلّق بـ «الحلّ» وبـ «الخلاص» تُسبغهما على كلّ من يطلق رصاصة ولو أصاب بها قدميه، أو يطلق صوتاً يكسر عاديّة الناس ولو بمجرّد إقلاق راحتهم.

وكانت آخر البراهين على الصحّة المقيمة في تلك الحكمة الحالُ البائسة التي يتخبّط فيها الرئيس الفلسطينيّ محمود عبّاس، والعجز عن وقف الحمّام الدمويّ في العراق.

أمّا نصف العبارة الأوّل فصحيح، صحّته نابعة من جنوح إسرائيل إلى التطرّف والعجرفة وإغلاقها الأبواب في وجه التسويات، على ما يدلّ الموقفان الأخيران من الاستيطان ومن رهن أيّ انسحاب باستفتاء شعبيّ. وفي حال العراق، تتّصل صحّة ذاك التقدير بالعجز عن بناء إجماعات وطنيّة عابرة للطوائف تنهض عليها حكومة مستقرّة أكانت «عميلة للاحتلال» أم مقاومة له. ويمتدّ تعداد المسؤوليّات فيشمل «الاعتدال العربيّ» الذي يصل دائماً متأخّراً بعد سير بطيء ومتعثّر، أو يتمعّن في حسم المسائل وتدارسها أكثر كثيراً مما يحسم، أو تشدّه مقدّمات ثقافيّة عتيقة تردعه عن سلوك طرق جديدة باتت اللحظة تستدعيها. وثمّة حصّة في الإخفاق هي من نصيب الولايات المتّحدة، لا لأنّها قويّة وهاجمة، على ما يقال، بل لأنّها ضعيفة في ممارسة الضغط، ليس فقط على الإيرانيّين والسوريّين، بل أيضاً على حلفائها المفترضين من إسرائيليّين وعراقيّين وأفغان. وهذا ما يكمن أحد مصادره في تركة جورج بوش كما أنّ له مصدراً آخر في رخاوة الحلفاء وصعوبة البناء على تحالفهم. لكنّ القوى المقاومة لها أيضاً سهمها الوافر في إفشال السياسة، هي التي بذلت الغالي والنفيس لجعلها تفشل، حتّى ليصحّ القول إن القوى المذكورة إنّما انتصرت على قوى الاعتدال فحسب في فلسطين والعراق ولبنان...

أما أن تكون تلك القوى انتصرت على من تصوّرهم أعداء أصليّين فكانت الحلّ لنا والخلاص، وهو شقّ الحكمة الثاني، فهذا أقرب إلى وصف خردة الصواريخ الكوريّة والسوفياتيّة بثورة صناعيّة وتقنيّة تخوض طهران غمارها.

والحال أن فلسطين ذهبت بلا عودة، وهنا تكمن محنة عبّاس كما يكمن مصدر الصلف الإسرائيليّ، وهي باتت، في أحسن أحوالها، لحظة في مشروع إيرانيّ أو ورقة في تفاوض سوريّ. كذلك فالعراق قد يذهب في وجهة الاندثار السياسيّ نفسها، يواكبه اليمن بهمّة وحماسة، وتتحفّز بلدان عربيّة أخرى، من السودان إلى لبنان، إن لم يكن للمواكبة فللحاق والتقليد.

وليس من المبالغة القول إنّ «الممانعة» بلا مشروع، مثلها في ذلك مثل قوى «الاعتدال». لكنّ الفارق أنّ الخسارة شرط وجود الأولى، فيما الكسب شرط ازدهار الثانية، الشيء الذي يُظهر المقاومة واعدة وصاعدة لمجرّد أنّها تطلق النار والكلام، فيما «المعتدلون» واجمون مكتئبون لأنّهم لا يجدون ما يغطّون به على الخسارة وعلى خسارتهم بهذه الخسارة.

إنّها أزمة وجود سياسيّ تطاول الجميع ولا تخصّ طرفاً بعينه. ويكون أسوأ ممّا عداه أن يرى واحدنا في ذلك انتصاراً له، فيمضي في خوض حرب أهليّة لا يعرف أنّها كذلك، ظانّاً أنّه لا يحمل إلا «الحلّ» و«الخلاص».