خبر رئيس لجنة حقوق الإنسان في البرلمان اللبناني: أوضاع الفلسطينيين هي الأسوأ

الساعة 06:32 ص|17 ديسمبر 2009

فلسطين اليوم-الشرق الأوسط

صعب أن يتخيل أحد معاناة عائلة بأكملها، لا يملك أي فرد من أفرادها بطاقة هوية أو أوراقا ثبوتية تدل على انتمائه إلى وطن أو منطقة. والأصعب أن نصادف أطفالا لا حقوق لهم في التعلم أو الطبابة أو أي خدمة اجتماعية يحصل عليها بتلقائية من يملك بطاقة هوية. لكن هذا الواقع يعيشه عدد كبير من الأشخاص في لبنان، بعضهم لبنانيون مع وقف التنفيذ، وبعضهم الآخر من جنسيات مختلفة وافدة كالعراقيين أو السودانيين أو الصوماليين أو غيرهم من الذين ولدوا في لبنان ولم يتمكن ذووهم من تسجيلهم لسبب أو لآخر. أما الفئة الأكثر معاناة لعديمي الجنسية فهي فئة الفلسطينيين.

ويقول رئيس لجنة حقوق الإنسان البرلمانية النائب غسان مخيبر لـ«الشرق الأوسط»: «المفروض أن تتابع الحكومة اللبنانية المشكلة المتعلقة بعديمي الجنسية، فالمنطق يقضي بأن يكون للإنسان انتماء معين إلى دولة ما. وهذا الانتماء لا يتم إلا باكتساب الجنسية، أيا كانت، مما يسمح لهؤلاء بالسير في حياتهم والقيام بمعاملاتهم. ويجب العمل على حل تلك المشكلة بجدية، لأن الذين لا أوراق ثبوتية بحوزتهم يتعرضون إلى السجن والترحيل، ومديرية الأمن العام لا تتساهل في هذا الموضوع».

لكن إلى أين يرحل اللبنانيون الذين لا هوية لديهم لسبب أو لآخر؟

هؤلاء تتوقف حياتهم ويحرمون حتى من حق التعليم وهم أطفال. فالتسجيل في المدارس يستوجب إبراز بطاقة هوية غير متوافرة، كما هي حالة ريما البالغة من العمر 12 عاما، والتي لم تدخل المدرسة حتى الآن. تقول والدتها كاملة لـ«الشرق الأوسط»: «رزقت بريما عندما تزوجت رجلا متزوجا. رفض تسجيل عقد القران خوفا من زوجته الأولى وأبنائه. وبعد سنوات تركني وبدأ يتهرب مني. وعندما أسأله عن مصير هذه الفتاة، يجيب: انتظري سأجد الحل. ولأني لا أملك المال الكافي لأرفع دعوى قضائية أسترد بها حقي وحق ابنتي فإنني لا أزال أنتظر».

وفي حين تبدو مأساوية ظروف هذه المرأة الوحيدة التي لا تجيد تدبير أمورها، نجد أن البعض يملك الوعي والإمكانات ليحل هذه المشكلة، لكن تبقى «القطبة المخفية» في العرقلة التي لا تفسير لها، كما هو الحال في الدعوى التي رفعها سبعة أشقاء وشقيقات من عائلة بقاعية، وحصلوا على اعتراف من المحكمة بالهوية اللبنانية، إلا أن تنفيذ الحكم لا يزال «يجرجر» منذ ست سنوات. المستندات التي حصلت عليها «الشرق الأوسط» كلها صحيحة. وقد ورد فيها أن «الدعوى مقبولة لموافقتها الأصول الشرعية والقانونية ولثبوت الزواج الذي لم يتم تسجيله»، وبالتالي لم يتم تسجيل الأبناء السبعة. أكثر من ذلك، استحصل الأبناء على وثائق ولادة من المديرية العامة للأحوال الشخصية في وزارة الداخلية. إلا أن الحصول على بطاقات الهوية لا يزال متعذرا ومن دون أسباب واضحة أو مبررة.

إلا أن النائب مخيبر يعتبر «الحصول على جنسية للبنانيين الذين لم يتم تسجيلهم، هو أسهل الحالات الموجودة في لبنان. لأن حالات غير اللبنانيين معقدة أكثر، لا سيما للذين لا يملكون أي وثيقة تثبت هويتهم، وبالتالي لا يستطيعون إثبات جنسيتهم». ويوضح أن «اللبنانيين يمكنهم الحصول على معونة قضائية تؤمنها نقابة المحامين إذا كانوا لا يملكون الإمكانات المالية اللازمة للدعوى».

ويقول مخيبر «أصعب الحالات هي حالات الفلسطينيين الذين دخلوا لبنان بشكل عشوائي وبطريقة غير شرعية، واستقروا في أحد المخيمات من دون أن يسجلوا أنفسهم لدى وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين (الأنروا). ومن ثم رزقوا بأولاد. هؤلاء الأولاد كبروا، ولكن لا حقوق لهم ولا أحد يعترف بهم، سواء لدى الدولة اللبنانية، أو لدى (الأنروا). أما حالة العراقيين أو السودانيين أو الصوماليين فتبقى أسهل لأن لهؤلاء سفارات يمكن من خلالها ترتيب أوضاعهم واستصدار أوراق ثبوتية تحدد انتماءهم». وأضاف: «على أي حال، لا يمكن تجاهل ظروف من يعيش دون هوية تعرِّف عنه. والصعوبة تكمن في أن كل حالة يجب أن تدرس على حدة لأنها خاصة بصاحبها، ويفترض أن يتم التعامل معها بإنسانية. والمساعدات غالبا ما تكون بمبادرات من الجمعيات المتخصصة وليس في إطار عمل إداري رسمي».

جمعية «رواد فرونتيرز» أطلقت دراستها القانونية «بين الظل والذل رحلة عمر»، لحماية عديمي الجنسية في لبنان تحت عنوان «بالكلمة، والصوت، والصورة، نحميهم»، وذلك في إطار حملتها الدائمة «خارج الحماية» من أجل تسليط الضوء على قضية الحق بالحماية لعديمي الجنسية في لبنان وبهدف إرساء العمل التضامني المشترك بين كل الهيئات المعنية.

رئيس الجمعية فريد قمر قال إن «هدف هذا التحرك هو الوصول إلى خط شراكة وتشبيك حقيقيين مع أصحاب القرار في الإدارات المعنية في لبنان، ومع الإعلام لترسيخ قضايا حقوق الإنسان في الوعي الشعبي، ومع الجسم القضائي».

وتتناول الدراسة القانونية «بين الظل والذل رحلة عمر» ظاهرة عديمي الجنسية في لبنان. وتقول برنا حبيب، التي أعدت الدراسة، إن «عدد الأشخاص الذين لا يحملون جنسية في لبنان يقدر بمئات الآلاف، ويتنوعون بين لاجئين فلسطينيين وأكراد وبدو وقيد الدرس وأشخاص متحدرين من جذور لبنانية، ولكنهم لم يحصلوا على جنسية مثل مكتومي القيد، إضافة إلى عدد من الأيتام والأطفال الذين ولدوا خارج إطار الزواج أو من خلال زواج امرأة لبنانية من شخص أجنبي أو من خلال زواج غير مسجل بين لبنانيين».

ولفتت حبيب إلى أنه «ومع انعدام وجود إحصاءات رسمية وغياب المراجع والدراسات الشاملة في هذا الإطار، بدأت (رواد فرونتيرز) بالعمل على هذه المسألة، مما أبرز الحاجة إلى إعداد دراسة قانونية وسياسية حول تلك الظاهرة، على أن تتبعها دراسة ميدانية تنشر فور تحضيرها لفئات عديمي الجنسية في لبنان وللحلول الممكنة لكل منها».

ممثل مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين دومينيك طعمة أشار إلى أن «عدم وجود معلومات موثقة وواضحة حول الصورة الحقيقية عن حجم مشكلة عديمي الجنسية في لبنان»، مشددا على «ضرورة إجراء بحث لمعرفة الرقم الحقيقي وكيفية معالجة معضلة هؤلاء الأشخاص فاقدي الجنسية في لبنان»، مذكرا بـ«اهتمام المفوضية بموضوع عديمي الجنسية عبر الحماية وتقليص عدد عديمي الجنسية والوقاية من زيادة عددهم من خلال حث الدول على الانضمام إلى الاتفاقيات الدولية التي تخص عديمي الجنسية وتقديم المساعدة التقنية للدول».

وفي الإطار نفسه، أعلنت المنظمة الفلسطينية لحقوق الإنسان (حقوق) و«مركز التنمية الإنسانية» و«مؤسسة شاهد لحقوق الإنسان»، تنظيم اعتصام غدا الجمعة على الرصيف المقابل لوزارة الداخلية والبلديات في محلة الصنائع، وذلك لـ«نصرة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان من فئة فاقدي الأوراق الثبوتية». وأكدت أن «الاعتصام سلمي ورمزي».