خبر لماذا لا يوجد اتفاق مع الفلسطينيين..إسرائيل اليوم

الساعة 11:23 ص|11 ديسمبر 2009

بقلم: يعقوب عمدرور

رئيس الولايات المتحدة الاسبق بيل كلينتون قال خلال زيارته للبلاد انه يعتقد ان رابين كان سينجح في التوقيع على اتفاق سلام مع الفلسطينيين لو لم يتم اغتياله. ملاحظته تقود الى نقاش حول دور القيادة في المجريات التاريخية، والى اي مدى يمكن لشخص بعينه ان يغير الواقع والى اي مدى يمكن لعوامل اخرى لا تقل اهمية التأثير اكثر من القائد.

ما من شك ان رابين رحمة الله عليه كان قائدا اتخذ قرارا هاما جدا وقرر السير وراء ما اطلق عليه "عملية اوسلو". رغم انه لم يبتدع هذه العملية. ما من شك ان تبني الخطوة من قبله اعطى الاتفاق دفعة حاسمة بفضل مكانة رابين السياسية والادراك بانه مختص في المجال الامني من الدرجة الاولى. لذلك كان القول بأنه لولا رابين لما كان هذا الاتفاق ليمر ولم يكن ليطبق على الارض هو قول صحيح. ولكن هل يعتمد كل شيء على هوية الشخص الذي يتخذ القرار، ام ان للثقافة والايديولوجية والدين وغيرها من الامور وزنها؟ الفلسطينيون استعدوا لخوض معركة حقيقة بعد اوسلو كما نعلم، عندما كان رابين رئيسا للوزراء. احد مساعدي عرفات عبر عن ذلك بصورة جيدة عندما عرف اتفاق اوسلو على النحو التالي: "لم نتنازل عن اي شيء واجلنا النقاش حول كل القضايا في المستقبل". فيصل الحسيني قال بعد ذلك بحين ان الاتفاق كان "حصان طروادة".

ان تحققنا من سلوك الفلسطينيين منذ الاتفاق سنجد ان الواقع يتلاءم مع ما قاله. فهل كان بامكان رابين ان يغير ذلك؟

في واقع الامر من اللحظة التي بدأ فيها الاتفاق طريقه – بدأت الدسائس. عرفات مارس الخداع مع دخوله اول مرة الى غزة وجلب في  سيارته احد النشطاء الارهابيين الذين لم يصادق رابين على دخولهم. رئيس الوزراء الذي علم بالامر لم يرد على ذلك وهنالك من يقول انه حسم مصير الاتفاق بذلك: عرفات ادرك ان هذا الشخص لن يوقفه حتى ان لم يلتزم بتفاصيل  الاتفاق.

من الناحية الاخرى بدأ الفلسطينيون بالادراك بان اسرائيل تواصل بناء المستوطنات وتفرض الحقائق على الارض. صحيح ان اتفاقيات اوسلو لا تتضمن اي قيد حول  البناء في المستوطنات ولكن الفلسطينيين اعتقدوا ربما اثر الوعد من طرف اسرائيلي ما بأنه لن يكون هناك بناء في المستوطنات. في المجال الامني الحاسم تحققت تحذيرات الاستخبارات بان الاتفاق مصاب بالسذاجة وان السلطة لن تتحرك ضد العناصر الارهابية.

سلسلة من العمليات الصعبة

بعد مقتل رابين اخذ شمعون بيرس شعلة القيادة. هو صادق على تنفيذ اوامر رابين لتصفية يحيى عياش، تلك التصفية التي ردت عليها حماس والجهاد بسلسلة عمليات شديدة الوقع واثرت على نتائج الانتخابات التي جلبت الليكود برئاسة نتنياهو الى الحكم، وكل ما تبقى اصبح تاريخيا.     لماذا يتوجب الافتراض انه لولا رابين لتبلور واقع مغاير؟      

من وجهة النظر السياسية نفذ  القتل في لحظة انخفاض في مكانة رابين. المراهنة على اوسلو ادت الى اراقة الدماء ومحاولات اظهارهم كـ "ضحايا السلام" لم تقبل او تكن ملائمة في نظر اغلبية الجمهور الاسرائيلي. حتى ذلك الاستعراض الذي نفذت فيه عملية الاغتيال، بادرت اليه اطراف رغبت في الاظهار بان هناك امكانية لتجنيد الجمهور الواسع الذي بدأ بالتعبير عن تحفظه من الوضع. الاستطلاعات لم تكن في صالح حزب العمل وحتى الاغتيال الشنيع والمقيت لم ينجح بحد ذاته بتغيير هذا الاتجاه. شمعون بيرس الذي صعد الى سدة الحكم، كان ملتزما بعملية اوسلو بدرجة لا تقل عن سلفه وربما اكثر منه كما يقولون. ان لم ينجح هو بجلب عرفات ودفعه للتعاون ضد الارهاب الحمساوي فلماذا يتوجب الافتراض بان السيد رابين كان سينجح في هذه النقطة؟ رابين نفسه كان قد فشل حتى اغتياله، اذن لماذا من الصحيح الاعتقاد بأنه كان يمتلك فرصة افضل بعد ذلك الاستعراض  الذي تم اغتياله فيه؟ الاتفاق تمخض عن وضع امني صعب ولم يكن بيرس المسؤول عن ذلك، ولذلك ليس واضحا لماذا كان من الصحيح التقدير بان مرشحا اخر كان سينجح في الانتخابات التي خسر فيها السيد بيرس. ولكن حتى ان افترضنا ان السيد رابين كان سينجح في انتخابات 96 فهل كان بمقدوره ان يتوصل لاتفاق مع عرفات؟ كل من يقرأ خطاب رابين الاخير امام الكنيست اليوم، ذلك الخطاب الذي القاه قبل اغتياله بشهر، يدرك على الفور انه لم تكن هناك اية فرصة لعقد الاتفاق من دون تغيير مطلق في تصوراته حول الحدود الامنية (بما في ذلك "السيطرة الاسرائيلية على غور الاردن بالمفهوم الواسع للكلمة" كما قال) او على القدس (الموحدة طبعا).

بكلمات اخرى من يقول ان السيد رابين كان سيتوصل للاتفاق سيتوجب عليه ان يفترض ان رابين او عرفات كانا سيغيران مواقفهما كليا.

هل مطلب اعادة اللاجئين واحفادهم الى داخل دولة اسرائيل كان سيقبل على رابين؟ وهل كان عرفات ليوافق على الحل الوسط في هذه المسألة؟ انا اشك بذلك.

هل كان عرفات مستعدا للحد الادنى المطلوب في اطار اتفاق كهذا، في كل ما يتعلق بالالتزام بان الاتفاق سيضع حدا للصراع وان الجانبي يتنازلان عن اي ادعاء لهما لدى الطرف الاخر؟ من شبه المؤكد ان هذا المطلب الاسرائيلي ومن الواضح ان عرفات لم يكن مستعدا للتوقيع على اتفاق يتضمن هذا المطلب.

فهل كان السيد رابين مستعدا للتنازل عن القدس والعودة الى خطوط 1967 (تقريبا) من دون تصريحات كهذه؟

فهل يفترض الرئيس الامريكي السابق بيل كلينتون ان ياسر عرفات كان سيغير مطالبه من اسرائيل – فقط لان رابين يقف قبالته؟ كلنا نذكر ان عرفات لم يتردد في الكذب على رئيس وزراء اسرائيل والرد سلبيا على مطالب كثيرة طلبت منه حتى تشرين الثاني 1995، وليس هناك اي سبب للاعتقاد بانه كان سيصبح اكثر تعاونا بعد الانتخابات في اسرائيل.

كلينتون يحاول بيع فكرة لا يوجد فيها اي منطق ولا تقوم بالمرة على اساس تاريخي. هو مس بذلك بمكانة الرئيس شمعون بيرس – واظهره كأنه قد ضيع فرصة تاريخية كان رابين ليطبقها، وهو ايضا يمس برابين لانه يلمح بأنه كان يخضع في اخر المطاف لمطالب عرفات العنيدة، تلك المطالب التي كانت تشكل خطرا حقيقيا على وجود دولة اسرائيل.