خبر الملف النووي الإيراني: « منازلة جديدة » ونتيجة محسومة! .. أمين حطيط

الساعة 06:34 ص|06 ديسمبر 2009

بقلم: أمين حطيط

عول الكثير من المتتبعين لمسار الملف النووي الإيراني السلمي، على اجتماعات جنيف وبعدها فيينا، واعتقد البعض أن حلاً ما سيأتي ليهدئ الساحة ويفتح الطـريق الآمن للخروج من الحلبة من غير أضرار تذكر للفريقين. وقد يكون هذا الاعتقاد منطقياً في إطار الحيثيات التي قادت اليه، لو كانت مسألة النزاع الحقيقي متوقفة بين أميركا والغرب من جهة، وايران من جهة اخرى، عند الملف النووي، الذي تتيقن أميركا يوماً بعد يوم، انه مشروع علمي يتم البحث والسير فيه لأغـراض سلمية أباحتها كل الاتفاقيات الـدولية ذات الصلة، وكل قواعد القانون الدولي العام، خاصة أن ايران أظهرت من الشفافية والتعاون مع وكالة الطاقة الذرية ما يفوق المطلوب منها، ولكنها لم تتخلّ عن سيادتها ولم تتنازل عن حقوقها البديهية المبدئية والطبيعية، وهي مصرة على الوصول الى امتلاك الطاقة الذرية لاستعمالها في مصلحة إنسانها ورغيد عيشه وصحته وتحصيل رزقه. ولان الهدف هو الأساس، فقد عرضت ايران تخصيب اليورانيوم في الخارج، أو شراءه مخصباً بنسبة 20% (النسبة اللازمة للاستعمال المدني) أو مبادلة ذلك بما لديها من مادة منخفضة التخصيب (3,5 %)، وهو عرض جاء ليحفظ لإيران هدفها، ويسد الذرائع ويعطل أسباب القلق والخوف الغربي، من تطوير ايران قدراتها باتجاه إنتاج القنبلة النووية.

لم يؤد السلوك الإيراني الأخير عرضاً وتعاوناً، رغم موضوعيته ومشروعيته، الى ما رغبته ايران، بل على العكس تفاقم الوضع وانهارت الآمال وعادت لغة التهديد والتلويح بالعصا الغليظة ضد هذه الدولة التي أثبتت قدرة فائقة على التمسك بالحقوق والمناورة الذكية لحفظها، والآن وبعد قرار الوكالة الدولية للطاقة «بإدانـة ايران في سلوكها النووي!! »، وتحضير الملف للعودة به الى مجلس الأمن بهدف الملاحقة بالفصل السابع من الميثاق، يطرح السؤال الكبير: ماذا ستفعل أميركا ومن معها في ما يسمى «المجتمع الدولي» لإرغام ايران على الانصياع لإرادة هذا الاخير؟

في السابق، لجأت أميركا الى العقوبات الاقتصادية والسياسية ضد ايران، وصعّدتها بوجهها لمرات ثلاث متتالية، ولم تؤد هذه العقوبات الى نتيجة تعــول أميركا عليها وتحمل ايران على الركوع والانـصياع. والآن تلوح أميركا بحلقة رابعة من العـقوبات قد يكون فيها مس بالثروة النفطية تصديرا، أو بمشتقات النفط استيراداً، إضافة الى تضييق إضافي في المجال المصرفي والمالي، وهي عقوبات قد تسبب لإيران وجعاً ما، ولكن في الماضي اعتادت ايران على التعامل الذكي مع العقوبات عموماً، ما أدى الى نجاحها في بناء الاقتصاد القائم على «نظرية الاكتفاء الذاتي» في كل ما يمكن تحقيقه في هذا المجال. وهنا قد تجد ايران نفسها أمام تحد جديد، لن يكون الألم فيه بمقدار الألم المتشكل نتيجة التراجع عن حقوقها، والخضوع للغرب في سياستها. نقول هذا رغم أننا لا نثق بقدرة العقوبات الجديدة المفترضة على إحداث مثل هذا الألم والتعب المرهق للدولة وشعبها. نتيجة تقودنا للقول إن العقوبات مع ايران لن تحقق أهداف فارضيها، ولن تكون ايران نسخة منقحة عن دول اخرى، جعلتها العقوبات تركع عند الباب الأميركي.

وتبقى القوة العسكرية والحرب سبيلاً قد يسلك لتحقيق الغرض الأميركي من المنازلة مع ايران، وهنا نرى ثلاثة موانع أساسية تحول دون الحرب:

ـ الاول: عجز أميركا وحلفائها عن شن حرب برية ضد ايران، وأميركا الآن تتخبط في واقع مزر في أفغـانستان، ووضعها في العراق ليس فيه ما يطمئن الى المستقبل. وقد يقال إن أميركا في السنة المقبلة ستنسحب من العراق بموجب الاتفاقية الأمنية (ونحن نشك بذلك ونرى شبه استحالة في تحقيقه)، وإنها تعد خطة الانسحاب من أفغانستان، ما يمكنها من توفير القوى اللازمة لغزو إيران. وهنا نقول، ان هذين الانسحابين، حتى ولو فرضنا حصولهما جدلاً، فإنهما سيكونان الشهادة على هزيمة أميركية تضاف إلى هزيمتها في فيتنام، وستكون أميركا بحاجة الى وقت لهضم ذلك، ولن تتسرع في عمل يفاقم الآثار.

ـ الثاني: عجز أميركا وإسرائيل معاً عن عمل جوي أو قصف صاروخي صاعق يدمر المنشآت النووية دون أن يترك لإيران فرصة ردة الفعل، وهنا نقول إن بإمكان أميركا وإسرائيل القيام بطلعات جوية مكثفة مترافقة مع قصف صاروخي بعيد المدى ضد الأهداف الاستراتيجية الإيرانية الكبرى، لكن هذا الأمر لن يحقق الأهداف المتوخاة لأنه قد يدمر في الساعات الأولى بعضاً منها (وهي واسعة الانتشار والتبدد على طول المساحة الإيرانية) وبعده ستنطلق إيران بالرد المدمر على إسرائيل ذاتها، وعلى القواعد العسكرية الأميركية في المنطقة. فالصاروخ الأميركي قد يطلق شرارة الحرب لكنه لن يتحكم بعد ذلـك بمسارها ولا بمصيرها، وهذا الأمر بالذات تخشاه أميركا وإسرائيل أيما خشية، ولا تعلم أي منهما قدرة إيران على ردة الفعل، كما أنهما لا تعرفان هل بإمكانهما استيعاب ذلك.

ـ الثالث: متعلق بالقرار الأميركي النافذ اليوم والمتمثل باعتماد استراتيجية القوة الناعمة، التي كما يبدو أعطتها الرئاسة الأميركية فرصة سنتين للتطبيق، ووضعت الخطط للتعامل مع الخارج على هذا الأساس، وان استراتيجية الدول الكبرى لا تتغير بين يوم وليلة، خاصة أن أميركا استهلكت من المدة نصفها وحققت الكثير من النجاحات خلالها، ويكفي التذكير بتلك الحرائق التي تشعلها في المنطقة وتشغل أهلها عن السياسة الأميركية والإسرائيلية.

لكل ذلك نقول إن حرباً تفرض على إيران في المدى المنظور، وحتى سنة من الآن، هو أمر مستبعد إن لم نقل شبه مستحيل، ويضاف ذلك الى عقم العقوبات في ليّ ذراع إيران. يبقى السؤال المحير عن موقف روسيا والصين، فما هو التفسير لموقفهما هذا الذي يقترب في نهاية المطاف من القبول بالإملاء الأميركي؟

إن روسيا التي خرجت من السياسة الدولية الفاعلة، لنيف و15 عاماً تحاول اليوم العودة إليها من باب الشرق الأوسط، وهي تعلم أن ذلك لا يمكن أن يتم بمواجهة مباشرة وحادة مع أميركا، لهذا فإنها تساير أميركا في المحطات الأخيرة، دون أن تقطع الصلة بإيران، وهي تلعب هنا لعبة مسك العصا في الوسط دون أن تضطر إلى خصام فريق من أجل فريق آخر، وهي بحاجة إلى هذه السياسة في فترة إحياء الموقع الدولي لها. إن روسيا والصين تعلمان كما يبدو، ألا حرب على إيران، ولا أثر جذرياً للعقوبات، فلماذا المخاطرة إذاً وفتح جبهات مواجهة من غير طائل.