خبر هدوء بثمن حملة .. هآرتس

الساعة 03:06 م|04 ديسمبر 2009

بقلم: الوف بن

رفض رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ابو مازن، العودة الى المفاوضات مع اسرائيل غير مفاجىء. عندما تقترب اسرائيل من حماس عبر صفقة شليت، عباس يريد ان يظهر بأنه ليس اقل وطنية فلسطينيا من خالد مشعل واسماعيل هنية. فهما يبتزان من اسرائيل مئات الارهابيين المحبوسين مقابل جندي اسير واحد وعباس يشدد موقفه ويطلب من اسرائيل  ان تتوقف عن البناء في شرقي القدس ويهاجم علنا الرئيس الامريكي براك اوباما الذي "لم يفعل شيئا من اجل السلام". هذا ليس قليلا بالنسبة لزعيم ضيف يهدد بأن يترك منصبه وفجأة تتملكه الشجاعة.

 في رفض عباس توجد فرصة كبيرة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. بدلا من ان يضيع الوقت في محادثات عابثة على التسوية الدائمة، يمكن لنتنياهو ان يبادر الى خطوة من جانب واحد في الضفة الغربية ترمي الى تلطيف حدة النزاع، تعزيز السلطة الفلسطينية وتخفيف العزلة الدولية لاسرائيل. العالم لن يكتفي بتجميد البناء الجديد في المستوطنات لعشرة اشهر، الذي اعلن عنه نتنياهو. العالم سيرغب في المزيد. على نتنياهو ان يجد صيغة ترضي العالم دون ان يحدث شرخا عميقا في المجتمع الاسرائيلي.

 رئيس الوزراء يوجد في الوضع الذي كان فيه اسلافه، اسحاق رابين في صيف 1993 واريئيل شارون في خريف 2003. كلاهما علقا دون مسيرة سياسية، امام طلب امريكي في التقدم وعدم ارتياح متعاظم في الداخل. كلاهما بحثا عن مخرج، ثمنه السياسي والاقليمي يكون محتملا: حد ادنى من الاراضي مقابل حد اقصى من التأييد. وكلاهما اختارا خطوات انتقالية: رابين في اتفاق اوسلو، شارون في فك الارتباط عن غزة. كلاهما تنكرا للمواقف التي عرضاها قبل الانتخابات: رابين نفر من ياسر عرفات، شارون ادعى بأن نتساريم هامة كتل ابيب. وعندها حصل التحول.  رابين صافح عرفات، شارون فكك نتساريم وغوش قطيف.

 اوسلو وفك الارتباط لم يحلا النزاع: المواجهة اصبحت اكثر عنفا، آلاف الاشخاص قتلوا في الطرفين واسرائيل عمقت سيطرتها في شرقي القدس وفي اجزاء في الضفة الغربية. ولكن رابين وشارون تمتعا بدعم دولي وعلني وقادا جدول الاعمال وقطفا انجازات "على الطريق"، مثل السلام مع الاردن ودعم الولايات المتحدة. كلاهما وجدا صعوبة في ان يقررا ولكن ما ان قررا حتى دافعا بحماسة عن موقفيهما الجديدين. نهايتهما المأساوية – رابين اغتيل، شارون في غيبوبة – شددت فقط "الارث" الذي تبنياه في نهاية حياتهما السياسية.

 تردد نتنياهو مشابه. في العالم لا يصدقونه ويصفونه بأنه متصلب ورافض. اوباما يتنكر له. الجمهور الاسرائيلي يؤيد نتنياهو، ولكن من يدري لكم من الوقت. التجميد خلق شرخا مع المستوطنين دون ان يؤدي الى استئناف المفاوضات مع عباس او العشق المفاجىء لاوباما لرئيس الوزراء. انتقاد تردد نتنياهو بات سائدا، وبعد لحظة سيعرضوه كخرقة ممزقة استسلم للامريكيين دون ان يحقق شيئا. لا سلام، لا الامن، لا العقوبات على ايران. نتنياهو بحاجة الى مخرج.

 رئيس الوزراء السابق، ايهود اولمرت، اقترح على نتنياهو دواء من على الرف: خذ اقتراح السلام الذي سلمته لابو مازن في ايلول 2008 واطلب من الامريكيين ان يجلبوا منه ردا موافقا. وقل للجمهور ان هذا كان اقتراح حكومة منتخبة يمكنه ان يكون اساسا للمفاوضات حتى لو كنت لا توافق على كل تفاصيله. هذا الاسبوع عرض اولمرت الفكرة على زعماء استراليا: اذهبوا الى عباس وآتوا بجواب.

 عودة الى المسائل الجوهرية

 لاقتراح اولمرت ثلاثة عناصر: انسحاب شبه كامل من الضفة، تقريبا الى خط جدار الفصل، مع تعديلات طفيفة وتبادل للاراضي؛ تدويل "الحوض المقدس" في القدس؛ واستيعاب رمزي لبضع آلاف من اللاجئين الفلسطينيين في اسرائيل.

 خريطة الحدود أعدها لاولمرت العقيد احتياط داني ترزا، مخطط جدار الفصل. ترزا أبعد عن وزارة الدفاع بعد ان اتهم بتضليل محكمة العدل العليا، بدعوى انه اخفى عن القضاة الاعتبارات الاساسية التي وقفت خلف تصميم مسار الجدار. الوزير عامير بيرتس نحاه قبل حرب لبنان ولكن اولمرت لم يرغب في ان يتخلى عن معرفته للميدان، وعين تيرزا مستشارا في مديرية السلام في ديوان رئيس الوزراء. في هذا المنصب اعد خريطة فلسطين المستقبلية، التي عرضها اولمرت على ابو مازن.

 علاقات نتنياهو واولمرت جيدة، ولكن رئيس الوزراء لا يتبنى خطط سلفه كأساس للحوار. وحسب نتنياهو فان اولمرت لم يعرض عليه بالتفصيل الاقتراح الذي سلمه لابو مازن. نتنياهو يفضل الغموض على التماثل المبطن مع الاقتراح الذي يدعو الى اخلاء المستوطنات خلف الجدار.

 المبعوث الامريكي جورج ميتشل يطرح فكرة بديلة. ميتشل يريد العودة الى محادثات على التسوية الدائمة في كل "مسائل اللباب" – الحدود، اللاجئين والقدس، ولكنه يفضل التركيز على تصميم الحدود بين اسرائيل وفلسطين المستقبلية. في تعقيبه على الاعلان عن تجميد المستوطنات قال ميتشل ان تحديد الحدود ستحل مشكلة المستوطنات. وسيكون بوسع الاسرائيليين ان يبنوا في جانبهم كما يشاؤون والفلسطينيون ان يبنوا كما يشاؤون في جانبهم. نتنياهو يعارض هذه الفكرة ومثل عباس يفضل حل كل المشاكل معا وعدم الابقاء للمستقبل الغام مثل القدس، اللاجئين، الدولة اليهودية وانهاء النزاع.

 الامريكيون يكتفون حاليا بـ "الغموض البناء". وزيرة الخارجية، هيلاري كلينتون، اعلنت الاسبوع الماضي بانه يجب السعي الى "دولة فلسطينية تقوم على خطوط 1967 مع تبادل للاراضي متفق عليه"، كما ستعطي اسرائيل "حدود آمنة ومعترف بها تعكس التطورات وتلبي المطالب الامنية لاسرائيل". الترجمة: فهي لا تقول شيئا ولا تطرح موقفا.

 شبه احادي الجانب

 المشكلة في الخطط للتسوية الدائمة، هي انها ليست عملية. من الصعب تحقيق اتفاق على المسائل المتعلقة بالهوية الوطنية للطرفين، بل وصعب اكثر تنفيذه. وهاكم ثلاثة اسباب: الانشقاق بين فتح وحماس، الحكومة اليمينية في اسرائيل وضعف اوباما. حتى لو كان الزعماء اقوى، من الصعب ان نتصور اسرائيل تخلي مئات الاف المستوطنين والفلسطينيون يلغون مطلب عودة اللاجئين. للاجىء الفلسطيني في مخيم في سوريا، لم ير اسرائيل ابدا، لا يهمه حقا اذا كانت يتسهار ستخلى والحاجز قرب نابلس سيفتح. من ناحيته، "الاحتلال" هو رفض اسرائيل اعادة عائلته الى قريتها المهدومة في الجليل.

 واذا لم تكن التسوية الدائمة، فماذا يكون؟ عباس اوضح بأن الفلسطينيين لن يوقعوا على تسوية انتقالية اخرى، وان من ناحيتهم من الافض احتلال كامل على سلام جزئي. هذا يعني ان كل خطوة انتقالية في الضفة ستكون بالضرورة احادية الجانب – حتى لو كانت منسقة: خطوة اسرائيلية حيال خطوة فلسطينية. اخلاء اراض ومستوطنات، مقابل التقدم في بناء الدولة الفلسطينية حسب خطة رئيس الوزراء سلام فياض وتحت اشراف امريكي. الفلسطينيون سيتمتعون بمزيد من الاراضي المتواصلة، دون مستوطنين وحواجز وسيحصلون على تشجيع للتنمية الاقتصادية. اما اسرائيل فتحصل على هدوء سياسي، دون ان تضطر للتصدي للمشاكل الاليمة.

 نتنياهو يعارض الخطوات احادية الجانب ويؤمن بـ "اذا اعطوا سيأخذون". فقد استقال من حكومة شارون عشية فك الارتباط ومنذئذ عاد ليؤكد بأن مستقبل المناطق ستقرر فقط في المفاوضات على التسوية الدائمة. اذا ما حشر نحو خطوة شديدة احادية الجانب مثل شارون، فكيف سيرد على الادعاءات بانه يتذبذب؟ نتنياهو يمكنه ان يدعي انه خلافا لشارون، الذي تخلى عن كل المنطقة، اخلى الجيش وترك الحدود بين غزة ومصر مكشوفة للتهريب، سيتصرف هو بمسؤولية. الجيش سيبقى في المواقع الاساس ويواصل السيطرة على الحدود بين الضفة والاردن. كما ان الانسحاب لن يكون تماما احادي الجانب. اسرائيل ستنقل المنطقة الى الجنرال الامريكي كيت دايتون، وهو سيسلمها الى الفلسطينيين ويتأكد من انهم يحرصون على الامن. تجربة غزة تظهر ان الفلسطينيين سيتحدثون ضد، ولكنهم سيتعاونون ولن يعرقلوا الانسحاب الاسرائيلي.

 غيورا ايلند، شلومو بروم وعوديد عيران، الباحثون في معهد بحوث الامن القومي، نشروا هذا الاسبوع سلسلة مسارات محتملة لتسوية انتقالية في الضفة. في القائمة: انسحاب من ارض محدودة دون اخلاء المستوطنات، اخلاء محدود لمفو دوتان وحرمش قرب جنين، اخلاء 17 مستوطنة منعزلة في ظهر الجبل او انسحاب الى جدار الفصل. على نتنياهو فقط ان يختار. الافكار ليست جديدة: ايلند اهتم بها بصفته رئيس دائرة التخطيط في الجيش الاسرائيلي ورئيس مجلس الامن القومي في عهد شارون. عودتها الى البحث الجماهيري تدل على ان صدمة فك الارتباط من غزة آخذة في الوهن، وأناس من قلب المؤسسة السياسية والامنية يطرحون من جديد اقتراحات لاخلاء المستوطنين. مجلس يشع للمستوطنين لم ينجح في "استيطان القلوب" .

 ولكن نتنياهو ليس هناك بعد. هذا الاسبوع سيحاول تهدئة المستوطنين، بعد ان فرض عليهم التجميد. من وزير الدفاع ايهود باراك، طلب ان يتعامل معهم بحساسية اكثر وأقل تصميم. المستوطنون يديرون معركة على التجميد، وذلك ايضا من اجل ردع الحكومة عن افكار مزيد من الاخلاء. وهم يفهمون على ما يبدو بأن رفض ابو مازن يقرب نتنياهو من الحسم في خطوة انتقالية في الضفة.