خبر أربعة ملفات في جعبة أبو مازن إلى لبنان .. فداء عيتاني

الساعة 02:59 م|04 ديسمبر 2009

بقلم: فداء عيتاني

يصل محمود عباس إلى بيروت يوم السابع من كانون الأول الحالي، وفي جدول أعماله - إضافة إلى الجانب الرسمي - أربع نقاط. زيارة لن تكون محطّ ترحيب كل الأطراف، فالانقسام الفلسطيني العميق، إضافة إلى الصراعات الفتحاوية، ستحوم فوق السيارة الرسمية لأبو مازن.

يلقى الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، خلال زيارته لبنان، كل الترحيب الملائم بروتوكولياً لموقعه ورتبته، إضافة إلى كرم الضيافة اللبنانية الذي سيشيد به أبو مازن. ويمكن من اللحظة تكهن فحوى كلماته التي سيتحدث بها من بيروت؛ ستكون عن حسن استضافة لبنان للاجئين الفلسطينيين (ما يزيد بقليل على 400 ألف) في مخيمات البؤس الفلسطينية. كذلك ستكون هناك إشارة إلى إعادة إعمار مخيم نهر البارد، والتعاون مع السلطات اللبنانية في المجال الأمني، وهو الجانب الذي أصبح أبو مازن خبيراً به بعد لقاءاته المتعددة مع أحد كبار الضباط الأمنيين اللبنانيين، الذي يكاد يجند رئيس السلطة الفلسطينية في جهازه بعدما حصل منه على كل التعاون الممكن.

ويمكن أيضاً تصوّر مجموعة من ممثلي الفصائل الفلسطينية الذين ينتظرون عباس على مدرج المطار، وهم مستعدون لانتظاره منذ اللحظة؛ ففي النهاية، لا يزال القرار المالي في يد الرجل اليمنى التي توقّع على رواتبهم. وكذلك اللقاءات التي ستجري معه بعيداً عن الإعلام.

لكن الجدول الفعلي للزيارة قد لا يحمل الكثير من هموم الفلسطينيين في لبنان، هذا من ناحية، كذلك فإن الهموم الفتحاوية، وما يشغل بال الضيف الفلسطيني، قد لا تعلن في البرنامج الرسمي للزيارة؛ فالمخيمات الفلسطينية في واد، وأناقة الضيف الفلسطيني في وادٍ آخر.

لا شك في أن على رئيس السلطة الفلسطينية معالجة أربعة ملفات على الأقل خلال زيارته، وليس بالضرورة أن ينجح في ذلك، أو يقدّم أجوبة شافية، إلا أنه سيكون أمام محاولة يحكم بعض الفصائل عليها بالفشل منذ الآن:

1 - ترتيب وضع فتح في لبنان، وهو الملف الذي قيل الكثير فيه، ولم يصل إلى أي نتيجة حتى اللحظة، في صراع قائم بين سلطان أبو العينين، وعدد من القياديين الآخرين. ففيما كان أبو مازن يرى أنه ركل سلطان إلى الأعلى عبر ترقيته وإيصاله إلى القيادة المركزية خلال مؤتمر فتح الأخير (في شهر آب الماضي)، فإن أبو العينين لم يفهم الرسالة بهذا المعنى، بل تابع في محاولته السيطرة على الحركة في لبنان. وبحسب قياديين فلسطينيين، فإن أبو العينين سيتابع اندفاعته، تقوده الرغبة في السلطة والمال.

وأبرز دلائل الأزمة الحالية في حركة فتح في لبنان هو عدم وجود مسؤول للحركة بعد انتهاء المؤتمر العام، وانعدام قدرة أبو مازن على تنصيب مسؤول كهذا. وهكذا، أصبح القائد العام عاجزاً أمام قياديين محليين، يتصارعون لتسلم المنصب، وقائدهم الأعلى يحاول إبعادهم عن الملف اللبناني بالكامل.

وتتحدث مصادر فلسطينية عن قرار أبو مازن تعيين فتحي أبو العردات مسؤولاً عن فتح في لبنان. بل هناك مصادر في فتح تؤكد أن أبو مازن وقّع قرار التعيين، لكنه يعلم أنه غير قادر على إمراره حالياً. وتشير هذه المصادر إلى أن أبرز العوائق أمام أبو العردات هو عدم وجود جماعة تلتفّ حوله، ولا ميليشيا أو مجموعات تؤتمر بأمره، وهو من الشخصيات التي عملت في الميادين النقابية الفلسطينية والإعلامية والتنظيمية، لكن بعيداً عن أجواء العسكر، فيما كانت فتح تخوض صراعاً دموياً في لبنان.

وافتقاد أبو العردات لحيثية ميليشياوية، يدفع المصادر الفتحاوية إلى التساؤل: «بمن سيحكم أبو العردات، وبمن سيواجه ميليشيات سلطان وغير سلطان في المخيمات؟». وإضافة إلى فقدانه للمشروعية المسلحة، فإن أبو العردات أيضاً لا يملك المال، وهو العنصر الثاني في المعادلة الفلسطينية في لبنان التي باتت تتماثل مع الزعامات الطائفية اللبنانية بمعادلة السلاح والمال.

2 - العنصر الثاني في زيارة أبو مازن سيكون لحصر ممتلكات فتح في لبنان وبيعها، وهي ممتلكات تشمل على نحو رئيسي عقارات في مناطق متفرقة، تقديرها العددي والمالي صعب، وهناك أكثر من فريق يعمل على ملف حصرها. وفي ظل الأزمة المالية التي تلمّ بالمنظمة في لبنان وفي الأراضي الفلسطينية، فإن مئات الملايين من الدولارات التي ستتأتى من البيع ستكون مفيدة في تزييت الماكينات الحزبية بالمال اللازم. وبعض هذه الأملاك بات معروفاً للمتابعين، أهمها ربما في شارع الحمراء في بيروت وقد تم شراؤها خلال السبعينيات والنصف الأول من ثمانينيات القرن الماضي حين كانت فتح تستثمر أموالها في لبنان.

في الجانب المالي أيضاً، يسعى أبو مازن إلى تسريح آلاف من المقاتلين الفلسطينيين التابعين لحركة فتح، وإبقاء بضع مئات منهم في كل المخيمات، وإعادة إحياء مشروع لواء فلسطيني نظامي بإمرة الجيش اللبناني، وإنهاء ملف المقاتلين التابعين للمقاومة الفلسطينية، وترك قوى الفصائل المعارضة عارية أمام السلطات اللبنانية وإحراج الطرفين بهذا المشروع.

3 - وسيضع أبو مازن، خلال الزيارة، الجانب اللبناني الرسمي في أجواء تطورات القضية الفلسطينية والمفاوضات والملفات الداخلية الفلسطينية - الفلسطينية. وهو يستهدف الحصول على دعم لبنان لإعلان دولة فلسطينية، المشروع الذي يسعى أبو مازن إلى تسويقه من طرف واحد، بينما أعلن دولياً وإسرائيلياً إجهاضه. وسيحاول الاستفادة من دور لبنان وموقعه لكونه عضواً غير دائم في مجلس الأمن الدولي في هذا المجال.

4 - وهي النقطة الأهم: سيحاول أبو مازن الحصول على موافقة أولية من الأطراف اللبنانيين الرئيسيين على منح اللاجئين اللبنانيين وثيقة سفر فلسطينية تُنهي قضية العودة، وخاصة أن مؤتمر فتح الأخير والفلسفة التي أعلنها أبو مازن في هذا المجال تقوم على «حل عادل متفق عليه مع الجانب الإسرائيلي» لملف اللاجئين، ومعلوم ما هو الموقف الإسرائيلي في هذا المجال.

القوى الفلسطينية المعارضة تقاطع: الحوار مع القيادة في دمشق

محاولة لتسليم الملف الفلسطيني إلى لجنة تدمج الفلسطيني سياسياً بمحيطه

ففي مقررات المؤتمر، يمكن قراءة تعابير كـ«تلتزم حركة فتح بالعمل الدؤوب لتحقيق حق اللاجئين في العودة والتعويض واستعادة الممتلكات»، وبالتالي لم يعد العمل على العودة، بل على تكريس الحق معنوياً. و«تأكيد رفض التوطين القسري أو الدعوة للوطن البديل» وهي فقرة تحل مكان ما كان يستخدم سابقاً من «رفض كل أشكال توطين شعبنا الفلسطيني»، بعدما بات التوطين القسري هو المرفوض فقط.

وتسعى فتح إلى تسليم مهمات الفلسطينيين في الخارج إلى «لجنة المغتربين» بديلاً لدائرة اللاجئين التي أُهملت طويلاً. وتعمل لجنة المغتربين، بحسب أوراق المؤتمر الرسمية، على «تشجيعهم (الفلسطينيين) على الاندماج في الحياة السياسية والاقتصادية والفكرية في المجتمعات التي يعيشون فيها». وإذا ما اندمج الفلسطينيون في لبنان في الحياة السياسية، فماذا يبقى لهم من هوية؟

في المقابل، قررت قوى التحالف الفلسطينية المعارضة مقاطعة زيارة عباس للبنان. وردّت على الدعوة الرسمية التي وجهتها إليها حركة فتح للمشاركة في استقبال الرئيس الفلسطيني برفض المشاركة، وأعلنت أنها لن تكون على أرض المطار بانتظار عباس، ولن تشارك في أي لقاء يحضره، وإذا ما قرر أبو مازن التحاور مع أي من قوى المعارضة، فإن عليه التوجه بالحوار إلى قيادتها الموجودة في دمشق، والأمر ينطبق على كل قوى المعارضة من حماس، وصولاً إلى الجبهة الشعبية القيادة العامة.

وتقول مصادر في هذه القوى إنها ستراقب الزيارة ومجرياتها، وإذا ما رأت فيها ما يمثّل «إضراراً بالقضية وبحقوق الفلسطينيين في لبنان، فإنها ستردّ، ولن يكون ردها هادئاً هذه المرة، ولا خافتاً». وتضيف المصادر أن «على أبو مازن أن يعلم أنه رئيس سلطة انتقالية قائمة في الضفة الغربية وغزة، وهو ليس رئيس كل الفلسطينيين، ولا منظمة التحرير الفلسطينية تمثل كل الشعب الفلسطيني، وهناك شريحة كبيرة من الشعب الفلسطيني تؤيد المقاومة وفصائلها، وأبو مازن غير مخوَّل بالتحدث باسم الشعب الفلسطيني كله، ولا في القضايا المصيرية».