خبر انعكاس صفقة تبادل الأسرى على الخارطة الفلسطينية .. هاني المصري

الساعة 08:22 ص|01 ديسمبر 2009

بقلم : هاني المصري

إذا رأت صفقة تبادل الأسرى النور، ولديها فرصة طيبة للنجاح، فسيكون لها انعكاسات ملموسة على الخارطة السياسية الفلسطينية. ان مدى تأثيرها يتوقف على شروط الصفقة، وهل ستأتي ضمن المعايير الإسرائيلية، التي تشمل عدم الإفراج عن ذوي الإحكام العالية "الملطخة اياديهم بالدماء اليهودية"، وعن الاسرى من القدس المحتلة ومن مواطني 1948، والاسرى العرب، والاسرى المنتمين للفصائل الفلسطينية المصنفة ضمن "قائمة المنظمات الارهابية والمعادية للسلام"، وابعاد المفرج عنهم (خصوصاً الخطرين منهم) الى خارج فلسطين المحتلة.

أما المعايير الفلسطينية فتستند الى عدم التمييز بين الاسرى على اساس الانتماء السياسي او الجغرافي، واعطاء الاولوية لذوي الاحكام العالية ومن ثم لكبار السن والمرضى والاطفال والنساء.

المعطيات المتوفرة حتى الان تشير الى ان المعايير الاسرائيلية قد تم كسرها بشكل كبير، اما المعايير الفلسطينية فقد تم اختراقها بشكل أقل.

فالصفقة ستضمن الافراج عن مئات المعتقلين من ذوي الاحكام العالية، بمن فيهم الذين نفذوا عمليات فدائية ادت الى سقوط قتلى من الاسرائيليين، بدون تمييز بينهم على خلفية انتمائهم السياسي او الجغرافي، ولكن الخلاف لا يزال يدور حول عدد من الأسرى الذين ترفض اسرائيل الافراج عنهم، وعدد اخر الذين تريد ابعادهم الى خارج فلسطين المحتلة، او الذين ستفرج عنهم بعد عدة سنوات.

واذا شملت الصفقة الافراج عن مروان البرغوثي واحمد سعدات وكبار المعتقلين السياسيين والعسكريين فستكون انجازا كبيرا للفلسطينيين، ولحركة حماس يقلل من الثمن الباهظ الذي دفعه الشعب الفلسطيني بصورة عامة، وقطاع غزة وحركة حماس بصورة خاصة، جراء اسر جلعاد شاليت والحفاظ عليه اسيراً حتى الآن.

إن اتمام الصفقة وفقاً للمعايير الفلسطينية يعني:

اولاً: ان اسرائيل لا تفهم سوى لغة القوة. فالخطف هو الأمر الوحيد الذي يبقي باب الامل مفتوحاً امام حرية المعتقلين من ذوي الاحكام العالية، ما يشجع غيرهم على فداء الوطن وتلبية نداء الواجب بمقاومة الاحتلال وتكبيده خسائر بشرية تجعله يفكر بالرحيل عن الاراضي الفلسطينية المحتلة.

ثانياً: ان اسرائيل اضطرت للتفاوض، وان بشكل غير مباشر، مع تنظيم فلسطيني يرفض الاعتراف بها ووقف المقاومة ولا يلتزم بشروط اللجنة الرباعية، ما يقلل من تأثير المعارضة الاسرائيلية لاجراء اتصالات وعقد اجتماعات اميركية واوروبية ودولية مع حركة حماس. فكيف تستطيع اسرائيل بعد اتمام الصفقة ان ترفض ذلك، وهي تجري اتصالات مستمرة مع "حماس" حول صفقة تبادل الاسرى، والتهدئة، والحصار، فحركة حماس موجودة وفرضت نفسها كلاعب مهم في الملعب الفلسطيني، خصوصا بعد سيطرتها الانفرادية على قطاع غزة.

كما ان الصفقة يمكن ان تفتح ثغرة في جدار الرفض الاسرائيلي لحركة حماس، خصوصاً ان البديل الاسرائيلي الاكثر رواجا حاليا لحل الصراع يقوم على اقامة دولة ذات حدود مؤقتة، تؤجل حسم قضايا الصراع الاساسية. فهناك اوساط اسرائيلية نافذة تراهن على: امكانية قبول "حماس" لهذه الدولة التي يمكن ان يكون مركزها في قطاع غزة وبقية رعيتها في كانتونات الضفة، أي في الاماكن التي يمكن ان تنسحب منها قوات الاحتلال والتي تصل مساحتها من 50- 60% من مساحة الضفة وفقا لهذه الخطة.

ثالثاً: إن تمكن حركة حماس من انجاز صفقة تبادل الاسرى، سيعطها ورقة هامة تحسن موقفها الداخلي، خصوصا ان الصفقة سترى النور في ظل وصول المفاوضات الثنائية الى طريق مسدود، واعتراف الرئيس ابو مازن بذلك، وبعد اعلانه عن رغبته بعدم الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة.

رابعاً: إذا شملت الصفقة الاسير مروان البرغوثي، فانها ستساعد على تقديمه كمرشح قوي للانتخابات الرئاسية القادمة، الأمر الذي ستكون له انعكاسات وتداعيات كبيرة فتحاوياً وفلسطينياً وخارجياً. كونه اذا ادى الى توليه سدة الرئاسة، فهذا سيعني اختيار طريق جديد يجمع ما بين المفاوضات والمقاومة، ويمكن ان يساعد على انهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية.

ان الصفقة اذا تمت، ستوجه ضربة قوية للرئيس ابو مازن، لان كل خطوات الثقة التي منحتها اسرائيل له طوال سنوات حكمه، لم تصل الى حد اطلاق سراح مئات الاسرى من ذوي الاحكام العالية، وانما غالبية الذين افرج عنهم كانوا قد انهوا غالبية محكوميتهم. ولا يعني ما سبق أن أبو مازن والسلطة والمنظمة لا يريدون اتمام الصفقة كما تروج اسرائيل في محاولة منها لاذكاء نار الفتنة بين الفلسطينين. فاستمرار الانقسام وتعميقه هدف استراتيجي اسرائيلي مستمر لأن الانقسام يوفر مزايا ضخمة لإسرائيل لا يمكن أن تجعل نفسها بمنأى عنها.

في هذا السياق ذكرت مصادر اعلامية اسرائيلية مختلفة ان الادارة الاميركية طلبت من اسرائيل اتخاذ عدة خطوات للتقليل من تأثير اتمام صفقة تبادل الاسرى على مكانة الرئيس أبو مازن.

وأكدت تلك المصادر أن خطوة نتنياهو بالاعلان عن "كبح جماح" الاستيطان جزء من هذه الخطوات، ومنها اقتراح بنقل مناطق اخرى من المناطق المصنفة "ب" و"ج" الى سيطرة السلطة الفلسطينية الكاملة، وهذا ما رفضته الحكومة الاسرائيلية، ومنها الافراج عن 1000 معتقل اخر، وفتح معبر رفح بحيث يكون تحت سيطرة الحرس الرئاسي الفلسطيني، وهما خطوتان لم يعرف الموقف الاسرائيلي منهما حتى الآن.

نأمل من حركة حماس ان لا تسكرها صفقة تبادل الاسرى، اذا تمت، لانها على اهميتها لا تغير نوعيا الخارطة الفلسطينية. ففي ظل استمرار الاحتلال والعدوان والاستيطان والجدار والحصار (خصوصا الحصار الخانق لقطاع غزة)، وتوقف المفاوضات جراء التعنت الاسرائيلي، وتعليق المقاومة حتى اشعار اخر، واستمرار الانقسام الفلسطيني المدمر، لا يمكن أن يكون هناك اي طرف فلسطيني قوي. فجميع الاطراف الفلسطينية ضعيفة، وستبقى في ظل الانقسام ضعيفة في مواجهة الاحتلال.

لقد وصل وضع الرئيس ابو مازن وحركة فتح والمنظمة الى اعالي السماء سياسياً وشعبياً، بعد مجيء ادارة اوباما وعقد مؤتمر حركة فتح السادس وجلسة استكمال النصاب للجنة التنفيذية، ثم انهار الوضع كله بعد قمة نيويورك الثلاثية وتراجع ادارة اوباما عن وعودها وبعد الخطأ الفادح بتأجيل تقرير غولدستون ووصول المفاوضات الى طريق مسدود.

فعلى "حماس" ان تأخذ العبرة من تجربتها الخاصة ومن التجارب الفلسطينية كافة، بحيث تبدي مرونة كبيرة بعد انجاز صفقة تبادل الاسرى على الصعيد الداخلي من أجل انجاز المصالحة الوطنية.

فاسرائيل لن تمكن حماس، كما لم تمكن فتح، من ان تكون قوية وتتحكم انفراديا بالوضع الفلسطيني. ففي ظل الانقسام ستسعى اسرائيل لتقوية فتح تارة، وحماس تارة اخرى حتى تبقى جميع الاطراف الفلسطينية ضعيفة. ففي ظل الانقسام لن تستطيع حماس ان تذهب الى اي مكان. فاذا تصورت ان بمقدورها الاستمرار بالسيطرة الانفرادية على قطاع غزة، وان القطاع يمكن ان يتحول الى قاعدة انطلاق لتحرير الضفة الغربية او بقية فلسطين، او الى نموذج يمكن الاقتداء به وتعميمه فهي تعيش في وهم خالص.

ففي ظل الانقسام والاحتلال لا طريق للنجاة سوى تحقيق الوحدة الوطنية والشراكة وحماية وتطوير التعددية على اساس انضواء الجميع في مظلة البرنامج الوطني الذي وحده قادر على تحقيق الاهداف الوطنية بالحرية والعودة والاستقلال!!!.