بقلم: ثوم شانكر ـ إريك شميت
مازالت هجمات 11 سبتمبر الإرهابية التى استهدفت نيويورك وواشنطن عم 2001 تسيطر على أذهان الأمريكيين، وكان أحدث آثارها هى إصدار قائد القوات العسكرية لحماية أمريكا الشمالية أوامر بإجراء مراجعة لنظام الدفاع الجوية المكلف الذى يهدف إلى منع تكرار وقوع هجمات إرهابية جديدة على غرار هجمات 11 سبتمبر، كما تهدف عملية المراجعة إلى تحديد مدى جاهزية المقاتلات العسكرية وغيرها من الطائرات والطيارين لمواجهة أى تهديد أو خطر محتمل.
وفى محاولة لشرح جوهر الأوامر التى أصدرها القائد الجوى الأمريكى، قال عدد من كبار الضباط المشاركين فى إجراء عملية المراجعة إنه يهدف إلى قياس مدى إمكانية نجاح الإرهابيين فى خطف طائرة مدنية كبيرة أو التحليق بطائرة صغيرة فى أجواء الولايات المتحدة أو كندا. وأوضحوا أن الدراسة التى يعدونها تركز على الظروف التى يمكن أن تمهد لتنفيذ هجوم إرهابى لن يستهدف هذه المرة مبنى عاما أو معْلما بارزا ـ كما حدث فى هجمات 11 سبتمبر من خلال ضرب برجى التجارة العالمى ومقر وزارة الدفاع الأمريكية ـ ولكن بدلا من ذلك سيكون الهجوم ضد محطة للطاقة أو أحد المراكز الأساسية بالشبكة المالية فى البلاد، مثل شبكة الكهرباء الرئيسية أو شبكة وصلات الكمبيوتر التى تتحكم فى تنظيم إشارات المرور وغيرها من الأمور التى تمس حياة المواطنين بشكل مباشر.
هذه المراجعة ـ التى من المتوقع الانتهاء منها فى الربيع المقبل ـ من المتوقع أن تكون أكثر المراجعات التى قام بها الجيش شمولا من حيث إعادة تقييم خطر نجاح تنظيم القاعدة فى تنفيذ هجوم إرهابى عن طريق الجو منذ هجمات 11 سبتمبر عام 2001، تلك الهجمات التى حولت وزارة الدفاع إلى التركيز على محاربة جيوش أخرى، وأدت يإدارة بوش ـ الرئيس الأمريكى السابق الجمهورى جورج بوش ـ إلى شن «الحرب العالمية على الارهاب».
ويعد هذا التقييم ـ جزئيا ـ انعكاسا لكيفية تعامل الجيش مع صعوبات خوض حربين ـ الجيش الأمريكى منتشر فى منطقتين من أكثر مناطق العالم توترا العراق وأفغانستان ـ كما يطرح تساؤل حول ما إذا كان من المنطقى الاحتفاظ بنظام الحماية المكلف الذى تم تأسيسه فى أعقاب الهجوم على مركز التجارة العالمى ووزارة الدفاع ـ البنتاجون ـ فعلى الرغم من أن الدوريات الجوية فوق المدن الامريكية ـ التى كانت جزءا من هذا النظام قد توقفت عام 2007، فإن الجيش مازال يحتفظ بعشرات الطائرات الحربية ومئات من أفراد الطاقم الجوى فى حالة تأهب للرد على التهديدات المحتملة.
وفى هذا السياق أوضح الميجور جنرال بيير جى. فورجيس مدير قيادة الدفاع الجوى فى أمريكا الشمالية «نوراد» الذى يضطلع بمهمة الدفاع الجوى داخل الولايات المتحدة العسكرية فى قيادة المنطقة الشمالية: «إن القوة المقاتلة التى أسسناها فى أعقاب هجمات سبتمبر تعد مكلفة للغاية، بحيث تجد نفسك دائما تتساءل «ما هو الحد الذى يمكننا عنده أن نقول إن هذا يكفى؟».
«نوراد» ـ التى تتخذ من «كولورادو سبرينجز» مقرا لها ـ ستحاول من خلال المراجعة التى تقوم بها معرفة ما إذا كانت الولايات المتحدة أكثر أمنا اليوم. فلقد طالب القادة فى «نوارد» الاستراتيجيون العسكريون وضباط العمليات بتحديد ما إذا كانت التدابير الأمنية التى وضعت منذ عام 2001 قد قلصت خطر هجوم إرهابى بواسطة الطائرات إلى الحد الذى يمكن معه لعدد أصغر من المقاتلات ومن الأفراد أن يحقق الأمن دون الحاجة إلى هذا النظام عالى التكلفة الموجود الآن.
لقد أوضح الضباط الذين أجروا المراجعة أن هناك عددا من الخطوات الأمنية التى تم اعتمادها خلال السنوات الثمانى الماضية ينبغى أن تأخذ فى الاعتبار حين يدور الحديث حول الحفاظ على مهمة الدفاع الجوى عند المستويات الحالية. من بين تلك الخطوات إجراءات التفتيش فى المطارات، إضافة مسلحين، تعزيز قوة أبواب قمرة القيادة فى الطائرات التجارية، فرض قيود أكثر صرامة على الطائرات التى تحلق فى المجال الجوى الخاص بواشنطن ومحيطها، إضافة إلى زيادة كبيرة فى مسئولى عمليات إنفاذ القانون وعناصر المخابرات وذلك من أجل تحديد وتعقب الإرهابيين المحتملين ومنعهم من ركوب الطائرات.
يقول الجنرال فورجيس: «إن قدرة الإرهابيين على فعل ما فعلوه فى 11 سبتمبر قد تم تقليصها إلى حد كبير». وأضاف فى مقابلة أجريت معه بمقر «نوراد» فى كولورادو سبرينجز: «لكن، وكما قيل من قبل على لسان غيرى من المسئولين، فإننا نشعر بالقلق بسبب الافتقار إلى الخيال. وهكذا نحن لا نريد النظر لموقف الدفاع من خلال التركيز على قدرتنا على مواجهة التهديدات فقط. نحن نريد أن نرى أيضا موقف الدفاع فى حالة إذا ما أصابنا الضعف».
وأوضح فورجيس أن المراجعة سوف تدرس أيضا مخططات مختلفة عن تلك التى استخدمها الإرهابيون فى تنفيذ هجمات 11 سبتمبر، كما أنها ستشمل تقييم نقاط الضعف فى البنية التحتية للاتصالات فى أمريكا، من خلال تنفيذ تدريبات على تنفيذ هجمات صورية ضد مراكز توليد الطاقة وشبكات التوزيع، والبنية التحتية المالية.
لقد جاءت أوامر الجنرال فيكتور رينورت رئيس «نوراد» وقيادة المنطقة الشمالية بإجراء هذه المراجعة ردا على انتقادات وجهها مكتب المحاسبة الحكومى هذا العام الذى اتهم القيادة بالفشل فى إجراء «عمليات تقييم روتينية للمخاطر». فما كان من الجنرال رينورت إلا أن وسع نطاق المراجعة «لتحديد كيفية تخصيص القيادة الموارد وفقا للمتطلبات الراهنة». هذا ما أوضحه جيمس جرايبيل المتحدث باسم القيادة.
وبالحديث بلغة الأرقام، فإن العدد الحقيقى للطائرات الحربية المخصصة للدفاع عن الأراضى الأمريكية، والقواعد التى لا تزال فى حالة تأهب، غير مصرح بالكشف عنه لأنه يدخل فى إطار المعلومات التى تمس الأمن القومى. ولكن فى حين أن وزارة الدفاع اجرت بعض التغييرات المهمة فى الماضى، مثل عندما استبعدت عام 2002 الدوريات الجوية التى كانت توقوم بها المقاتلات على واشنطن ونيويورك لمدة 24 ساعة، إلا أن كبار الضباط أكدوا أن موارد البرنامج الدفاعى، وحالة الاستنفار للطائرات المقاتلة والطيارين لم تتغير منذ هجمات عام 2001.
«الآن، وأكثر من أى وقت مضى ـ يقول الجنرال فورجيس متحدثا عن التوتر الحالى الذى تعانى منه القيادة ـ هو وقت الحاجة إلى ترشيد ما نفعله وما نحن نستثمر فى تلك المناطق» ـ فى إشارة إلى مناطق الحروب المتورطة فيها أمريكا.
وتظهر الإحصاءات التى قدمتها «نوراد» عام 2008 أنه كان هناك أكثر من 1000 حالة اشتباه فى نشاط مشبوه فى الأجواء الأمريكية. من بينها تتطلب نحو 400 استجابة من «نوراد»، بدءا من وضع طواقم فى حالة تأهب قصوى، إلى استدعاء المزيد من الطائرات المقاتلة التى أرسلت لمواجهة التهديد المشتبه فيه فى أكثر من 200 من تلك الحوادث.
إن الدوريات الجوية القتالية فوق المدن الأمريكية تستخدم الآن فقط للتدريبات والمناسبات الخاصة مثل احتفالات التنصيب الرئاسى. والسبب فى ذلك يرجع حقا إلى تكلفتها العالية، فخلال ذروة استخدامها فى أعقاب هجمات 11 سبتمبر كانت تكلفة هذه الدوريات 50 مليون دولار فى الأسبوع، وكانت تتطلب تخصيص نحو 11 ألف من أفراد سلاح الجو و250 طائرة تشمل المقاتلات، وتلك الخاصة بإعادة التزود بالوقود والرادار المحمولة جوا.