فلسطين اليوم : غزة
يشكّل راتب الزوجة قضية كبيرة حينما يتعلق الأمر بمشاركتها في مصاريف البيت، حيث يعتقد البعض أن إسهامها واجب لابدّ منه، في حين يرى فريق آخر أن راتبها ملكية خاصة بها، ولها وحدها حق التصرف فيه. فأي الآراء اقرب إلى الواقع؟
كيف تتصرف الزوجة العاملة في راتبها؟ وكم تمثل نسبة وقيمة مشاركتها في مصاريف البيت؟ وكيف يتم الأمر بينها وبين زوجها؟ بالرضا أم بالاتفاق؟ وما هي نظرتها إلى هذه المشاركة؟
- نسب وأرقام:
أكدت 47 في المئة من الزوجات اللواتي شملهن الاستطلاع، أنهن يشاركن بشكل منتظم بمبالغ مقطوعة أو ثابتة في مصروف البيت، ولم تُستثن من هذه النسبة سوى 2 في المئة فقط من النساء اللواتي لا ينفقن فلساً واحداً للمشاركة في مصاريف البيت. إذ إن هؤلاء ينظرن إلى هذا الأمر على أنه بمثابة واجب حتمي يقع على كاهل الزوج وحده. في حين أقرت 57 في المئة من المستطلعات بأن مشاركتهن في مصروف البيت، إنما تمت بمبادرة شخصية من جانبهن، مقابل 18 في المئة من النساء ممن أكدن أن مشاركتهن جاءت بناء على طلب مباشر من الزوج. إلا أن مشاركة 25 في المئة منهن تمت عن طريق الحوار والاتفاق مع الزوج.
أما في ما يتعلق بحجم ونسبة هذه المشاركة، فقد قدرت 53 في المئة من الزوجات المستطلعات مشاركتهن في مصروف البيت بنسبة تتراوح بين 40 و60 في المئة من إجمالي دخلهن الشهري، أما 39 في المئة منهن، فقلن إن نسبة مشاركتهنّ أكبر من ذلك، حيث قدرنها بما يفوق الـ70 في المئة من إجمالي رواتبهن. ومع ذلك، تبين أن هناك 8 في المئة من الزوجات فقط ممن لا تتعدى نسبة مشاركتهن في مصروف البيت من راتبهن الشهري الـ30 في المئة.
- رضا:
وعن موقف الزوجات المستطلعات تجاه هذه المشاركة، بيّن الاستطلاع أن 70 في المئة من النساء قلن إنهن يشعرن بالرضا عن هذا الأمر، في حين أن 17 في المئة منهن اعتبرن أنه أمر جيد، خاصة أن الزوجة غير مكلّفة بالإنفاق على الأسرة. واعتبرته نسبة 68 في المئة من النساء أمراً عادياً في ظل الظروف الاقتصادية الحالية. وكانت نسبة اللواتي قيّمن إسهامهنّ بأنه سيئ في حق الزوج، غير القادر على الوفاء بالتزامات أسرته هي النسبة الأقل، ذلك أنها لم تتعد الـ15 في المئة.
وعلى الرغم من شعور 28 في المئة من النساء بالضيق أحياناً من هذه المشاركة، وإحساس 2 في المئة منهن بأنهن موضع استغلال، إلا أن 41 في المئة من الزوجات المستطلعات أكدن أنهن على قناعة تامة بأن مشاركتهن في مصروف البيت "ضرورية ولا يمكن الاستغناء عنها"، وإن شككت نسبة 47 في المئة من النساء في ضرورتها، إلا أنهن لم ينكرن أنها "أمر لازم لاعتبارات كثيرة". بيد أن 12 في المئة منهن يرين أن هذه المشاركة كمالية ولا تمس صميم الأساسيات بشكل مباشر.
- تقييم:
وكشف الاستطلاع وجهة نظر 62 في المئة من الزوجات في الرجل، الذي يرفض تماماً أن تسهم زوجته في مصروف البيت. إذ اعتبرنه "رجلاً رائعاً ولكن من النوع المنقرض"، بينما ترى 33 في المئة من الزوجات أنه رجل عادي، وحجتهن في ذلك أن الزوج هو المكلف بالإنفاق على الأسرة، بينما تجد 5 في المئة من الزوجات أنه يعاني كبرياء زائدة لا تخلو من شبهة التقليل من شأن المرأة.
- أمر اختياري:
خلاصة ما تقدم، أن راتب الزوجة باب قد يجلب نسائم التقارب والتعاون بين الزوجين، أو يأتي برياح الخلاف التي قد تعصف باستقرار الحياة الزوجية، وتؤدي إلى المشكلات والخلافات. فما هو رأي الزوجات العاملات في هذه القضية؟
في اعتقاد فاطمة المزروعي (مدرّسة، متزوجة منذ 6 أعوام) أن "راتب الزوجة هو حق لها ولمتطلباتها الخاصة، ولا يحق للزوج أن يطالبها به، لأنه المسؤول الأول عن الإنفاق على البيت والعائلة". وتشير فاطمة إلى أنه "في حال رغبت المرأة في المشاركة، فهذا أمر اختياري، ولا يجب أن يكون موضوع نقاش أو مشكلة بين الزوجين"، لافتة إلى أن "هذه هي السياسة التي أتّبعها، وأحمد الله على عدم وجود أي خلاف بيني وبين زوجي حول راتبي".
- حرية:
كذلك تؤمن حنان محمود رمزي (متزوجة منذ 13 عاماً) بمبدأ أن "مال الزوجة لها وحدها، وهي حرة في التصرف فيه كما شاءت"، بيد أنها تعود لتؤكد "ضرورة مشاركة الزوجة زوجها في الإنفاق على البيت، وذلك بقناعة من تلقاء نفسها ومن دون ضغوط من الزوج، خاصة إذا كان يحتاج إلى ذلك".
وتؤكد هبة محمد (مهندسة متزوجة حديثاً) حريتها الكاملة في التصرف في راتبها، موضحة أنها تنفق أموالها في سبيل تأمين احتياجاتها الشخصية وبعض احتياجات البيت الكمالية وبرضا كامل، وكذلك في شراء الهدايا لزوجها وأهلها". وتلفت إلى أن "الرجل الشرقي يحب أن يلتزم بمسؤولياته المادية، لأنها تمثل له اعتداداً بنفسه وبرجولته".
- استغلال:
غير أن إيناس حسن (موظفة، متزوجة منذ 17 عاماً) تحذّر من أن "هناك بعض الأزواج من ذوي الطبيعة الاتكالية، يستغلون صرف المرأة على بيتها، فيتركون لها الجمل بما حمل". لذلك، تشدد إيناس على "ضرورة وضوح الرؤية بين الزوجين منذ البداية، في ما يخص راتب الزوجة، وأن يكون هناك اتفاق حول كيفية إنفاق هذا الراتب، حتى لا تشعر الزوجة بالاستغلال، وتعطي زوجها الفرصة للتملص من واجباته".
- مسؤولية الرجل:
في المقابل، كيف ينظر الرجال إلى إسهام الزوجة في مصروف البيت؟
لا يرفض محمد الداعوق (صاحب شركة، متزوج من أكثر من 20 عاماً) فكرة أن تشارك الزوجة في مصاريف البيت فحسب، بل يؤكد أنه "من أنصار جلوس المرأة في البيت، حتى لا تثار قضية راتب الزوجة من أساسها". إذ إنه يعتبر أن "عمل الزوجة يتربع على قائمة مشكلات الأسرة العصرية". لذلك، يقول إنه يفضل أن تكتفي زوجته "بتحمُّل مسؤوليات البيت والأولاد فقط". مؤكداً أنه "في حال قررت الخروج إلى العمل، لن أرضى بأن تنفق على بيتي امرأة". ويكمل: "الإنفاق شرعاً وقانوناً من مسؤولية الرجل، وإن لم يفعل ذلك سقطت قوامته، ولا أظن أن رجلاً شرقياً يرضى بذلك لنفسه".
- ندّية:
كذلك، لا يرحب محسن غوثي (موظف متزوج منذ 12 عاماً) بمشاركة الزوجة في مصاريف البيت الأساسية، وإن كان لا يرى غضاضة في إنفاقها في الكماليات، مؤكداً أنه يخشى كذلك "من الإحساس بالندية" الذي قد تمنحه لها مشاركتها زوجها مصاريف البيت يداً بيد. يضيف: "بعض النساء اللواتي يسهمن في المصروفات يتوهمن أنهن لسن في حاجة إلى الرجل، وأنهن يستطعن القيام بدوره، فيُشعرنه بالتهميش، وهذا ما يؤدّي إلى كثير من المشكلات". ويلفت محسن إلى أن "إنفاق الزوج على بيته، يجعله هو الربان لذلك البيت"، مشيراً إلى أن "توزيع الأدوار بين الزوجين، يتيح لمركبهما أن يسير بهدوء وبعيداً عن الغرق".
- تقدير:
وبعيداً عن حواجز الكرامة والقوامة، التي تمنع البعض من السماح للمرأة بالمشاركة في ميزانية الإنفاق على الأسرة، يقول ياسر حسن (متزوج منذ عامين) إن "هذا الأمر اختياري، وفي يد الزوجة، ومن صميم حريتها الشخصية، وهي التي تُقدّر حاجة البيت وما يمكن أن تسهم به لسد هذه الحاجة، أما إذا امتنعت فلا يحق للزوج أن يطالبها بالمشاركة".
لكن ياسر يرى وجهاً آخر لمشاركة الزوجة المادية في مصروف البيت، خاصة إذا كان الزوج يحتاج إليها. إذ إنها "تدل على إحساسها بزوجها" بحسب ما يقول، ويشير إلى انه يرى في ذلك نوعاً من التعبير عن الحب".
- ظروف قاهرة:
من ناحيته، وفي موقف مخالف للآراء والمواقف السابقة، يرى أيمن أصلان (مهندس متزوج منذ 8 أعوام) أن "الظروف الاقتصادية، وازدياد الأعباء الحياتية، يحتمان أن يكون للزوجة العاملة دور في تخفيف هذه الأعباء". إلا أنه يلفت إلى أن ذلك "لا يعني أن تسهم المرأة مباشرة في المصاريف الأساسية، مثل الأكل والشرب والإيجار. لكن بالتزامها باحتياجاتها الخاصة من ملابس وكريمات وعطور وغيرها، يمكن أن تكون قد أسهمت بشكل كبير في مصاريف البيت". لكنه يعود ليؤكد أنه "يجب أن يطالب الرجل زوجته بالمساعدة في المصروف إن لم تفعل ذلك من تلقاء نفسها".
- كماليات:
كذلك، يعارض جمال الحكيم (متزوج منذ 8 أعوام) فكرة إسهام زوجته المادية في الأمور الأساسية في البيت، لافتاً إلى أن "ذلك من مسؤوليتي كرجل أمام الله وأمام الناس". ويقول: "يجب أن يتحمل الرجل مصاريف الزوجة ولوازم المنزل. أما راتب الزوجة فهي حرة في أن تنفقه كيفما تشاء، وفي حال اختارت أن تسهم في بعض الكماليات في البيت فلا مانع لديَّ".
ويعلن محمد مبارك (متزوج منذ 5 أعوام) أنه ضد إجبار الزوجة على تحمّل مصاريف البيت، مثلها مثل الرجل، لكنه يعود ليلفت إلى أن "الإحساس بالمحبة والمشاركة يحتم على الزوجة أن تتعاون مع زوجها، فإذا كان محتاجاً إلى راتبها، لسداد ديون أو يعاني أزمة مادية فعليها الوقوف معه". ويختم بالإشارة إلى أنه "لا يُعقل أن ترى المرأة العاملة بيتها في حاجة إلى مساعدتها المادية وتمتنع عن التعاون".
- تفهُّم ووعي:
في قراءة متأنية لنتائج الاستبيان، تؤكد الدكتورة ابتسام محمد أحمد (أستاذة علم الاجتماع في "جامعة السودان") أن "خروج المرأة للعمل لم يعد ترفاً، أو مجرد نقطة تُحسب لمصلحتها في صراعها التاريخي مع الرجل والمجتمع لانتزاع حقوقها"، مستشهدة بأن "نسبة 98 في المئة من النساء الموظفات في المجتمع العربي يعملن بدافع معاونة أسرهن، أي تحت ضغط الحاجة الاقتصادية، وأن نحو 2 في المئة فقط منهن يعملن بدافع إثبات الذات". وعلى الرغم من أن نسبة الأزواج، الذين يطالبون زوجاتهم صراحة بالمشاركة تمثل رقما مقدراً من العينة المستطلعة (18 في المئة)، كما يشير الاستبيان، إلا أن "معظم المستطلعات (82 في المئة) بحسب ما تقول الدكتورة ابتسام "يشاركن في مصاريف البيت عن طيب خاطر أو باتلاف ثنائي، ما يعني أن إرضاء الزوج أو الرضوخ لطلبه في ما يتعلق الإنفاق، ليس هو ما يقود المرأة إلى هذا التعاون، إنما حرصها على الاستقرار الأسري، و التفاهم، والتشارك مع زوجها في كل أمور الحياة". وترى الدكتوة أحمد أن "المرأة العصرية أصبحت متفهمة وواعية أن الحياة أصبحت صعبة في ظل ظروف اقتصادية حرجة، وذات فاتورة باهظة التكاليف تتطلب من كلا الطرفين مساعدة بعضهما بعضاً على التغلب عليها"، لافتة إلى أن "المرأة، في سبيل إحساسها بالاستقرار الأسري، وشعورها بدورها في ذلك، قد لا تكترث كثيراً للمستقبل، وهذا ما توضحه الأرقام".
وتفسر الدكتورة ابتسام ضيق 28 في المئة فقط من النساء المستطلعات أحياناً من مشاركتهن في مصاريف البيت، أو شعور 3 في المئة منهن بالاستغلال، "بضجر المرأة في بعض الحالات من ثقل المسؤوليات الزوجية الملقاة على كاهلها، فتجد نفسها تقوم بدورين، وهما العمل في الخارج ومهام البيت في الداخل، من دون وجود أي مساعدة أو تقدير من شريك حياتها، ولكن في الأحوال العادية، فإن هناك بعض التقدير أو المساعدة من الزوج".
وإذ ترجع لتستشهد بأرقام الاستبيان، تعود الدكتورة أحمد، لتشير إلى أنه "على الرغم من أن غبار معارك المرأة العصرية في التحرر وإثبات الذات، قد غطى على كثير من الجوانب العاطفية في داخلها، والمتمثلة في رغبتها الدائمة في الحماية والرعاية، إلا أن هناك وميض رومانسية يبرق من تحت رماد هذه الظروف، وتتمثل في وصف 62 في المئة الرجل الذي يرفض بإصرار أن تُسهم زوجته في مصروف البيت بأنه رائع".
- الحل في التفاهم:
هل يمكن لمشاركة الزوجة الموظفة في مصاريف البيت أو عدم مشاركتها، دور في اشتعال المشكلات الزوجية؟ يقول المستشار الأسري، ومدرب التنمية الذاتية محمد ناجي إن "لمشاركة المرأة العاملة مالياً في البيت، تأثيراً إيجابياً فيها لسببين: فهي أولاً تنظر إلى نفسها على أنها تقوم بدور إضافي في المنزل، وليست عالة على الزوج، والسبب الثاني هو إحساسها بقيمتها وأهميتها وبأنها تشارك زوجها وتحمل عن عاتقه بعض الأعباء المادية. أما رد فعل الزوج على هذه المشاركة، حسب المستشار ناجي "فيعتمد على جملة من الأسباب، منها: شخصية الزوج، وعلاقته بزوجته ونظرته إلى المرأة وإلى نفسه، فإذا كان من غير الواثقين بأنفسهم وبدور المرأة، فإنه سوف يتأثر بهذه المشاركة سلباً. وذلك لأنه سوف يحاول أن يفرض سطوته عليها، ويمكن أن تحدث المشكلات هنا". يضيف: "كذلك، إن كانت حبال الحوار والتفاهم بين الزوجين ضعيفة أو مقطوعة، فإن مسالة المشاركة المادية أو عدمها، قد تخلق كثيراً من المشكلات والخلافات بين الزوجين". ويشير ناجي إلى أن "المرأة لا تحتاج إلى أن يُطلب منها الإنفاق على بيتها وأولادها، إذا أحست بحاجة الأسرة إلى هذا الإنفاق، شرط إدارة هذه المسألة بحكمة من قِبل الزوجة، ومن دون إشعار زوجها بموقف الضعف أو أن تعيّره بعجزه أو تهز صورته".
ويحصر ناجي المشكلات الناتجة عن مرتب الزوجة وأوجه صرفه، في نطاق ضيق، مقارنة بموضوعات المشكلات الزوجية الأخرى التي تردُ إلى مكاتب الاستشارات. ويرد ذلك إلى "طبيعة المجتمع العربي، الذي يقف مع المرأة في هذه النقطة، وإيمانه بأن للمرأة الحق الكامل في مرتبها"، لافتاً إلى أن "الرجل الشرقي، والمسلم عموماً، يعتز بدوره في الإنفاق، ويؤمن بأن مسؤولية الإنفاق أولاً وأخيراً هي في صميم واجباته بحسب الشرع والعُرف".
لكن، ما هو الحل عند حدوث الخلاف حول مشاركة المرأة في مصروف البيت؟ يجيب: "في حال حدوث هذا الأمر، لابدّ من البحث عن الأسباب الأخرى، التي أدت إلى توتر العلاقة بين الزوجين، وبالتالي إلى هذا الخلل في مفهوم الزوجين تجاه هذا الموضوع".