خبر ضرب المنشآت النووية الإيرانية ليس نزهة .. القدس العربي

الساعة 11:04 ص|21 نوفمبر 2009

تحليل نشرته القدس العربي

'ستكون ضربة مماثلة للتي حصلت في سورية'.. يقول الخبير الاستراتيجي القادم لتوّه من إسرائيل، عارضاً موقفه من القضية التي تنال القسط الأكبر من السجالات في المنطقة والتي تتمحور حول السؤال عما إذا كانت إسرائيل ستقصف المنشآت النووية الإيرانية.

جرى ذلك في حديث خاص وكان الخبير الشرق أوسطي يشير إلى الضربة الإسرائيلية الجوية في 6 أيلول (سبتمبر) 2007 لموقع نووي مشتبه به في سورية أقيم سراً في منطقة نائية من البلاد بمساعدة خبراء كوريين شماليين.

وأوضح الخبير 'بإمكان سلاح الجو الإسرائيلي أن يلقي بصواريخه الموجهة من مدخنة ويمكن للصواريخ الإسرائيلية التي تطلق من الغواصات أن تختار أي مبنى لتقصفه، ولكن الإيرانيين سيتكتّمون على ذلك مثلما فعل السوريون'.

ولماذا يصمت الزعماء الإيرانيون بدلاً من أن يطلقوا نداء إلى جميع المسلمين لحمل السلاح؟. يجيب الخبير ان الرئيس محمود أحمدي نجاد قد نشر دعاية تقول ان الدفاعات الإيرانية المضادة للطائرات لا يمكن اختراقها. هذا من دون أن ننسى الاحتمال الآخر بأن يرحب أحمدي نجاد والملالي الإيرانيون بالقصف الإسرائيلي على أنه وسيلة لتوحيد الجناحين السنّي والشيعي في الأمة الإسلامية ضد إسرائيل والولايات المتحدة.

لكن أن يكون هذا المنظّر والخبير الاستراتيجي منفصلاً عن الواقع إلى هذا الحد أمر مخيف. فالموقع السوري النووي كان يقع في جزء صحراوي من البلاد قرب الحدود التركية. أما المواقع الإيرانية فهي مقامة عن سابق إصرار وترصّد في مناطق مكتظة بالسكان. ومن شأن قنبلة واحدة أن تتحوّل إلى صور ومشاهد تلفزيونية لأطفال ونساء قتلى وتثير التنديد العالمي.

يعارض غالبية المسؤولين العسكريين الامريكيين أية ضربة إسرائيلية أو امريكية على أي من منشآت إيران الـ27 المعروفة. فرئيس هيئة الأركان الامريكية المشتركة مايك مولن والقادة الرئيسيون الأربعة يعتبرون ان مثل هذه الضربة ستؤدي إلى شلّ الحركة في مضيق هرمز ـ الذي تمر عبره 25' من شحنات النفط في العالم ـ وغرق الناقلات العملاقة وزعزعة المنشآت النفطية الحيوية في الخليج العربي.

وقال ثلاثة من القادة السابقين في القيادة المركزية الامريكية ان التكيّف مع وجود سلاح نووي إيراني يجب ألاّ يكون فكرة مستبعدة مثلما لم يكن مستبعداً التكيّف مع توقع الزعيم الصيني ماو تسي تونغ لحرب نووية أخرى يموت فيها مئات الملايين من الناس وتفوز فيها الصين (التي بلغ عدد سكانها آنذاك 800 مليون نسمة) من حيث عدد الناجين. ولا ننسى ان الولايات المتحدة تكيّفت مع ستالين عندما قضى على الاحتكار النووي الامريكي.

والجدير ذكره ان الجنرال تشاك والد وهو قائد سابق في القيادة الامريكية في أوروبا هو الضابط الامريكي الوحيد الذي أعرب في الفترة الأخيرة عن تأييده العلني لضربة جوية امريكية ـ إسرائيلية مشتركة ضد المنشآت النووية الإيرانية إذا لم يجرد الملالي الإيرانيون بلادهم من البرامج النووية، علماً ان نفي إيران المتواصل لأية طموحات لديها بإنتاج أسلحة نووية أصبح بالياً. وقد أقنع الكشف مؤخراً عن منشأة تخصيب إيرانية تحت الأرض قرب مدينة قم مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأنه من الممكن اكتشاف المزيد من المواقع النووية في المدن الإيرانية.

ولكن الأهم من الموقع النووي الذي أصبحت إيران على وشك الوصول إليه هو المعارضة المتنامية في شوارع طهران. وهذا يعيد إلى الأذهان الاحتجاجات التي قادها ليش فاليسا، زعيم الحركة المضادة للشيوعية في حوض لينين للسفن في ميناء غدانسك البولندي عام 1978 والتي أدت إلى انهيار الامبراطورية السوفياتية بعد 11 عاماً.

ومن شأن أية ضربة جوية إسرائيلية للمنشآت النووية الإيرانية أن تثير سريعاً معارضة أصوات كانت خافتة وأن تنقل الرأي العام لمصلحة النظام الديني المتشدد ضد المصالح الامريكية في الشرق الأوسط.

ومعروف ان أكثر المنشآت الإيرانية أهمية مخبأة عميقاً تحت الأرض. وصحيح ان الجهود الإيرانية النووية ستتأخر عدة سنوات (في حال وقوع ضربة جوية) إلاّ ان أي دولة تتعرض للهجوم تضاعف جهودها لرد أي هجوم في المستقبل.

وتضمنت التكتيكات الإيرانية المتلكّئة عرضاً لنقل جزء من وقودها النووي إلى روسيا وفرنسا مؤقتاً حيث تعاد معالجته ويرسل مجدداً إلى إيران لاستخدامه لأغراض طبية. ولكن الإيرانيين عادوا إلى أسلوب الإبهام مع لائحة طلبات قبل أن يعودوا ويسحبوها.

غير انه من غير المرجح أنّ تحوز العقوبات المشددة من قبل القوى الغربية والصين وروسيا على توافق القوى الكبرى. فقد قالت روسيا لإيران انها ستؤجل موعد تشغيل محطة بوشهر وهذا لم يشكل مفاجأة أو يسبب إزعاجاً لإيران. والصين تؤيد تشديد العقوبات ولكن ليس من النوع الذي يجعل الملالي يبكون بمرارة. أما تهديد إيران فمن شأنه أن يعزز حجج الملالي الذين يريدون سلاحاً نووياً الآن.

يأمل الرئيس باراك أوباما بوضع العلاقات الامريكية الإيرانية على سكة جديدة. وهذا بالنسبة للمتشددين الإيرانيين يعني فقط محاولة امريكية لوضع الطموحات الإيرانية جانباً. ومثل الرئيس الفرنسي شارل ديغول في أواخر خمسينيات وستينيات القرن الماضي، يقتنع الملالي المتقدمون في السن وأحمدي نجاد بأن التسلّح النووي من شأنه أن يمنح نظامهم الشرعية والاحترام والحماية.

وما يثير خوف القادة الإيرانيين أيضاً هو الدول العربية السنية المجاورة من مصر إلى الإمارات (باستثناء عمان على طول مضيق هرمز التي تربطها بإيران علاقة إعجاب متبادل). فالعديد من الحكام العرب يقولون في مجالسهم الخاصة انهم يرحبون بكل ما يقضي على الأجندة النووية الإيرانية ولكن فرائصهم ترتعد لمجرد التفكير برد فعل سلبي دموي تقوده إيران في الخليج العربي.

بإمكان القوات البحرية الإيرانية عبر سفنها السريعة إقفال مضيق هرمز لما يكفي من الوقت لرفع سعر برميل النفط إلى 300 و400 دولار. ومن شأن النفوذ الإيراني السري في الشرق الأوسط أن يثير الفوضى في المنطقة.

أما السعودية فعالقة أصلاً في حرب مع المتمردين اليمنيين المزودين بالأسلحة الإيرانية المشحونة عبر البحر الأحمر إلى الحدود المشتركة. لذلك فإن إجبار السعوديين على نقل ثقلهم العسكري من الخليج إلى البحر الأحمر يبدو هدفاً إيرانياً.