بقلم: تسفي بارئيل
أيام طيبة تمر على بشار الاسد. بعد خمسة اشهر من الانتخابات تشكلت في لبنان "حكومة وحدة وطنية". في حكومة من هذا النوع ستبقى في يد الاسد رافعة التأثير على القرارات المتخذة. محادثاته مع الجنرال ميشيل عون، المحادثات "الودية" التي اجراها مع رئيس الوزراء سعد الحريري وبالاساس الفهم بان هذه الحكومة ستبقى تحتاج الى الوساطة السورية كلما نشب فيها نزاع. والنزاعات متوقعة فيها في الغالب، تركت لبنان في ساحة الرعاية السورية. كان يكفي مراجعة التقارير التي وصلت بعد زيارة ميشيل سليمان الى دمشق. فقد سارع الرئيس اللبناني الى العاصمة السورية كي يشكر الاسد على جهوده، فقط كي يفهم بان الوزراء الخمسة الذين عينهم الرئيس، من اصل 30 عضوا في الحكومة، لن يكونوا مستقلين في قراراتهم. بعد أيام من قيام الحكومة دعي الاسد الى باريس كجزء من الايفاء بوعد نيكولا ساركوزي للقاء الرئيس السوري فور اقامة الحكومة اللبنانية. والدعوة هي جزء من سياسة فرنسا التي تتطلع الى أن تكون "قوة موازية للولايات المتحدة في ادارة شؤون الشرق الاوسط". المصالحة الفاخرة بين سوريا والسعودية، والتي تكبدت الملك عبدالله ملك السعودية عناء السفر الى دمشق الشهر الماضي هي وتد آخر يساعد الاسد على تثبيت مكانة بلاده كبؤرة حيوية في الشرق الاوسط. ويجدر ان نضيف الى ذلك ما اعتبر اهانة لبنيامين نتنياهو في البيت الابيض.
ولا عجب إذن في أن مساعد نائب الرئيس، حسن تركماني، الذي كان رئيس اركان الجيش السوري، ومسؤول الان عن تطوير علاقاته مع تركيا، تحدث الاسبوع الماضي في التلفزيون السوري عن ان "المسافة بين سوريا، ايران، تركيا وربما العراق هي مسافة العلاقات الحيوية لاحلال عصف في مراكز القوى والتحالفات الاقليمية".
تركماني، الذي يمثل الفهم الاستراتيجي للاسد، يوضح بذلك بان الشرق الاوسط القديم يتعين عليه أن يعرف نظاما جديدا. في الوضع لجديد ستقبع مصر في زاويتها، والاردن لن يكون شريكا على الاطلاق، والسعودية ستكون في مكانة "اداة مساعدة" والقوة السياسية – وربما الاقتصادية – ستوجد في تلك الدائرة التي تطلعت اسرائيل ذات مرة لان تكون جزءا منها. وهذه ستكون دائرة غير عربية، التي تستند اليها بقوة الان بالذات الدولة التي تحمل لواء العروبة. هذه ليست خطة سرية. بل باتت موقفا علنيا يبدو أن فرنسا ايضا تعرفها الان عن كثب.
فرنسا، بالمناسبة، لا تنتظر المفاوضات السياسية. فهي تبعث منذ الان بالخبراء لفحص امكانيات استثمارات جديدة في سوريا. الشركة الفرنسية "توتال" ستبدأ في تنقيبات جديدة عن النفط، في اعقاب الاتفاق الذي وقعته في نيسان من هذا العام، وهكذا ربما ايضا تنقذ صناعة النفط السورية. بعد أن هبطت كمية النفط المنتجة في الدولة من 600 الف برميل في اليوم الى 380 الف، فان سوريا بحاجة ماسة الى هذه الاستثمارات الجديدة.
حقنة تشجيع
تركيا تساعد سوريا وتوسع التجارة معها، ومن المانيا تصل استثمارات جديدة مخصصة لتطوير خط سكة حديد ومن الصين تنقل الاموال لاقامة سد على الفرات. هذه حقن تشجيع هامة للدولة التي لا تزال تعيش تحت عقوبات امريكية. تقارير من سوريا تبين أن دمشق تلقت ايضا مئات الملايين من السعودية لتوفير موافقتها على اقامة حكومة لبنانية.
تركيا من جانبها، ساهمت بدورها في تصميم المكانة الجديدة لسوريا، بقدر غير قليل بفضل اسرائيل. تطوير العلاقات بين اسرائيل وسوريا والمكانة السياسية الواهنة لايهود اولمرت، احدثا الحوار غير المباشر مع سوريا بوساطة تركية. وكان هذا نجاحا تركيا هاما وضعها كدولة ذا قيمة في النزاع المتطرف في الشرق الاوسط. قيمة تركيا ارتفعت بناء على ذلك، بحيث بدأت تنافس فرنسا على دور الوسيط بينما تتمتع سوريا من مكان الزبون الذي يتعين عليه أن يختار بينهما. الى جانب كل هذا وقعت سوريا وتركيا على ترتيبات تجارية ذات اهمية واتفاقات امنية مشتركة بل وقررتا الغاء الحاجة الى تأشيرة الدخول للزوار من الدولتين. كل هذا يقلص بقدر كبير قيمة العقوبات التي تفرض على سوريا. ومع ان العراق اثار جلبة في موضوع دور سوريا في العملية الكبيرة التي وقعت في بغداد في آب، وهدد برفع دعوى عليها في المحكمة الدولية، الا أن الخواطر هدأت في هذه الاثناء والعراق تراجع عن اتهامه. في سوريا يوجد احساس جديد من القوة بعد ان كانت حتى سنة أخيرة مضت تتنافس على لقب الدولة المنعزلة في الشرق الاوسط. أما الان فيمكنها أن تطرح شروطا على واشنطن ومطالب لانضمامها الى اتفاق التعاون مع الاتحاد الاوروبي. فما بالك عندما يكون محمود عباس هو الزعيم المترنح والنزاع الاسرائيلي – الفلسطيني يبدو عالقا اكثر من وقت مضى.
من هذا الموقع يواصل الاسد نثر الرسائل الغامضة التي تجعل من الصعب فهم موقفه تجاه السلام مع اسرائيل. في خطاب القاه في دمشق قبل سفره الى باريس قال ان "المقاومة بالمعنى الثقافي والعسكري وكل معنى آخر هي جوهر سياستنا في سوريا اليوم، في الماضي وفي المستقبل، وهي جوهر وجودنا... جوهر السلام ليس فقط المفاوضات بل والمقاومة ايضا. من الخطأ التفكير بان السلام سيأتي فقط من خلال المفاوضات. وهو سيأتي ايضا عن طريق المقاومة. علينا أن ندعم المقاومة لاننا بذلك نخدم المسيرة السلمية".
ما الذي قصده بالضبط؟ ان سوريا ستشجع حزب الله على مهاجمة اسرائيل؟ ان المفاوضات بين سوريا واسرائيل لا يمكنها ان تجري الا تحت النار، كي تكون ناجعة؟ هذا قول غريب للغاية، ولا سيما اذا أخذنا بالحسبان أنه جاء على لسان زعيم يسعى الى ان يطرح نفسه كمؤيد للمفاوضات.
في باريس قال انه لا يوجد شريك اسرائيلي وان نتنياهو لا يزال ليس ناضجا للسلام، ولكنه دعا الولايات المتحدة الى أن تعرض خطة خاصة بها تلزم اسرائيل. في مقابلة مع صحيفة "لا فيغارو" قال ان مؤتمر مدريد من العام 1991، هو الاساس لكل مفاوضات مع اسرائيل. ماذا سيكون إذن دور كل خطة امريكية ترفع؟ تأكيد اسس مؤتمر مدريد؟ في مناسبات اخرى تحدث عن الاستعداد للتفاوض دون شروط مسبقة، ولكنه قضى بان على تركيا أن تكون الوسيط لان سوريا تثق بها.
يتبين أنه مثلما في الماضي تحليل نص الاقوال التي تخرج على لسان الاسد لا يجدي في فهم مواقفه. كل طرف يمكنه أن يفهم نواياه كما يشاء. السبيل الوحيد لفهمه هو دعوته الى الاختبار. الاعلان عن قبول دعوته للمفاوضات او حتى استئناف الوساطة التركية – وعندها نسمع الامور كما هي على حالها. الاسد، اذا ما حاكمنا الامور حسب تصريحات تركماني، لا يعارض المفاوضات المباشرة. "المفاوضات من خلال تركيا ترمي الى التهيئة للمفاوضات المباشرة. بحثنا هناك في تعريف حدود 4 حزيران 1967"، شرح قائلا. هل توصلوا الى اتفاق؟ تركيا تقول انه كانت تنقص فقط بضع كلمات لاستكمال الصيغة المتفق عليها، وهكذا ايضا تقول سوريا. اما اسرائيل ففي هذه الاثناء تصمت.
ولكن يبدو انه رغم صمتها، ستضطر اسرائيل الى ان تتصدى قريبا للموقف الامريكي. الولايات المتحدة تؤمن انه في القناة السورية يكمن الاحتمال الوحيد لتسجيل نجاح ما في السياسة الشرق اوسطية لها. حتى الان أخرت واشنطن براك اوباما تعيين سفير امريكي جديد في دمشق، ولكن هذا ليس تأخيرا مبدئيا. الولايات المتحدة، مثل فرنسا، انتظرت تشكيل الحكومة في لبنان ولكن الان من شأنها ان تجد نفسها في منافسة مع نيكولا ساركوزي وحكومته. الحميمية الناشئة بين الاسد وعائلته وبين الرئيس الفرنسي تدفع البيت الابيض الى توثيق العلاقة مع سوريا. تحقيق الخطوة من المتوقع أن يتم مع نهاية هذه السنة.