بقلم: نصري الصايغ
لا تجرؤ أنظمة الرهان على السلام، بأي ثمن، على الخروج من محطة الانتظار. أمامها لائحة طويلة من العناوين: «السلام الصعب» و«السلام البعيد» و«السلام المؤجل» و«السلام المستحيل»... ومع ذلك، فهي مصرّة على الالتزام «بالسلام». هي تنتظر غودو، لأنه لن يأتي أبداً.
وأنظمة الرهان العربي على السلام، على قناعة ودراية، بأن السلام حديث خرافة. وهي مدركة لطبيعة الكيان الاسرائيلي، وعالمة بمنطق العقيدة الصهيونية، وهي كذلك، لمست لمس اليقين، أن إسرائيل تمارس الحرب عقيدة، والعنف وسيلة، والاغتصاب كياناً، والاحتلال مدرسة، وهي ليست في وارد إلقاء أسلحتها العقدية والسياسية والدبلوماسية والعسكرية.
وأنظمة الرهان العربي على السلام، ومعها كتاب الرهان على السلام، بأي كلفة، قامت بواجباتها إزاء السلام، فتنازلت، ثم تنازلت، ثم قاتلت لتتنازل، ثم قاتلت من لم يتنازل، ثم شنّعت على من يؤمن بغير السلام، ثم أنشأت معسكراً للسلام، بجوار آلة الحرب الإسرائيلية، وراقبت نتائج عدواني تموز على لبنان وكانون الاول ـ كانون الثاني على غزة فلسطين.
وأنظمة الرهان العربي على السلام، ومعها إعلام مخضب بأموال ونفط وثروات ومكافآت وأسفار وقصور ومنازل وإغراءات، من أجناس جنسية متكاثرة، قامت بتنظيف الطرق أمام السلام، ورشت المبيدات المضادة للفكر القومي (هذا فكر متخلف) والفكر الانساني (هذا فكر طوباوي يا حرام) والفكر التاريخي (هذا التاريخ مزور) والفكر الديني (هذا فكر سلفي) والفكر المقاوم (هذا فكر مغامر)، وعممت هذه الطغمة بحبرها وكلامها، ثقافة الحرية الفردية (بلا حرية لجميع الأفراد) (والأنظمة الراعية لمسيرة السلام دكتاتورية بالتمام والكمال) كما رفعت من شأن ثقافة حب الحياة، (وأنظمتهم يصح عليها، لا حياة لمن تنادي).
أنظمة الرهان العربي على السلام، تبرعت بتعميم اليأس من فلسطين، وخاضت بجرأة فائقة، معركة الاعتراف بإسرائيل، (رحم الله لاءات الخرطوم)، وتفهمت ضرورات الأمن الإسرائيلي، وحاولت ان تجعل من حق العودة، اعترافاً بعدم العودة. وهذا ما رفضته إسرائيل. لم تناضل هذه الأنظمة في حياتها، نضالاً دؤوباً، مثل نضالها من أجل السلام الذي لن يأتي... ولعلها تفرح بعدم قدومه لأنه اذا حصل، فما الدور الذي سيطلب منها أن تلعبه. دورها الآن، تمهيد الطريق لإسرائيل معقولة، وقطع الطريق امام عودة الأمل بالتحرير.
هذه الأنظمة مسؤولة عن شعوب قتلتها حيّة، بقمعها وإرهابها وإرغامها وإغراء نخبها. هذه أنظمة قتلت أمل شعوبها، من دون ان تطلق رصاصة ضدها. أبّدت سلطاتها بالبقاء والوراثة والتوريث. وجعلت من شرائح شعبها، ما قاله طرفة بن العبد: «لكالطول المرخى وثنياه في اليد».
السؤال البديهي، لماذا أقدمت أنظمة الرهان على السلام، على مغامرة السلام، وهي مدركة ان لا سلام البتة، وهي على صلة وثيقة «بالراعي الدولي» المتمثل بالولايات المتحدة، منذ كيسنجر حتى ميتشل، مروراً بالعشرات من الرجال والوعود الكاذبة. هذه الأنظمة تدرك عجز واشنطن في مواجهة إسرائيل، وهي على وعي بأن إسرائيل جزء لا يتجزأ من القارة الأميركية، وأن أقصى ما تفعله، عندما تحرن إسرائيل، ان تضغط على الفلسطينيين، وقد بلغت قمة الصلافة، عبر الضغط على عباس، هاتفياً، لا عسكرياً، لتأجيل التصويت على تقرير غولدستون، مؤرخ مذابح إسرائيل بحق شعب فلسطين.
الجواب البديهي عن السؤال هو التالي: «إن أنظمة الرهان هذه، كسبت الدعم الأميركي لسلطتها». حيثية هذه الأنظمة لا تتأتى من شعوبها او ثرواتها أو جغرافيتها او موقفها، بل بمقدار ما تكون محتضَنَة من اميركا، لتقوم بدور يراعي اولاً، مصلحة الحامي. الكاتب سيرج حليمي، سمى من يقوم بهذه الوظيفة «بكلاب الحراسة». صحيح! إلا أن الحراسة متبادلة. أميركا تحرس الأنظمة التي تحرس مصالحها.
هل العالم أسود إلى هذه الدرجة؟ وهل العرب ماضون الى خيانة وجودهم؟
جواب: مؤسف أننا عندما ننظر إلى العالم العربي، لا نرى فيه سوى هذه الحالة المكفهرة. وهي نظرة ظالمة جداً، لدى العرب راهناً، منصات مضيئة. أبرزها، خسارة معسكر السلام العربي رهاناته، فأميركا هزمت حلفاءها. ولم يتكلف «حلف الممانعة» ذلك. ولدى العرب منصات مضيئة في مقاومة، هي الأقوى بلا منازع، وهي الرقم الصعب إقليمياً ودولياً، وهي التي يعوّل المؤمنون من العرب عليها، وهي التي تخيف... ولا تخاف.
للعرب زمانان اليوم، زمن آفل، ولو طال أجله بيننا، وزمن قادم. وهو يقرع الأبواب... وسيفهم العالم ذلك... بالقوة.