خبر صدقوه .. هآرتس

الساعة 12:55 م|18 نوفمبر 2009

بقلم: الوف بن

انطلق من سماعة الهاتف صوت رئيس الحكومة المعروف. "اريد تقديم اتفاق سلام مع الفلسطينيين. انا قادر على الاتيان باتفاق. لدي استعداد سياسي داخلي"، قال لي بنيامين نتنياهو. كرر الرسالة في خطبه في اجتماع الجماعات اليهودية في واشنطن وفي "منتدى سبان" في القدس، بل اضاف: تنازلات كبيرة، وروح سخية، ومصالحة مناطقية، هلم نبدأ التفاوض ونفاجىء العالم.

انا اصدقه. يفحص الزعماء السياسيون بالرسالة المعلنة التي يكونون مستعدين للدفاع عنها ازاء عدسات التصوير ومكبرات الصوت. تبين التجربة انه يوجد تلائم بين ما قيل من فوق منصة وبين الهمس الخفي في الغرف المغلقة. والاستنتاج ان احاديث نتنياهو عن السلام ترمي لاعداد الجهاز السياسي والرأي العام في اسرائيل لمسار سياسي، عرضه على رئيس الولايات المتحدة براك اوباما، في لقائهما الاسبوع الماضي.

        لنتنياهو عدة دوافع:

·   الاستراتيجية. يبدو ان نتنياهو يستعد لمحاربة ايران وحزب الله في الربيع القريب، مع ذوبان الثلوج وتفرق الغيوم. يشهد بذلك الزيادة على ميزانية الامن واعداد الجبهة الداخلية للمواجهة. حتى اذا لم يهاجم نتنياهو اخر الامر فان عليه ان يكون مستعدا. يحسن ان تحارب اسرائيل في جبهات اقل، وان تثبط الاعداء المحتملين بسبل دبلوماسية.

·   الشعبية. ان استطلاع رأي "هآرتس – حوار" الذي نشر في يوم الجمعة الماضي بين ان اكثر الجمهور الاسرائيلي يريد تسوية مع الفلسطينيين وانه مستعد ايضا لمحادثة حماس، لكنه يفضل ان تجري التفاوض حكومة يمين. نتنياهو ذو شعبية، ولا يوجد الان سياسي اخر يهدد بأن يسلبه مشايعة الجمهور. اذا ما قدم مسارا سياسيا، فسيستجيب لتوقعات الجمهور، كما فعل باعلانه "دولتين للشعبين" وبالغاء ضريبة القحط.

·   السياسة. نتنياهو خائف من انحلال حزب العمل الذي قد يصرفه عن الائتلاف ويتركه مع "شركائه الطبيعيين" الذين يعارضون التسوية، وبغير وزير الدفاع ايهود باراك، الذي يريده رئيس الحكومة الى جانبه في المواجهة المتوقعة مع ايران. يجب على نتنياهو ان يمد لحزب العمل حبلا سياسيا كي يبقى في حكومته، كما استجاب لباراك وخزن خطة وزير العدل، يعقوب نئمان، لتقسيم منصب المستشار القانوني.

·   العالم. عزلة اسرائيل السياسية مثقلة وشديدة. التفاوض الصادق مع الفلسطينيين، ولا سيما اذا كان مصحوبا بـ "السخاء" الذي يعد به نتنياهو، سيبعد عن اسرائيل تقرير غولدستون وخطر القطيعة والتنديد ويساهم في اعادة بناء العلاقات المختلة بأوروبا وتركيا والاردن.

صحيح ان نتنياهو يستطيع ان يخدع الجميع وان يمد الوقت بمحادثات فارغة، الى ان يستقر رأيه هل يهاجم ايران، او الى ان يغرق اوباما في سباق ولاية ثانية ويتركه وشأنه. يعلم نتنياهو انهم لا يصدقونه ويرد على ذلك قائلا: لا اريد مسارا من اجل المسار، بل من اجل انهاء القضية. يستطيع ألا يلقي بالا للصحفيين الذين سيكتبون في انتقاده على الاكثر. لكن يصعب ان نصدق انه حاول ان يخدع رئيس الولايات المتحدة بوعود كاذبة.

الصفقة التي يقترحها اوباما واضحة: نضال سياسي لايران وتأييد أمني لاسرائيل – في مجالات ما اكثر حتى مما كان في فترة بوش – عوض انسحاب من المناطق ودولة فلسطينية. يفهم نتنياهو ذلك، واصر مع ذلك على لقاء الرئيس، ولو كان ذلك عوض اهانة معلنة، من اجل ان يقول له انه يريد تقديم تسوية مع الفلسطينيين. وقد حدثه عن "خطوات محددة" وأعلن وعوده. لماذا فعل ذلك اذا لم يكن يقصد حقا؟

رئيس الحكومة وحيد. فشريكه الفلسطيني محمود عباس يتنكر له. ووزراؤه الكبار غير متحمسين: فباراك يجذب نحو سورية، ووزير الخارجية افيغدور ليبرمان، يستهين بمفاوضة الفلسطينيين. ليس واضحا هل يوجد لنتنياهو مفاوض يطبخ تسوية، مثل موشيه ديان عند مناحيم بيغن وشمعون بيرس عند اسحاق رابين. كل سياسي محتاج الى دبلوماسي بلاط، الى طراز يشبه هنري كيسينجر. فاوض باراك وايهود اولمرت بأنفسهما وتحطما.  لكن هذه المشكلات تجد حلولا. ففي اللحظة التي يقنع فيها نتنياهو سامعيه بجديته ويعرض خطة سلام جدية لا شعارات فحسب، سيرتب الجهاز السياسي نفسه من جديد، ويؤيده مؤيدو التسوية مع الفلسطينيين. هذا هو تحديه. لقد أقنعني؛ لنرى هل يقنع أبا مازن.