خبر الميـاه تشعـل حروبـاً أهليـة .. فريدريك لاسير

الساعة 09:51 ص|17 نوفمبر 2009

بقلم: فريدريك لاسير ـ إعداد جنان جمعاوي

فريدريك لاسير: خبير فرنسي حائز على شهادة الدكتوراه من جامعة «سانت إتيان» الفرنسية، في مجال الجغرافيا السياسية، وهو متخصص في شؤون تقاسم الموارد المائية والحماية البيئية، وهو أستاذ جغرافيا في جامعة لافال في مقاطعة الكيبيك الكندية. هنا نص مقابلة أجريت معه في جريدة «لوموند» الفرنسية حول «حروب المياه»، ونفيه لإمكانية حصولها بين الدول:

÷ ماذا نعني بحروب المياه؟

} غالباً ما نتحدث عن حروب المياه وكأنها حروب ستنشب بين الدول. هذا النوع من الحروب لم يقع حتى هذه اللحظة، أو ربما نادراً جداً. وما أجده محتملاً حدوثه في القرن الحادي والعشرين هو أقرب إلى النزاعات، أو التوترات البالغة الشدة بين مكونات مختلفة من المجتمع، أي أقرب إلى حروب أهلية.

÷ كيف ترى إلى تقرير منظمة العفو الدولية الذي انتقد الطريقة التي تدير فيها إسرائيل موارد المياه في الضفة الغربية وغزة؟ هل تعتقد أن هذا التقرير موضوعي؟

} نعم هو تقرير موضوعي، ولا يكشف جديداً. معلوم أن إسرائيل، ومنذ سنوات عديدة، ترعى مصالحها ومصالح المستعمرات اليهودية في الأراضي المحتلة، على حساب مصالح الفلسطينيين، في ما يتعلق باستخدام المياه. صحيح أن المزارعين الإسرائيليين غالباً ما استثمروا في مشاريع أنظمة الري، ولكن مما لا جدل فيه هو أن الفلسطينيين لا يديرون مواردهم المائية، وهو ما يثير غضبهم.

÷ يتساءل الكثيرون عما إذا كانت «حروب المياه ستقع فعلاً»، وكأن التاريخ لم يشهد بعد مثل هذه الحروب. فهل هذا صحيح؟

} قد تصعب الإجابة على هذا السؤال، حين يتعين القيام بتحليل مفصّل للوثائق التاريخية التابعة لمناطق مختلفة. لكن نادراً ما تم تأريخ وقائع حروب نشبت بين الدول، على الموارد المائية. وإذا ما أسعفتني ذاكرتي، فقد وقعت حرب قديمة جداً في بلاد ما بين النهرين (العراق حالياً)، كما وقعت حرب أخرى في القرن الثامن عشر في آسيا الوسطي بين إمارتين. كما يشير بعض المحللين إلى دور النزاع على الأردن في انفجار حرب الستة أيام في العام 1967. لكن المياه لم تكن العامل الأساسي في هذا النزاع. وباستثناء هذه الأمثلة الثلاثة، لم تكن المياه سبباً لنشوب حروب بين الدول.

÷ إلى أي مدى، تعتبر الدول الأوروبية معنية بـ«حروب المياه»؟

} على نحو ضعيف جداً. فغالبية الدول المتقدمة تتمتع بآليات تكيّف، تجعل من ندرة المياه مستبعدةً كعامل محتمل لنشوب نزاعات عنيفة. لكن خطر نشوب حرب اهلية بسبب المياه يبدو أكبر في البلدان النامية، التي تفتقر للقدرات التقنية والاجتماعية والمالية لمكافحة ندرة المياه.

÷ هل بإمكانك أن تعدد بعض المناطق المعرضة لخطر «حرب المياه»؟

} يصعب التكهن بوقوع مثل هذه النزاعات. لكن بالإمكان الإشارة إلى الدول حيث الاحتمال وارد أكثر من غيرها: حوض النيل، مثلاً، في القارة الهندية، في آسيا الوسطى، في شمال الصين، في شمال المكسيك.

÷ كيف بإمكان الدول أن تتصرف حيال جيوسياسية المياه، التي تشكل مشكلة دولية، ولا تشكل مسألة تمسّ السيادة الوطنية؟

} لا اعتقد أن جيوسياسية المياه لا تمس السيادات الوطنية للدول. فليس بالإمكان حمل الدول على الاعتراف بأنها لا تتمتع بالسيادة على مواردها المائية. لكن من الأفضل توجيهها نحو المفاوضة على اتفاقات لتقاسم الثروات المائية العابرة للحدود، والتعاون من أجل إتاحة استخدام المياه من الجميع.

÷ أليست منطقة الشرق الأوسط مرشحة لحرب مياه، تركيا تمنع المياه عن سوريا والعراق؟

} لطالما عرفت الدول كيف تتجنب وقوع حروب بينها من أجل المياه. حتماً، تملك تركيا، هنا، أداة ضغط فاعلة جداً. ولكنها تعلم أيضاً أنها قوية أكثر، على المستوى العسكري، لكونها عضوا في حلف شمال الأطلسي، وبالتالي تصبح الفرص ضئيلة أمام احتمال دخول سوريا في حرب ضد تركيا، من أجل المياه.

÷ تم طرح فكرة إنشاء وكالات دولية من اجل إدارة المنابع المشتركة. هل بدأ تنفيذ هذه الفكرة أم لا؟

} ثمة وكالات لإدارة المياه السطحية، وهي قائمة منذ بضعة عقود. وهي وكالات تختلف جودة أدائها بحسب المناطق حيث تعمل. لكن على حد علمي، لا يوجد وكالات لإدارة المياه الجوفية.

÷ ما الذي تقترحه من أجل تفادي خطر وقوع حروب مياه؟

} في البلدات التي تشهد توترات حيوية، الحل يكون بتقاسم المياه في مجال الزراعة، التي هي جوهر النزاعات، التي تمر حلولها، عملياً، عبر إصلاح القطاع الزراعي، وتحسين تقنيات الري، ومنح المزارعين استقلالية أكبر في خياراتهم الاقتصادية.

÷ ما رأيك بخصخصة المياه، كما في الأردن مثلاً؟ وما هي تبعاتها على حروب المياه؟

} مشاريع خصخصة الخدمات المائية تعني المدن فقط، بما في ذلك المنازل والمصانع. فلا توجد أي شركة مهتمة بالمياه الخاصة بالقطاع الزراعي، إذ لا يمكن استئجارها. لذا واقعياً، لا تمس الخصخصة سوى جزء ضئيل من المياه المبتذلة، من هنا فإن تأثيرها ضعيف في أي نزاعات مرتبطة بالمياه. أما إذا كانت هذه الخصخصة مدارة بشكل سيئ بما يؤدي إلى إثارة استياء عارم، فهذا حصل بالفعل، ومن المحتمل أن يحدث دوماً.

÷ هل ثمة تشابه بين جيوسياسية النفط وجيوسياسية المياه؟

} لا اعتقد، وذلك عائد لأسباب عديدة: أولاً، النفط موجود في باطن الأرض، وهو غير سائل، فإما أن يكون في أرضي او في أرض جاري. أما المياه فسائلة، وغالباً ما يعود أمر استثمارها إلى دول عدة. فعندما يمتد مخزون ما بين دول مختلفة، غالباً ما تلجأ إلى إبرام اتفاقات بشأن استثمارها بطريقة مشتركة. كما أن قيمة النفط تثير الفتن، ولكنها تسمح بتمويل كلفة نقله. وهنا، موطن اختلاف مهم ثان، مع المياه، التي تعد ثقيلة لكن سعرها لا يغطي كلفة نقلها لمسافات طويلة.

÷ مضت 20 سنة ونحن نتحدث عن حرب مياه في الشرق الأوسط.. لم تقع حتى الآن. برأيك، ما هي المؤشرات الملموسة لتدهور الوضع في ما يتعلق بالمياه في هذه المنطقة؟

} احتمالات نشوب حرب دول من أجل المياه ضعيفة جداً، ولهذا لم تندلع مثل هذه الحرب في الشرق الأوسط، حتى الآن. فشن حرب على جيراني لا تحل مشكلة المياه عندي. في المقابل، تشهد التوترات الاجتماعية المرتبطة بالمياه ازدياداً ملحوظاً في الشرق الأوسط. تحدّثنا عن الفلسطينيين الذين لا يملكون قدرة على الحصول على موارد مائية، موازية لتلك التي يتمتع بها المستوطنون اليهود في الأراضي المحتلة. وبإمكاننا ذكر المزارعين المصريين والسوريين الذين يواجهون خطر مواجهة صعوبات تخزين المياه من أجل الري. تلك هي مؤشرات يتعين التحرك من أن حلّها بسرعة.

÷ هل يعتبر الحديث عن حرب أهلية من أجل المياه حكيماً؟

} اعتقد أن السؤال وثيق الصلة مع مسألة إدارة المياه. وأعتقد أن التوترات التي تنشأ عن سوء توزيع المياه قد تؤجج صراعات عنيفة. ونرى مثيلاً لذلك في المكسيك وشرقي أفريقيا وآسيا الوسطى والهند، التي توقع في كل مرة عشرات القتلى.

÷ هل تقترح هيئة دولية لإدارتها، أو نماذج إدارة ثنائية أو متعددة الأطراف؟

} أقرّت الأمم المتحدة بأن فكرة إنشاء هيئة دولية لإدارة المياه كانت طوباوية. أما معاهدة نيويورك حول استخدام الأنهار فتدعو دول الأحواض المشتركة إلى التفاوض من أجل التوصل إلى اتفاق إقليمي، كل مجموعة على حدة.

÷ كتبت صحيفة «ليكو» الفرنسية أن «المياه هي ألماس المستقبل»، أما صحيفة «لوموند» فعنونت أن «عالم الصناعة لا يسهم كثيراً في ندرة المياه»، إذاً من سيقوم بذلك؟ ولماذا لا نستعدّ من الآن، للمستقبل؟ ومن سيكون المسؤول؟

} لا أظن انه سيكون هناك مذنبون. والحكومات تدرك جيداً فداحة التحديات المتعلّقة بإدارة المياه. لكن غالباً ما تطرح مسألة إصلاح القطاعات الزراعية تساؤلات معقدة، إن على المستوى المحلي او الدولي.