بقلم: محمد صادق الحسيني
كان السيد حسن نصر الله رجل دولة بامتياز عندما تحدث قبل ايام عن حاجة العرب والمسلمين الى اطفائي فدائي حقيقي مهمته الاساسية اطفاء الحرائق الداخلية في اقطار منطقتنا العربية والاسلامية وهذا الكلام لا شك سيحرق قلب امريكا باعتبارها المسبب الرئيسي لغالبية تلك الحرائق !
وكان وليد جنبلاط واضحا وضوح الشمس بكلامه الذي لا لبس ولا تفسير ولا تأويل له وربما لاول مرة عندما قال للمنار ما مفاده بانه لا شرعية لاحد من العرب والمسلمين في اللحظة التاريخية الراهنة دون التصويب باتجاه فلسطين وهذا الكلام خسارة صارخة لامريكا في الزمن الصعب الذي تمر به !
وليس من قبيل الصدفة ابدا ان يأتي كلام الزعيمين اللبنانيين في نفس الوقت الذي كان يحدد فيه الرئيس السوري بشار الاسد وبكل وضوح وصراحة اتجاه السياسة العامة لبلاده على انها تتمحور حول شرق اوسط جديد محوره المقاومة وهو امر لا شك سيزيد من طعم المرارة التي تتذوقها واشنطن في اكثر من مجال !
ولا من قبيل الصدفة ايضا ان يأتي كل هذا الكلام في ظل تنامي منسوب التفاؤل بقيامة لبنان جديد سيكون فيه للمقاومة ثقل اساسي في صناعة القرار الحكومي، وربما كان هذا هو السبب الاساسي من وراء زيادة الاهتمام بدور سورية الاقليمي واستعجال الرئيس ميشال سليمان لعقد قمة رئاسية مع الرئيس بشار الاسد قبل توجه الاخير لزيارة باريس تحضيرا لاجواء وفضاءات ما بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية اللبنانية وكذلك تحضيرا للزيارة التاريخية المرتقبة لرئيس وزراء لبنان الشاب الصاعد نجمه سعد الدين الحريري، وهذا بدوره سيكون بالشك خسارة اضافية تلحق بسياسات واشنطن الفتنوية الشرق اوسطية!
ثمة محور سوري لبناني اذن في طريقه للتبلور قد يختلف بعض الشيء عن المحور السوري الايراني الذي طالما تم الحديث عنه بالسلب والانتقاص، لكنه لا شك ولا ريب سيقوم على نفس قاعدة المقاومة التي جمعت دمشق وطهران استراتيجيا في المحور المشار اليه !
واذا ما وضعنا التحالف السوري التركي الاستراتيجي المعلن حديثا بين انقرة ودمشق الى جانب ما تقدم وما اضافه كل من سيد المقاومة والزعيم الدرزي حول اهمية الدور الذي تلعبه تركيا من خلال استدارتها الاخيرة شرقا ونحو فلسطين بالذات، ودعمهما الصريح والواضح لهذه الصحوة والنهضة التركية الحديثة، فاننا نكون قد شخصنا الاتجاه العام لمسار الاحداث المقبلة في منطقتنا العربية والاسلامية دون صعوبة او ترديد.
يستطيع الامريكيون ومن يسمون بعرب اعتدال بعد اليوم ان يتحدثوا ما يشاءون وبقدر ما يملكون من حجم هائل من امكانات عن السلام الشرق اوسطية، لكنهم لن يتمكنوا من بعد كل الذي حصل وكل الذي تبلور، وبعد كل الذي اشرنا اليه آنفا، ليس فقط من التقدم خطوة واحدة باتجاه تحقيق اي من رغباتهم، بل ان قيادة قطار الحركة في المنطقة يكاد يخرج من ايديهم بشكل شبه نهائي والى الابد !
صحيح انهم لا يزالون ممسكين ببعض مراكز القوة المهمة في المنطقة، وانهم لم يخسروا كافة مواقعهم التقليدية فيها ناهيك عن احتفاظهم بقواعد عسكرية ثابتة ومتحركة كثيرة، لكن الصحيح ايضا القول بان من كانوا يتصورونه بانه المشاغب الاوحد والمشاكس العنيد لسياساتهم والمناكف الاكبر لاستراتيجياتهم اي جمهورية ايران الاسلامية، بات اليوم اكبر واهم واقوى واصلب من ان تهز مواقعه حتى التهديد بخيارات الحروب الشرسة ناهيك عن امكانية فرض التراجع عليه من خلال التهديد والوعيد بالحرب النفسية والحروب الاستخبارية المفتوحة!
ليس صحيحا انهم ينوون الخروج من العراق مجانا وبيسر وسهولة ودون اثمان باهظة، تماما كما انه ليس صحيحا انهم ينوون الهروب السريع من المستنقع الافغاني، ولا هو صحيح انهم سيتخلون عن حلفائهم واصدقائهم من عرب الاعتدال وغيرهم ممن يعدون بالخلايا التائهة التي لطالما انتظرت دعم ومساندة الاجنبي والاستقواء به على اخوة الداخل الوطني، لكنه ليس صحيحا ايضا الترويج بان الامريكيين لا يزالون اقوياء وقادرين ان يفرضوا اجنداتهم فضلا عن مخططاتهم على دول المنطقة بمستوى وهيئة 'القدر الذي لابد منه'!
ان من يرقب حركة المنحنى الامريكي العام في العالم والمنطقة سرعان ما سيكتشف بانه منحن آيل للافول، وان المنحنى الصاعد بالمقابل هو خط المقاومة والممانعة الذي يكسب اعضاء واصدقاء جدد وقد لا تكون دولة قطر آخر هذه الحلقات !
واخيرا وليس آخرا وربما ليس من باب الصدفة ايضا ان نسمع ولو من باب الشعور بالألم والصراخ من الألم بان الحلقة الاضعف في معسكر الاعتدال اي الطرف الفلسطيني المغلوب على امره بدأ يتململ من سنوات الثماني عشرة العجاف، في الوقت الذي يرى فيه بام عينه كيف ان من اختار الطريق الآخر اي في لبنان قد حصد بالمقابل انجازات يعتد بها !
ايران اذن لم تعد وحيدة ومطوقة كما كانت تحلم امبراطورية 'الشيطان الاكبر' ولا هي طائر شارد يغرد خارج السرب، بل انما من بات الوحيد والمطارد والمعزول في هذه المنطقة انما هو الاسرائيلي التائه في صحرائه رغم كل ترسانته من اسلحة الدمار الشامل والتي تكاد تتحول الى حديد خردة غير قابل حتى للبيع والشراء فضلا عن ردع اي من خصومه التقليديين ناهيك عن ايران التي باتت محصنة باطواق جديدة من الحلفاء وصلت بعض دوائرها اخيرا حتى امريكا اللاتينية والتي بدأت بدورها تقلق آخر ملوك دويلة الكيان المترنح تحت ضربات الديبلوماسية الايرانية المتحركة من الصين حتى البرازيل، بعد ضربات تموز اللبناني وكانون الفلسطيني!.