بقلم: د. غابي سيبوني
(رئيس برنامج البحث العسكري في معهد بحوث الامن القومي)
الدعوة الاخيرة من الرئيس السوري لاستئناف المحادثات مع اسرائيل، وتصريحه بشأن استعداد ابناء شعبه للسلام معها – طرحا مرة اخرى على جدول الاعمال في اسرائيل مسألة استئناف المفاوضات مع سوريا. رد رئيس الوزراء، وزير الدفاع ورئيس الدولة، الذين اعربوا عن الاستعداد للدخول فورا في مفاوضات بدون شروط مسبقة، يظهر كم نجح بشار الاسد في ان يمسك العصا من طرفيها. سوريا انقذت من العزلة السياسية التي كانت تعيشها لسنوات طويلة، فقط بعد ان انكشفت المحادثات غير المباشرة في تركيا بين ممثليها وممثلي اسرائيل. من خلال هذه المحادثات حظي النظام السوري بالشرعية في العالم، رغم انه واصل الاداء كحليف مخلص في الكتلة المتطرفة. هذه المحادثات منحته ريح اسناد هائلة لنظامه المترنح ويخيل انه لم يستنفد بعد الضرر الاستراتيجي الذي الحقته باسرائيل. سوريا كانت ولا تزال جهة تهز الاستقرار الاقليمي، وتشهد على ذلك القوات الامريكية التي تتصدى لمحاولاتها للمس بالاستقرار في العراق.
"انجازات" الاسد في هذا المجال كثيرة: دور سوريا في قتل رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري معروف: فقد عملت سوريا على تطوير سلاح كيماوي للدمار الشامل وحاولت ان تقيم مفاعلا وتحقق قدرة نووية عسكرية. منظمات الارهاب يجدون فيها منذ سنوات منزلا مريحا بل انها تساعدهم؛ الدور العميق لسوريا في لبنان ونصيبها في نقل وسائل التسلح المتطورة لحزب الله يعمقان عدم الاستقرار في لبنان، بينما توفر هي جبهة خلفية للدور الايراني المتعاظم فيه. كل هذا يظهر كم هو عميق دور الاسد في المحور الراديكالي.
هناك من يعتقد بأن اخراج سوريا من محور الشرق سيحسن الميزان الاستراتيجي الشامل لاسرائيل. ولكن يجب الانصات جيدا للرئيس السوري. من ناحيته معنى السلام مع اسرائيل هو انسحاب من الجولان في ظل الحفاظ على علاقاته الاستراتيجية مع ايران ومع محور الشرق. تجربة الماضي تظهر ان استمرار محاولات التقرب من جانب اجزاء من الاسرة الدولية ومحافل في اليسار لا يدفعه الى تلطيف حدة مواقفه بل فقط يشجعه على الاعتقاد بأنه يمكنه ان يتمتع بكل العوالم.
على اصحاب القرار في اسرائيل ان يدرسوا عميقا المصلحة العليا لاسرائيل في السياق السوري في ظل تحييد الاستخدام للخطاب الاستراتيجي الذي كان صحيحا قبل ثلاثين سنة، ولكنه الان بات اكل الدهر عليه وشرب. فالعدو، الذي سلم بانعدام قدرته على احتلال الدولة، اختار طريق المقاومة الذي اساسه محاولة استنزاف مواطني اسرائيل في عملية بعيدة المدى. هذا التغيير يثبت انعدام الصلة التي في تسليم املاك مقابل ضمانات وترتيبات امنية، مظلات دفاعية، تجريد من السلاح وما شابه.
بحث في اتفاق سلام حقيقي مع سوريا يمكنه ان يجري فقط بعد ان يحدث فيها تغيير جوهري وعميق. الرغبة في ارضاء النظام في دمشق والشروع في محادثات معه لن يؤديا الى مثل هذا التغيير. للاسد، الذي مصلحته العليا هو الحفاظ على النظام العلوي – يوجد ما يخسره. يخيل ان هذا الثمن سيصعب عليه دفعه. على حكومة اسرائيل ان تتوصل الى اتفاق استراتيجي مع النظام الامريكي بشأن الشروط الاساس لمحادثات السلام مع سوريا. اولها يجب ان يكون الانفصال عن المحور والايديولوجيا المتطرفين. سوريا، التي توجد في ازمة اقتصادية عميقة وفي وضع جغرافي – استراتيجي اشكالي، ملزمة في أن تختار طريقا اخر قبل بدء محادثات السلام معها. في هذه اللحظة، فان سلوك الاسد المغرور يذكرنا بمن كان يسكن في بيت من زجاج ويرشق الحجارة في كل صوب.