بقلم: عصام نعمان
يتزايد الحديث، كما الخشية، في “إسرائيل” حول احتمال قيام رئيس الحكومة الفلسطينية في رام الله سلام فياض بإعلان الاستقلال الفلسطيني من طرف واحد وبالتالي إقامة دولة فلسطينية ضمن خطوط سنة ،1967 تحظى باعتراف الولايات المتحدة ومن ثم مجلس الأمن الدولي. كما تردد، بحسب صحيفة “هآرتس” أن فياض توصل إلى تفاهم سري مع إدارة أوباما في شأن اعتراف أمريكا بالدولة المستقلة.
خشية “إسرائيل” مبعثها ان اعتراف أمريكا والأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية المستقلة يعني تحويل كل أشكال الوجود “الإسرائيلي” ما وراء “الخط الأخضر” حتى في القدس إلى احتلال غير قانوني ما يوفر للفلسطينيين الحق في الدفاع عن النفس.
تردد أيضاً أن بنيامين نتنياهو أحس بإمكانية لجوء الفلسطينيين إلى خيار اعلان الاستقلال من طرف واحد وخشي من أن يحظى ايضاً باعتراف دول رئيسية في الاتحاد الاوروبي وحتى من جهات أمريكية أيضاً، فأثار المسألة خلال لقائه الأخير مع وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون والمبعوث الخاص إلى الشرق الأوسط جورج ميتشل وطلب من الولايات المتحدة أن توضح لفياض أنها لن تؤيد خطوة كهذه، وأنها ستستخدم “الفيتو” ضدها. وقيل إن نتنياهو لم يكن قد تلقى جواباً واضحاً من الإدارة الأمريكية حول خطة فياض قبل لقائه الرئيس الأمريكي أخيراً. فهل نال مبتغاه؟
ملابسات اللقاء بين الرجلين ومظاهر التعتيم الإعلامي الذي رافقه لا تسمح باستنتاج أي شي حاسم، وإن كان كبير موظفي البيت الأبيض راحم عمانوئيل حرص على القول، بعد الاجتماع : “نحن ندعم حليفتنا “إسرائيل” (...) وان العلاقة بين أمريكا و”إسرائيل” أبدية، وهي ترتكز إلى مبادئ محددة وغدت أقوى”.
وزير الحرب “الإسرائيلي” الأسبق شاؤول موفاز أحس هو الآخر بإمكانية طرح خطة سلام فياض في المستقبل المنظور، فعقد مؤتمراً صحافياً عرض فيه خطة سياسية تنص على إقامة دولة فلسطينية على مرحلتين، وعلى إجراء حوار مع حركة “حماس” في حال فوزها في انتخابات السلطة الفلسطينية أواخر يناير/ كانون الثاني المقبل.
في المرحلة الاولى تُقام دولة فلسطينية بحدود مؤقتة تشمل 60 في المائة من أراضي الضفة الغربية من دون أن يصار إلى إخلاء المستوطنات، على أن يكون هناك اتصال جغرافي بين مناطق الضفة. في المرحلة الثانية تُجرى مفاوضات في شأن الحل النهائي، تُبحث فيها القضايا الجوهرية: القدس، اللاجئون، الحدود الدائمة. ووفقاً لاقتراح موفاز، سيُحدد جدول زمني لإنهاء المفاوضات في شأن الحل النهائي.
ما اقترحه موفاز هو صورة مطابقة لخطة مؤتمر انابوليس خريفَ سنة 2008 التي كان تبناها رئيس الحكومة السابق ايهود أولمرت ورئيسة حزب كاديما وزيرة الخارجية السابقة تسيبي ليفني. الشيء الجديد الوحيد فيه هو استعداد وزير الحرب السابق للحوار مع حركة “حماس”.
“حماس” لم تتأخر في الرد على موفاز. فقد انتقد المتحدث باسمها سامي أبو زهري ما وصفه ب “تبادل” صائب عريقات وموفاز “التلويح بورقة “حماس” في وجه بعضهما بعضاً لتحسين الوضع التفاوضي للسلطة (...) الحركة لن تتفاوض مع الاحتلال، كما أنها لن تكون طوق النجاة لفريق اوسلو”.
وكان عريقات، القريب جداً من محمود عباس، قد صرح أن الرئيس الفلسطيني يمكن أن يستقيل من منصبه من دون انتظار الانتخابات الرئاسية إذا فشلت الجهود الأمريكية لتحريك عملية السلام مع “إسرائيل”، وان صلاحياته سوف تُنقل عند الاستقالة إلى رئيس المجلس التشريعي عبد العزيز دويك، الموالي لحركة “حماس”.
أبو زهري سخر، مرةً أخرى، من اقتراح عريقات بقوله: “إن هذا التصريح لا يعكس احتراماً لصلاحية المجلس التشريعي، وإنما محاولة لإلقاء كرة اللهب الناتجة من فشل مسيرة التسوية في حضن حركة حماس”.
سواء كان فياض جاداً في اعلان الاستقلال الفلسطيني، وكان أوباما جاداً في الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة نتيجة “تفاهمه السري” مع فياض، وكان عباس جاداً في تقديم استقالته ونقل صلاحيات رئاسة السلطة الفلسطينية إلى رئيس المجلس التشريعي الحمساوي، وكان موفاز جاداً أيضاً، في حال أصبح رئيساً للحكومة “الإسرائيلية”، في إقامة دولة فلسطينية بحدود مؤقتة نتيجة حوارٍ يجريه (؟) مع “حماس”... إذا كان هؤلاء السادة جادين فعلاً في تحقيق ما يعدون به أو ما يُنسب اليهم في هذا المجال، فهل يغيب عن إدراك القادة الفلسطينيين والقوى الحية في الأمة ماذا يعني “الاستقلال الفلسطيني” والدولة الفلسطينية “المستقلة” بحسب هذه الخطط والمواقف؟
إنها تعني أمراً خطيراً هو: إقامة الدولة الموعودة في المساحة البسيطة المتبقية من الضفة الغربية وذلك من دون أي علاقة سياسية أو دستورية أو إدارية ولا اتصال جغرافي مع قطاع غزة.
إنها تعني تكريس الانفصال السياسي والدستوري والإداري القائم حالياً بين الضفة والقطاع في ظل حكومتي سلام فياض وإسماعيل هنية وشرعنته باعترافات متتالية وواسعة من دول أمريكا وأوروبا، بل من الأمم المتحدة نفسها وربما، يا للهول!، من بعض الدول العربية أيضاً.
إنها تعني، باختصار، تصفية قضية فلسطين بتحويل كيانيّ الضفة وغزة إلى جمهورتي موز هزيلتين وقميئتين تشهدان بفصاحة منقطعة النظير على عجز العرب وخوائهم في ظل الجاهلية المعاصرة التي يرتعون فيها.
يا قادة الضفة وغزة، ما من عمل يعيد اللحمة والتلاحم الوطنيين إلى الشعب الفلسطيني في وطنه المحتل وفي انتشاره الواسع تحت كل كوكب إلاّ باتخاذ قرارٍ وطني، شاملٍ ومدوٍ، بالعودة إلى اعتماد خيار المقاومة بقدر ما تطيق قواه الحية وتستطيع.
وحده قرار استراتيجي كهذا سيحمل قادة الولايات المتحدة و”إسرائيل”، عاجلاً أو آجلاً، على إعادة النظر بما يخططون له ذاتياً أو يتواطأون في شأنه مع ضعفاء الإيمان والإرادة في أمتنا. وإذا لم يفعلوا، فإن القوى الحية تكون، باستئناف المقاومة، قد طلّقت أوهامها وسارت بلا تردد، ومهما طال الزمن، في الطريق المؤدي إلى صناعة المصير وانتزاع الحقوق وتحقيق الأهداف.