خبر بعد وصول خيار المفاوضات طريقا مسدودا .. أية بدائل تنتظرنا؟ .. عريب الرنتاوي

الساعة 05:35 م|13 نوفمبر 2009

بقلم: عريب الرنتاوي

لم تعد العودة للمفاوضات من دون تجميد كامل للاستيطان ، خيارا ممكنا ، فلسطينيا على الأقل ، سيما بعد أن أوصل الرئيس عباس الموقف إلى ذورته ، إلى نقطة اللاعودة ، في خطاب الذكرى الخامسة لرحيل ياسر عرفات أمس الأول.

وفي ظني أن القبول بأي عرض أقل من التجميد الكامل للاستيطان بما في ذلك النمو الطبيعي ، وفي كامل المناطق بما فيها القدس ، لم يعد خيارا بل انتحار ، سواء أقدم عليه أبو مازن أو من سيخلفه من القادة الفلسطينيين إن ظل الرئيس على "رغبته" بعدم الترشح ، وتهديداته بالاستقالة مبكرا من مختلف مناصبه.

حسنا ، قد لا يستطيع أبو مازن أن يضمن الحصول على تجميد كامل وشامل للاستيطان ، كشرط لبدء المفاوضات ، لكن العمل جار على جعل هذا المطلب واحدا من مرجعيات عملية السلام ومعيارا لنجاحها ، فالمفاوضات قد لا تبدأ بوقف الاستيطان ، ولكن المأمول أن تنتهي بإزالته ، أو إزالة جزء رئيس منه على أقل تقدير.

مثل هذا الرهان غير مقنع لكثيرين ممن يقول لسان حالهم: إذا عجز العالم عن إرغام نتنياهو وحكومته على تجميد الاستيطان ، فلن يفلح أبدا في إرغامه أو من سيخلفه ، على تفكيك المستوطنات ، لتبقى النتيجة أن التوسع الاستيطاني الذي سيتحقق في أثناء عملية التفاوض ، سيضاف بدوره إلى "الأمر الواقع" ، والحقائق المفروضة بقوة الدبابة والجرافة على الأرض ، وسيكون مشمولا بتبادل الأراضي في أحسن الأحوال ، إن لم يكن قد احتسب على حصة إسرائيل من "الأراضي المتنازع عليها".

على أية حال ، لا أستطيع أن أجد سيناريو واحدا مقنعا ، يمكن أن يتيح الجمع بين استئناف المفاوضات واستمرار الاستيطان ، ولا أرى في الأفق بوادر تراجع فلسطيني عن "المطلب الذي صار شرطا" أو إرهاصات "جنوح إسرائيل لخيار السلام ومستلزماته وشروطها" وفي مقدمها وقف الاستيطان بالكامل ، الأمر الذي ينذر بازدياد الأمور تعقيدا.

ويزيد "الطين بلة" كما يقال ، أن استعصاء المفاوضات وتردي عملية السلام هذه المرة ، يثير شهية أركان السلطة "للتنظير والتحليل والتقييم والاستشراف" ، حيث يتبارى المسؤولون في إطلاق التصريحات المتشائمة ، والتي تكاد تلامس تصريحات وتحليلات المعارضة الإسلامية من حماس إلى الجهاد ، الأمر الذي سيجعل استدارتهم الكاملة اللاحقة صعبة للغاية ، ويعقّد عودتهم إلى مائدة المفاوضات ، ويجعلها أكثر كلفة ومخاطرة.

فأن يقول كبير المفاوضين ، صاحب "المفاوضات حياة" أن المفاوضات وصلت بعد 18 عاما على انطلاقتها إلى طريق مسدود ، فهذا أمر يقربه من حماس والجهاد والشعبية...وأن يقول أن استقالة عباس تعني أن لا سلطة ولا حكومة ولا وزراء ولا نواب ، فمعنى ذلك حل السلطة أو انهيارها ، وهذا مطلب لبعض الفلسطينيين الذين ما عادوا على ثقة بأن "السلطة مشروع دولة"...وأن يقول الرئيس عباس وأمام عشرات ألوف الفلسطينيين الذين احتشدوا أمس إحياء لذكرى استشهاد أبو عمار الخامسة: "أنا شخصيا مش ح أقبل" ردا على مطالبات عربية ودولية بالعودة للمفاوضات قبل وقف الاستيطان ، فمعنى ذلك أننا نقترب شيئا فشيئا من نقطة اللاعودة ، فما الذي يمكن أن تأتي به قادمات الأيام ، وأية سيناريوهات تنتظرنا ؟.

أغلب الظن ، أن السيناريو الأكثر ترجيحا سيركز على "خط نهاية المفاوضات" بعد أن فشلت المحاولات لرسم خط بدايتها وشروط انطلاقتها ، وعند هذه النقطة بالذات تتكثف الجهود الآن بحثا عن ضمانات ، وهي جهود تدعمها واشنطن ودول أوروبا والاعتدال العربي ، لكن هذا ليس سيناريو واحدا صعبا من عدة سيناريوهات أشد صعوبة.

السيناريو الثاني: السلطة تعلن من جانب واحد عن قيام دولتها على خطوط الرابع من حزيران وعاصمتها القدس الشرقية ، تعترف بها بعض الدول ، وربما الولايات المتحدة كذلك ، ويصبح كل الوجود الإسرائيلي داخل هذه المناطق وجودا عدوانيا وغير شرعي ، إسرائيل قد ترد بخطوات أحادية من جهتها كأن تضم الكتل الاستيطان ومناطق في القدس وغيرها إليها ، رسميا ونهائيا ، ولا أحد يدري ما هي القيمة المضافة لهكذا سيناريو ، وما مخاطر واحتمالات تحوله عمليا إلى "مشروع دولة ذات حدود مؤقتة" الذي يرفضه الفلسطينيون نظريا ، سؤال مشروع آخر.

وثمة سيناريو ثالث: يتحدث عن حل السلطة و"رد الأمانة إلى أصحابها" ، فاوسلو ومن قبله مدريد حملا وعدا بالدولة ، فإذا بالسلطة تتحول إلى مقبرة لهذا الوعد والحلم ، جراء التعنت الإسرائيلي ، هذا السيناريو يطوي صفحة "الاحتلال المريح ، أو الديلوكس" ، ويعيد المسألة برمتها إلى أصلها: صراع بين قوة احتلالية استعمارية من جهة وشعب خاضع للاحتلال من جهة ثانية ، لكن هذا السيناريو لا يجيب على مصير ما يزيد عن مليون مواطن متعلق معيشيا بالسلطة ومؤسساتها وأجهزتها ، فضلا عن كونه لا يجيب على الأسئلة المتعلقة بمصير قطاع غزة.

وثمة سيناريو استمرار القديم على قدمه ، سواء ببقاء أبو مازن أو برحيله ، حتى تنطوي هذه "الغمامة" ، وربما نعود بعد حين إلى حوارنا الماراثوني حول المصالحة والوحدة الوطنية ، ونعلق عملية السلام والمفاوضات كما علقت من قبل ، وأحيانا لسنوات ، إلى أن تنضج شروط أخرى وتلوح في الأفق بوادر ومبادرات جديدة.

وثمة سيناريو "الانتفاضة الثالثة" خصوصا إذا ما استمر التعدي الإسرائيلي على القدس والمقدسات والأقصى ، وإذا ما استمر التوسع الاستيطاني في الضفة وحرب التجويع والإبادة في القطاع ، وإذا ما استطال الانحباس في عملية السلام وانسداد أفق الحل وشيوع اليأس والإحباط ، إلى غير ما هنالك من عوامل كفيلة بتفجير انتفاضة ثالثة ورابعة ، إن لم يكن الآن ، ففي مستقبل غير بعيد.

والخلاصة ، أن المستقبل الفلسطيني الذي طالما عانى من الغموض والانفتاح على المجاهيل والمغاليق ، يبدو اليوم أكثر غموضا وانفتاحا على شتى الخيارات والبدائل والسيناريوهات ، لكن الحقيقة التي لا تخطئها العين وسط هذا الضباب الكثيف ، أن استمرار الحال الفلسطيني على هذا الحال ، يصبح يوما بعد آخر من المحال.