بقلم: جدعون ليفي
يحدث هذا على التناوب، وبالنفس الطريقة كل مرة: فكل بضعة اشهر يتبين سياسي يميني النور. فيعتقد فجأة ان الزمن لا يعمل في مصلحتنا، وان حلم ارض اسرائيل الكاملة قد انتهى، وانه يجب القيام بـ "تنازلات مؤلمة"، وان الفلسطينيين يستحقون دولة وان الاحتلال يجب ان ينتهي.
بعد ان يصوغ المارق المناوب خطته، يلفها في غلاف جميل ويزينها بالخرائط، والقوائم والواح العرض ويخطب خطبة "تاريخية" في هرتسليا او بار ايلان، او يجمع حفلا صحفيا يشارك فيه كثيرون، ويحصل على وقت شاشة ومقابلة نهاية اسبوع مطرية في مجلة ومقالات جمة تبين فضل "الانقلاب" الذي جرى عليه. وهو يجيب الاسئلة ببسمة محتالة من زاوية فمه: لا، لم يتغير؛ الوضع تغير. فالعرب يكثرون، واليهود يضعفون، فيجب فعل شيء ما. كما قال شايكه اوفير: حسن، نحاما.
حسن اريك؛ حسن، ايهود؛ حسن، تسيبي؛ حسن، دان؛ حسن، بيبي. والسيطرة الاخيرة: حسن، شاؤول. انضم رئيس هيئة الاركان ووزير الدفاع في الماضي شاؤول موفاز والد نظرية الاغتيالات، الى قطيع المارقين. ان الشخص الذي اقترح طرد ياسر عرفات يعرض خطة سياسية "بعيدة الامد"، ومن المحقق انها بعيدة الامد، تشتمل على أن "تحترم اسرائيل كل قيادة فلسطينية منتخبة وان تجري تفاوضا معها". وفي حين ما يزال موفاز يدبر خزانته الاعلامية، اصبح يطرق الباب الآتون بعده في النوبة: جدعون ساعر وبعده موشيه يعلون. وبعد سنة او سنتين ستنضم ايضا تسيبي حوتوبلي، التي لم تتغير هي ايضا بل تغير الوضع. استعدوا استعدوا.
لولا ان هذا محزن جدا لكان يمكن ان ننفجر من الضحك. لم يتجه اي سياسي اسرائيلي الى الطريق في الاتجاه العكسي، سوى يوفال شتاينتس الذي كان يساريا قبل ان يمضي الى السياسة. ان طريق الساسة في اتجاه واحد دائما: من اليمين الى اليسار كما تكتب اللغة العبرية.
لم تفكر شولاميت الوني قط في الانتقال الى عوفرا، ولم يغير اوري افنيري قط نبوءاته المتحققة، ولم يلتوي يوسي سريد قط، ولم "يتنبه" يوسي بيلين قط. لا يفكر المارقون الجدد في الشكر لممهدي الطريق، ولأناس حركة "متسبين"، او لأناس شجعان مثل البروفيسور يشعياهو ليفوفيتش، الذين قالوا بالضبط نفس الاقوال التي يرددونها الان، قبل 42 سنة على صوت التنديد والاغراء بهم والتهديد.
لا يفكر المارقون الجدد ايضا في الاعتذار للجمهور عن خطئهم التاريخي: فعندنا لا يدفعون عن الاخطاء المصيرية. وهم غير قادرين ايضا على بيان ما الذي حدث في الحقيقة في الزمن الضائع الذي انقضى. لماذا احتاج شمعون بيرس الى تأخر 10 سنين ليعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية؟ ولماذا رفض عشر سنين قبل اوسلو مصافحة اليد الممدودة للسلام لمسؤولي منظمة التحرير الكبير عصام السرطاوي، الذي حاول ان يلتقيه في مؤتمر في لشبونة، قبل لحظات من مقتله؟ ولماذا احتاج اريئيل شارون الى اسكان عشرات آلاف المستوطنين في المناطق، وفي قطاع غزة الى ان تبين ان هذا فعل خطر لا قدرة له على البقاء؟ ولماذا لم يتحمل قط المسؤولية عن خطئه الفظيع؟ جميع المارقين الجدد – بدرجات مختلفة – مذنبون في حدوث الوضع المخزي الذي نشأ، وبعضهم على نحو مباشر وشخصي.
أنباء حسنة في ظاهر الامر. اذا اضفنا استطلاعات الرأي العام التي تدل على ان اكثر الاسرائيليين يؤيدون حل الدولتين، فانه ترسم صورة تشجع لكثرة واضحة من طالبي السلام والعدل. جميعهم يجلسون في ارتياح في رواق "التنازلات المؤلمة". لكن هذا بطبيعة الامر مشهد متعتع. فما ان تطفىء اضواء المصابيح ويكف اصحاب الاعمدة الصحفية عن المدح، حتى يعود المارقون الى حياتهم الرتيبة، من غير ان يحركوا ساكنا من اجل تقديم ما دعوا اليه.
سعى ايهود اولمرت الى "اتفاق رف"، وبنى مستوطنات وخرج لحربين لا داعي لهما؛ وخطب بنيامين نتنياهو خطبة فصيحة عن دولة فلسطينية، ولم يوافق حتى على تجميد مؤقت للمستوطنات؛ ويقترح موفاز محادثة حماس، لكنه لا يخطر في باله ان يحاول فعل ذلك هنا والان. لنره يحاول ان يلقى رئيس الحكومة المنتخب اسماعيل هنية. وماذا عن الرأي العام؟ انه يقوم نعم للدولتين، ويصوت لليكود ولافيغدور ليبرمان. حفل الاقنعة الاكبر: لقد رفعت اسرائيل "السير مع والشعور بغير" الى رتبة الفن. وقد يجبى الثمن الفظيع قريبا.