بقلم: فايز رشيد
بإعلان الرئيس محمود عباس مرسومه الرئاسي المتعلق بإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية الفلسطينية المقبلة، وبعدم توقيع حركة حماس على ورقة المصالحة المصرية، ورفضها إجراء الانتخابات في غزة، وفق الموعد الذي حدده عباس بالطبع، يكون قد دق المسمار الأخير في نعش المصالحة الوطنية، وكذلك يكون الأمل قد انعدم تماماً بأية إمكانية لاستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية، كأحد اشتراطات الانتصار في معركة التحرر الوطني التي خاضها ويخوضها شعبنا في ثوراته القديمة والحديثة، وفي معاناته وآلامه وتضحياته ودماء شهدائه وجرحاه وعذابات معتقليه، على مدى قرن زمني يمتد منذ أواخر الحكم العثماني وبداية الانتداب البريطاني على فلسطين وبدء الهجرة اليهودية إليها، مروراً بكافة المحطات الأخرى، وصولاً إلى المرحلة الحالية، التي لا تسر صديقاً، بل يرتاح إليها العدو والأعداء جميعاً.
هل نكتب بيان نعي القضية والمشروع في هذه المرحلة السوداء من التاريخ الفلسطيني العربي الإنساني رغم عدالتهما، والتي اتسع مداها في متوازية مع التضحيات؟ هل نكتب بيان النعي والعدو ماض في جرائمه وحصاره واغتيالاته، وفي تهويده للقدس وهدم الأقصى، وفي سرقته للأرض وحصاره للقطاع، وأيضاً في سرقته وتزييفه للتاريخ واعتداءاته المتواصلة على الجغرافيا؟ هل نكتب بيان النعي أمام كل التحديات التي تواجه قضيتنا والمصائر التي تنتظر كل واحد منا؟
لقد مرت مراحل أشد إيلاماً وإيذاء للسفر الفلسطيني منذ ابتداء عهده، لكنها كانت تُواجَهْ بالمجموع، بالكل الفلسطيني موحداً في المجابهة، إلاّ المرحلة الحالية حيث الداء يكمن في ذات الجسد الفلسطيني، هذه الظاهرة تتجاوب تماماً مع ما خطط له الأعداء الكثر للنضال الفلسطيني، هذه الظاهرة تستجيب لما أرادوه ويريدونه وما سيريدونه.
القضية لا تكمن في وجود الأزمة، فالأزمات في التاريخ الوطني متتالية طبيعية مرافقة للظاهرة النضالية، وهي لا تحمل معنى القدرية في مختلف حالاتها، بل يُخطط لها للقضاء على تلازمية الشعب والكفاح لإفراغ محتوى المشروع الوطني من مضامينه. القضية أيضاً لا تكمن في إدراك مدى عناصر الأزمة وخطر تداعياتها على القضية والمشروع وتيئيس الشعب وصولاً إلى الصفر، لكن الأزمة تتمثل في “تكتيف” اليدين أمام القيام بمهام معروفة ومُدْرَكة ومجرّبة في نضالات أخرى من أجل سحق الأزمة والقضاء عليها، وتجاوزها إلى الفضاء النضالي الرحب، الذي يبعث الأمل من جديد في نفوس الجماهير الشعبية، التي ظلت منذ الأزل وستظل حتى الأزل وقود الثورة للانتصار، فلا انتصار من دون تضحياتها.
لقد قلنا الكلام، وأغرقنا كتابةً وحبراً خزّان التشخيص، في سلسلة هائلة من الخطابات والشعارات الرنانة وتحميل الآخر كل الوزر، وأصدرنا البيانات الواحد تلو الآخر، في سبيل تجريد الذات من استحقاقاتها وعجزها وفشلها في العمل على تجاوز الأزمة، وسط ظاهرة أكثر من واضحة، معالمها: سلطتان وهميتان على الأرض، تنتفي عن كل واحدة منهما صفة الدويلة، تتنازعان على امتلاك مفاتيح السجن لعموم الشعب ولكل منهما، سلطتان لو جرى حلهما، واستبدال كل منهما بقيادة وطنية من مختلف الفصائل والقوى تكون مرجعية لكافة قضايا المواجهة في مرحلة التحرر الوطني، لوضعنا أيدينا على جوهر الأزمة وعلى تناقضات اللحظة.
الحل يبدأ أولاً وأخيراً بالمقاومة، والعودة إلى مربع الصراع الأول، وفي العودة إلى المنطلقات الأولى في أن فلسطين، كل فلسطين، هي الأرض التي نسعى إلى تحريرها، وأن لا انتصار من دون تحقيق معادلة التلاحم العضوي بين الوطني والقومي والأممي الصديق. هذه المهمة فرضها ولا يزال يفرضها من نواجهه، فلا حلول وسطاً مع هذا العدو.