بقلم: تسفي بارئيل
"تايتل واحد ليس كل المستوطنين"، هتف المستوطنون انطلاقا من مواقعهم الدفاعية. "محظور وصم جمهور كامل بسبب قاتل واحد"، تعتقد جوقتهم، التي تصطف في كل مرة يكون فيها احد ما "منهم"، فردا كان ام جماعة، قاتل او فتى تلال، يخرج عن قواعد اللعب.
هم محقون. "المعسكر الطاهر" للمستوطنين لا يمكنه ان يتلوث بسبب باروخ غولدشتاين، التنظيم السري اليهودي الاول، التنظيم السري بات عاين، الاستفزازات اليهودية في نطاق "ابونا ابراهيم" في الخليل، او مقاتلي الحرية الذين على التلال. ومثلما في كل امة، ففي امة المستوطنين ايضا يوجد شواذ، مخربون وقتلة، بل ومثليون الله يعفينا. أمة ككل الامم. والجدال في مسألة مسؤوليتهم عن مجرميهم لا داعي لها في افضل الاحوال ويشوش الخطيئة الحقيقية في اسوأ الاحوال.
جريمة المستوطنين ليست في تنمية قتلة ولا حتى بتطوير ثقافة الكراهية للفلسطينيين او الاحتقار لـ "الفقاعة" التل ابيبية. خطيئتهم هي في مجرد استيطانهم. فهم ليسوا بناة منازل ومطوري حدائق، عقاريين وفرت لهم حرب الايام الستة صفقة جيدة. فقد قرروا ان يقيموا شعبا منفصلا، ومنه يطلقون أمة لديها ارضا اقليمية خاصة بها، قوانين منفصلة، لغة وزعماء، وايديولوجيا مستقلة. هذه أمة تدير سياسة خارجية حيال دولة اسرائيل، تحتفظ بقوة حفظ للنظام خاصة بها، ميليشيا مستعدة في كل لحظة ان تضرب بمن يهدد حدودها. لديها استخبارات ناجعة، يعمل وكلاؤها داخل حكومة اسرائيل وفي الجيش الاسرائيلي، وجهاز اعلامي قائم بذاته.
لقد جعل المستوطنون دولة اسرائيل جريرتهم. قوتهم عظيمة لدرجة ان حتى دولة عظمى كالولايات المتحدة تتحطم امام عنادهم. ما لهم وللسلام مع الفلسطينيين او مع سوريا؛ للمبادرة العربية او للتهديد الايراني؛ بيت في عوفرا، كرفان على تلة راحيل او ليئا أهم بأضعاف من مصير الفقاعة الاسرائيلية، التي لا تفهم بغبائها الى اين تقود المسيرة السلمية.
قبل بضع سنوات حاولت أمة المستوطنين "الاستيطان في قلوب" مواطني المنفى الاسرائيلي الخاص بها. في حينه كانوا لا يزالون يطمحون في ان يكونوا جزءا من دولة اسرائيل، فيقنعوا، يسحروا، يشرحوا بأن "يشع هي هنا". قدروا في حينه بأنهم يحتاجون الى تأييد الدولة الام، الى تصريح بلفور اسرائيلي يجعل دولتهم شرعية. بحثوا عن التضامن بذريعة الهوية. اذ فهموا بأن المحاولة للاخذ بغطاء سور واق اسرائيلي قد فشلت. الوية الجيش الاسرائيلي، التي اضطرت الى الغاء التدريبات كي تحميهم، والكلفة الهائلة لحمايتهم اثارت معارضة كبيرة في اسرائيل الى ان قرر اريئيل شارون، اميرهم، اخراجهم من غزة وانهاء هذه المغامرة باهظة الثمن. في الرواية الاستيطانية التي نجحت في السيطرة في اسرائيل نسي سبب فك الارتباط هذا عن غزة.
الان هرع لنجدتهم يعقوب تايتل. فهو ليس "كل المستوطنين" ولكنه الخدعة التي مهمتها صرف البحث عن المستوطنين؛ من التهديد الاستراتيجي الى الخلاف الاجتماعي والمتعلق بالجريمة: هل المحيط هو الذي يخلق مغتالين ام ان للجينات الشخصية تأثيرات حاسمة، كما يتردد المتعلمون. بالفعل، مسألة جديرة، ولكن ليست ذات صلة. التايتليون غير ملزمين بأن يكونوا مستوطنين، كي يغتالوا من لا يشاركونهم الرأي.
اسرائيل لا تقوم ولا تقع بسبب هذا المغتال او حتى دزينة مثله. لدولة اسرائيل يوجد نزاع وطني مع دولة المستوطنين. اذا كان هناك تهديد استراتيجي على بقاء الدولة فهو موجود في جبال الخليل والسامرة. اذا كان هناك محفل واحد يدفع الى الانهيار استمرار المسيرة السلمية، فهو البناء في المستوطنات؛ اذا قررت الولايات المتحدة فك الارتباط عن اسرائيل، فسيكون هذا بسبب المستوطنات.
خلف الخط الاخضر توجد دولتان، فلسطينية ويهودية لا تنسجمان مع دولة اسرائيل. مع الدولة الفلسطينية يوجد احتمال للوصول الى سلام، اما دولة المستوطنين فترى في اسرائيل تهديدا استراتيجيا وفي قيادتها عصابة هزيلة، من شأنها ان تدفع الى الانهيار حصانة دولة المستوطنين. في نظرهم دولة اسرائيل هي المنفى الحقيقي، ذاك الذي يرقص امام الطاغية.
الادوار تبدلت. لم يعد هناك مستوطنون يسعون الى الاستيطان في قلوب الاسرائيليين، بل يعرضون مطلبا قاطعا في ان يستوطن الاسرائيليون في قلوب المستوطنين. في صالحهم.