بقلم: دوف فايسغلاس
المستشار السياسي لرئيس الوزراء الاسبق شارون
بيان ابو مازن بانه لن يتنافس في الانتخابات التي ستعقد في السلطة الفلسطينية، أثار في اسرائيل ردود فعل مختلطة من الشك، السخرية والتقديرات بان ليست هذه سوى حيلة سياسية. وبالفعل، ابو مازن اكتسب سمعة "مسافر الى مسافات بعيدة" او "مستقيل" عند الازمات.
ولكن طريقة التصدي الغريبة التي يتخذها الرجل تجاه أزماته لا ينبغي أن تصرف الانتباه عن القلق الحقيقي: احساس متعاظم بين الفلسطينيين بان اسرائيل غير معنية في الوصول الى حل سياسي للنزاع. وهكذا، حتى لو كانت الاستقالة وهمية، فان اليأس وفقدان الثقة حقيقيان.
اسباب عديدة للازمة: التمنع الاسرائيلي العام بالنسبة للمسيرة السياسية، والذي عبر عن نفسه، ضمن امور اخرى، بغياب موقف واضح من استمرار تطبيق خريطة الطريق، باعتراف متأخر ومتردد لمبدأ الدولتين، بمواقف علنية من بعض من ورزاء الحكومة، ترفض كل انسحاب من مناطق يهودا والسامرة وما شابه من مؤشرات، تدل، برأي الفلسطينيين، على أن اسرائيل لا تعتزم الوصول الى تسوية.
السبب الاساس للازمة هو الخلاف في موضوع البناء في المستوطنات. المستوطنات نفسها، ومعها ترتيبات الامن للمستوطنين، تجعل صعبة الحياة الاعتيادية للفلسطينيين. وفضلا عن ذلك فانهم مقتنعون بان الاستيطان هو وسيلة بيد اسرائيل لمواصلة الاحتفاظ بكل مناطق يهودا والسامرة الى الابد، وان المؤامرة الاسرائيلية هي ارجاء التسويات الدائمة، كي تجعل كثرة المستوطنات وانتشارها تقسيم البلاد متعذرا. النمو الحاد في عدد المستوطنين الاسرائيليين في السنوات الاخيرة هو بالنسبة لهم دليل واضح على هذه المؤامرة.
ليس صدفة أن تناولت ادارة اوباما مسألة وقف البناء في المستوطنات، غير أن الطلب الامريكي من اسرائيل ادير باهمال وعدم تفكير، في ظل النفي الفظ للترتيبات السابقة. يحتمل ان يكون حتى التجميد الجزئي للبناء مرضيا للفلسطينيين، غير أن طلب اوباما التجميد المطلق خلق مشكلة. الان، ما أن تراجع الامريكيون عن مطلبهم علنا، حتى شعر الفلسطينيون بانهم خدعوا وفقدوا ثقتهم بامكانية التأثير والوساطة الامريكيتين.
الحوار الاسرائيلي – الفلسطيني شهد حتى الان ارتفاع وهبوط، واوضاع مأزل وانعدام ثقة، ولكن الازمة الحالية تقع مع السلطة التي احسنت اكثر من أي وقت مضى في مكافحة الارهاب. الحكومة الفلسطينية بقيادة عباس وفياض نجحت في احلال الهدوء والاستقرار الامني. في حملة مثيرة للانطباع تمكنت السلطة من اعادة تنظيم قوات الامن، فرض القانون والنظام، منع الارهاب وتثبيت ترتيبات غير مسبوقة من التنسيق مع جهاز الامن الاسرائيلي. اضافة الى ذلك تحسن الحكومة الفلسطينية العمل على تحسين نظام الحكم، الادارة، الاقتصاد وترتيبات الحياة في السلطة، والايضاح بان الحياة الافضل هي، على المدى البعيد، الضمان الانجع للهدوء، الامن والاستقرار.
في بداية العقد الحالي، ذروة عربدة الارهاب الفلسطيني، كان الشرط الاسرائيلي الاساس للمفاوضات هو وقف الارهاب والعنف. الحكومة الفلسطينية الحالية وفرت البضاعة. اسرائيل، بالتالي ملزمة بان تبذل كل جهد مستطاع كي تواصل هذه وجودها. الحكومة ملزمة بان تخرج عن طورها كي تسوي الازمة مع ابو مازن في اقرب وقت ممكن. محظور ان يكون هناك وضع لا تكون فيه نار، ولكن لا تكون فيه مفاوضات ايضا. الافظع من كل شيء سيكون اذا ما حل في الوعي الفلسطيني اعتراف بان الجهد الصادق لتصفية الارهاب هو ايضا لا يقدم ولا يؤخر بالنسبة لاسرائيل، وفي كل الاحوال لن يكون أي تقدم سياسي.
ماذا لدينا لنخسره، سيقولون هناك في مثل هذه الحالة، اذا ما عدنا الى العمليات؟