بقلم: عريب الرنتاوي
بلغ سيل كبير المفاوضين زباه ، بعد أن ناله من السيدة كلينتون ما كفاه...وخرج صاحب نظرية "المفاوضات حياة" عن سكته المعهودة والمحفوظة سلفا وعن ظهر قلب ، وطلع علينا بإعلان نعي لـ"حل الدولتين" ، ودعوة عباس لمصارحة شعبه بوصول خيار الدولة المستقلة - ومعه خيار المفاوضات حياة بالطبع - إلى طريق مسدود...مشددا على أن الشعب الفلسطيني ليس مجردا من البدائل ، ملوّحا بالنضال من أجل خيار "الدولة الواحدة" ؟،.
حسنا، لقد وصل خيار "المفاوضات حياة" إلى طريق مسدود ، وقطع الاستيطان الطريق على خيار "دولتين لشعبين" ، ولم يعد أمام الفلسطينيين من سبيل سوى "النضال" من أجل "الدولة الواحدة" ، التي يعرضها عريقات كما لو كانت ردا فلسطينيا من العيار الثقيل على الميل الاستعماري التوسعي لإسرائيل، والانحياز الأمريكي الداعم والمُبَارًك للاستيطان ولمشروع فصل القدس عن الضفة الغربية.
إن كنا سنعاقب إسرائيل بخيار "الدولة الواحدة" ، وإن كان هذا الخيار عقابا حقيقيا لـ"دولة جميع أبنائها اليهود" ، فلماذا أضعنا كل هذا الوقت في مطاردة خيار "الدولتين" واللهاث وراء الدولة والعاصمة...وإذا كانت فرص قيام "الدولة الواحدة ثنائية القومية" أيسر من فرص قيام "دولتين لشعبين" حتى في الظروف العصيبة الراهنة ، فلماذا بددنا أعمار جيلين أو ثلاثة أجيال من أبناء شعبنا في ملاحقة خيوط الدخان وسراب الحلول والتسويات وأوهام "المفاوضات العبثية".
لا شك أن خيار الدولة الواحدة ، مطروح من قبل النخب الفلسطينية منذ عدة سنوات ، ولا شك أن هذه النخب تدرك تمام الإدراك أن فرص إنجاز هذا الخيار أعقد وأصعب من فرص خيار الدولتين ، وأن جهدا نضاليا معقدا ومديدا ، يجب أن يبذل من أجل إخراجه إلى حيز التنفيذ ، أي بمعنى أنه خيار كفاحي مكلف للشعب الفلسطيني أيضا ، ويحتاج إلى استراتيجيات مغايرة ، ومناضلين مختلفين لم يتوقف بهم التاريخ عند نهج "المفاوضات حياة" ، ولم ينظروا يوما للسلام كخيار استراتيجي وحيد.
لا بأس ، سنأخذ بما قاله الأخ صائب عريقات وسنرحب به إن كان توجها بديلا بالفعل ، لا "سورة غضب" ناجمة عن إحساس عميق بالخيبة والخذلان ، أو "نوبة حرد" على طريقة الاستقالات الوهمية أو بالأحرى على طريقة التلويح المتكرر بالاستقالات من دون الإقدام عليها أبدا ، فإن كان الأخ عريقات يريد أن يخيف "الطرف الآخر ورعاته" فأحسب أنه يلعب بأوراق مكشوفة ، فما عاد أحد في إسرائيل يأخذ السلطة وتلويحاتها وتهديداتها على محمل الجد ، وما عادت فرائص واشنطن والعواصم الأوروبية ترتعد لحرد هذا أو تلويح ذاك بالاستنكاف ، فاللعبة باتت مكشفة من ألفها إلى يائها.
أما إذا كان المقصود ، احتواء حالة الغضب الفلسطيني ، ومجاراة نبض الشارع العربي المصاب بالصدمة والغضب ، فهذه أيضا لعبة قصيرة الأمد ، لأننا إن نقدم شيئا ملموسا للرأي العام الفلسطيني والعربي ، فإن ما تبقى من صدقية وماء وجه ، سيراقان سريعا ، وحين نحتاج هذا الشارع ذات يوم ، فلن نجده ، ويصبح مثلنا مثل الراعي الذي مازح أهله أو كذب عليهم بحكاية الذئب مرتين من دون أن يكون هناك ذئبا ، وعندما هاجم الذئب قطيعه بالفعل في المرة الثالثة ، لم يجد من يصغي لمزاحه أو يستمع لأكاذيبه.
إن كنا ذاهين إلى الدولة الواحدة ، فلنعمد إلى حل السلطة وتقديم استقالات جماعية من مؤسساتها المختلفة ، ونقترح على الدكتور عريقات أن يكون أول المبادرين على هذا الطريق ، وأن يأخذ معه الوزير صاحب الصيت الذائع في مجال الدعوة لحل السلطة و"خيار الدولة الواحدة" ، قبل أن يصبح وزيرا في تصريف الأعمال بالطبع ، وسنرى كيف ستؤثر هذه الاستقالات على مسار سير الأحداث والتطورات اللاحقة للقضية الفلسطينية.
لسنا في الحقيقة في موضع المصدق لهذه التصريحات - وإن كنت أتمنى شخصيا أن أكون اول المبادرين للاعتذار عن خطئي للدكتور عريقات ومرجعيته - وأحسب أننا لن ننتظر طويلا قبل أن نقرأ تصريحات أخرى على شاكلة ما صدر عن وزير خارجية السلطة الذي سبق وزير خارجية الشقيقة الكبرى في إعلان الرضا عن مواقف السيدة كلينتون ، والقبول باستئناف المفاوضات قبل تجميد الاستيطان.