بقلم: عميت كوهين
الطريق الى منصة الخطابة، التي نصبت في اقصى قاعة المؤتمرات في المقاطعة، اجتازه ابو مازن بسرعة. ابتسم باختصار نحو الحضور، لعلها ابتسامة تخفيف من حدة التوتر، وعندها بدأ الحديث. كان هذا خطابا قصيرا جدا، ولا سيما بمقاييس ابو مازن. كما أن نبرة حديثه، كما خيل، كانت اسرع من المعتاد. وكأنه اراد ان يصل الى النقطة المركزية، فيعلن بان ليس في نيته مواصلة مهام منصبه، وعندها يخرج من الغرفة، بذات السرعة التي دخل فيها.
في اليومين الاخيرين التقى ابو مازن قيادة فتح وم.ت.ف ووضعهما في صورة ما يجري. في خطابه أمس وضع حدا للشائعات حول ما قاله لهم من أمور.
"ابلغتهم برغبتي عدم التنافس مرة اخرى في الانتخابات"، قال ابو مازن، "اشكر رفاقي في القيادة الذين تفهموا رغبتي هذه". كي يتصدى للادعاءات التي كانت وستكون، اوضح قائلا: "قراري هذا لم يأت للمساومة او المناورة السياسية".
وقال مصدر كبير في فتح أمس ان ثلاثة اسباب دفعت ابو مازن الى الاعلان عن "لم اعد استطيع". السبب الاول، على حد تعبيره، هو تغيير السياسة الامريكية من المستوطنات. "تلقينا من الامريكيين وعودا وقد تراجعوا عنها"، شرح قائلا. "يبدو أنهم يفضلون علاقاتهم مع الاسرائيليين على الاستقرار الاقليمي".
السبب الثاني هو اهانة الدول العربية له، والتي هاجمته على القرارات التي اتخذها، وعلى رأسها قضية تقرير غولدستون. السبب الثالث هو "حملة التشهير الشخصي" ضده وضد ابناء عائلته من محافل اسرائيلية للمس به وبطريقه.
اكثر من أي شيء آخر، كان هذا خطاب احساس بالاهانة. من الولايات المتحدة، من اسرائيل ومن حماس. "اوفيت بكل تعهداتي: اعدنا سلطة القانون، حسنا الوضع الاقتصادي، عملت بشفافية"، قال ابو مازن، وكأنه يقول لباقي الجهات "وماذا عنكم؟".
اما للامريكيين فقال ان الفلسطينيين فوجئوا من تغيير السياسة، وذلك على خلفية التفاؤل الذي ساد مع انتخاب اوباما. اما حماس فاتهمها بالمس بالمصالح الفلسطينية بسبب رفضهم التوقيع على اتفاق المصالحة، بينما قال لاسرائيل أن حل الدولتين لا يزال واقعيا، ولكنه يقف امام المخاطر. "السلام اهم من كل مكسب سياسي لاي حزب"، قال ابو مازن في رسالة مباشرة الى اسرائيل. "وهي اهم من أي ائتلاف. منذ سنوات عديدة وموقفي هو أن السلام ممكن".
ولكن هذه الاقوال، التي تقال ظاهرا بقطع، قابلة للتأويل. فيها اطياف. "ابو مازن تحدث عن رغبته"، قال نبيل ابو ردينة، مستشار ابو مازن، ربما كي يلمح بان شيئا لم يتقرر نهائيا بعد. ياسر عبد ربه، امين سر اللجنة التنفيذية لـ م.ت.ف أوضح منذ الظهيرة بان م.ت.ف لا تعتزم قبول القرار.
"تعيين مرشح آخر معناه استسلام للاسرائيليين والامريكيين"، قال كبير فتح نبيل شعث. مسؤولون آخرون أضافوا انه اذا غيرت اسرائيل والولايات المتحدة سياستيهما، وتعاطتا بجدية مع المسيرة السلمية، فان كل شيء قد يتغير. "من ناحيتنا، ابو مازن لا يزال هو المرشح الوحيد"، يقول احد قادة الجيل الشاب في فتح.
غير أن الانتخابات الرئاسية، التي تقررت لشهر كانون الثاني القريب القادم، تقترب كل يوم. وصحيح حتى الان، رغم استمرار محاولات فتح اقناع ابو مازن بالتراجع عن اعلانه، قراره يخلق وضعا من انعدام اليقين. اذا لم تحل هذه الوضعية، فان الساحة الفلسطينية ستعلق في دوار ليس واضحا كيف ستنجح في الخروج منه.