بقلم: ناحوم برنيع
سنبدأ مقالتنا هذه بأحجية خيالية. من الذي القى من على منصة الكنيست الخطاب اللاذع التالي: "لدينا هنا وضع غير منطقي حيث ان المستشار القضائي للحكومة يعتبر من جهة رئيس النيابة العامة: لديه الصلاحيات العليا لاتخاذ قرارا بشأن لوائح الاتهام المقدمة ضد شخصيات بارزة. ومن الناحية الاخرى هو يعمل كمحام للحكومة ومستشارا لها حيث يمثلها امام المحاكم. هذا وضع غير سليم. لدينا هنا تناقض أساسي في الامور: المستشار يجب ان يمثل الحكم والحكومة ووزرائها في آن واحد وهذه مهمة كبيرة عليه وبالتأكيد كبيرة على المستشار مازوز... الطريقة الاصح هو الفصل بين منصب المستشار القضائي للحكومة وبين منصب محامي الدولة".
هل كان القائل: 1. داني فريدمان؟ 2. يعقوب نئمان؟ 3. اريئيل الداد؟ لا ولا ولا. الجواب الصحيح هو زهافا جالئون رئيسة كتلة ميرتس المدافعة الاكبر عن سلطة القانون. هذا النقاش جرى في الكنيست في حزيران 2004. مازوز قام في حينه باغلاق ملف الجزيرة اليونانية واتهم النائبة العامة للدولة عدنا اربيل، التي طالبت باستنفاد الحكم ضد الشخصيات العامة – تلك الدعاوي التي انتهت في العادة بتبرئتهم – "حددت اهدافها". اربيل كانت في جانب الاخيار ومازوز في جانب الاشرار.
على المحك كان اقتراح قانون قدمه عضو الكنيست روني بار - اون الذي كان في الليكود في ذلك الحين. بار - اون اقترح تعيين قائد محقق او عضوا من المحلفين الكبار حتى يبت ان كان من الواجب تقديم لوائح اتهام ضد شخصيات عامة. النيابة العامة كما ادعى متأثرة جدا من وسائل الاعلام. هي تقدم للمحاكمة سياسيين دون ان يرتكبوا اي ذنب. بار - اون اعتمد على مازوز الذي كان مؤيدا لترتيب مشابه.
ولكن الامور انقلبت رأسا على عقب منذ ذلك الحين. مازوز تحول من عدو لسلطة القانون الى مدافع اكبر عنه ومن مرشح للاقالة الى مرشح لمحكمة العدل العليا. الان يدعي مازوز ان كل تغيير في مكانة المستشار القضائي سيلحق ضررا فادحا في الجهاز القضائي. اليسار من جانبه الذي ايد فصل الصلاحيات يعتبر ذلك الان مؤامرة ظلامية من زعران اليمين. بار – اون تخلى عن اقتراح القانون الذي قدمه ما ان عين وزيرا: هذا الاقتراح دفن في جوارير الكنيست. بار – اون قال لي لو طرح اقتراحه مجددا الان لصوت ضده.
زهافا جالئون لم تتذكر خطابها قبل خمس سنوات. عندما حدثتها عما قالته في هذا الاسبوع مذكرا بذلك الخطاب لم تبحث عن ذرائع. "هذا امر محتمل بالتأكيد" اعترفت. ما هو موقفك الان سألتها. "الان انا اعارض فصل الصلاحيات"، قالت "من المحظور التوصل الى قرار كهذا بصورة خاطفة".
لهذه الحكاية معنيين. الاول انه لا يوجد اي شيء مقدس للحفاظ على الوضع القائم، مثلما لا يوجد هناك وعد الهي بفصل الصلاحيات. من الممكن طرح هذا الادعاء وخلافه ولكن الحرب التي يستبدل فيها المقاتلون الجانب الذي يتمترسون فيه وفقا للظروف ليست حرب ابناء النور ضد ابناء الظلام. سيحسن رجال القانون صنعا ان استخدموا في صراعاتهم كلمات اكثر تواضعا.
اما القاعدة الثانية فهي انه يحظر ان يكون الجهاز القضائي حكرا على رجال القانون. نائب عام الدولة موشيه لادور الذي يعارض فصل الصلاحيات، ارسل في هذا الاسبوع لوزير العدل يعقوب نئمان رسالة حماسية تضمنت اتهامات شديدة ضده شخصيا ومؤسساتيا.
هذا كان خطأ . النيابة العامة ليست جهازا من اجهزة القرون الوسطى. من يعتقد ان العاملين فيها يتمتعون بمكانة خاصة في تحديد من وكيف يجب مكافحة الجريمة، يعزز الادعاء بأنهم منتدى مغلق وكل هدفه الحفاظ على قوته.
نئمان انجر بدرجة لا تقل عن ذلك. في معرض رده طالب النيابة العامة للدولة بأن تنصاع اليه مثلما ينصاع الجندي لقادته.
انا في حيرة من أمري، قلت لنئمان بالامس. قبل عدة اشهر فقط جلست في مداولات جرت في محكمة العدل العليا واقتنعت من خطاب يعقوب نئمان محامي اللواء اوري بارليف الذي اوضح للقضاة انه لا يوجد اي خلل في اللواء الذي يخدم في الشرطة والذي يسكت افواه المفتش العام والوزير. والان انا لا اعرف اي نئمان يجب ان اصدق، نئمان الوزير ام نئمان المحامي.
نئمان تنهد وقال "انت لست في حيرة بالمرة".
نصف لقاء
في ديوان رئيس الوزراء بذلوا جهودهم ووجدوا ان زيارة واحدة لرئيس وزراء اسرائيل للولايات المتحدة – زيارة شارون في ايار 2005 – لم تشهد لقاء بينه وبين الرئيس الامريكي (شارون التقى مع بوش في نيسان والاثنان لم يريا حاجة للالتقاء مجددا). هذه السابقة رمت الى تفسير عدم حدوث مصيبة ان لم يعقد لقاء بين نتنياهو وبين اوباما خلال زيارة رئيس الوزراء الاسرائيلي لواشنطن في الاسبوع القادم. البيت الابيض رفض طوال عدة ايام تحديد موعد للقاء. هذا كان مهينا ومربكا. نتنياهو غضب وليس سدى: لا بل انه انفجر من الغضب.
انا اعتقد ان اللقاء سيتم اخيرا. هذا اللقاء سيتم لان عدم تنفيذه سيظهر نتنياهو كضحية وأوباما كعدو لاسرائيل. هذا سيضر اوباما في نظر الجالية اليهودية، هذا الضرر الذي تقل امكانية سماحه لنفسه به شيئا فشيئا.
وحتى ان جرى اللقاء فانه لن يؤدي المهمة المعدة له. هذا اللقاء سيكون قسريا واجباريا. هو لن يتيح لنتنياهو الفرصة لتنظيف الطاولة وقلب الصفحة وبلورة الثقة والوصول الى التقارب المطلوب. العلاقات عكرة كما تعترف مصادر في الجانبين. هناك شيء متبادل في هذه الازمة وتماثل: اوباما على قناعة ان نتنياهو قد غرز سكينا في ظهره ونتنياهو مقتنع بأن اوباما هو الذي غرز تلك السكين في ظهره.
من فوق هذه الحكاية المقلقة التي لم تتحول بعد الى عناوين صحفية تحوم سحابة الفشل. ادارة اوباما منيت بفشل ذريع في تحركها الاستراتيجي الهادف الى تحويل المفاوضات بين اسرائيل والفلسطينيين الى قوة دافعة تجذب المنطقة كلها تحت جناحي امريكا من البحر المتوسط حتى اقاصي افغانستان. فشله قد يكون في اخر المطاف مصيبة لنا. لشدة السخافة نقطة الضوء الوحيدة الان هي التحركات حول ايران.
نتنياهو على قناعة على انه يعرف من المذنب: رام عمانويل رئيس طاقم البيت الابيض. وصلته معلومات من داخل البيت الابيض وهي معلومات دقيقة. عمانويل يقوم بتنقيط السم الزعاف. مصادري قد تكون اقل جودة ولكن الصورة التي ترسمها مختلفة. مشكلة نتنياهو كما يقولون ليست عمانويل وانما اوباما.
نتنياهو على قناعة بان عمانويل قد دبر لعزل اسرائيل في امريكا من اليوم الاول لدخوله لمنصبه ودبر لتقزيمها في نظر ناخبيه والقضاء عليه سياسيا. هذه الخطوة فشلت. تأييد الرأي العام الامريكي لاسرائيل ازداد فقط. ليست اسرائيل هي المعزولة في امريكا وانما الفلسطينيين. كما ان التقدير الشخصي له قد ازداد. هذا التقدير ازداد قوة اثر خطابه امام الجمعية العمومية للامم المتحدة. لم يعد هناك قادة عالميون اليوم يتحدثون الى الامريكيين بلغتهم، ويعرفهم الامريكيون ويحبونهم. الامريكيون يعرفونه منذ 30 عاما.
نتنياهو قرأ الاستطلاعات (احدها نظم على يد ستانلي غرينبرغ المستشار السياسي لكلينتون ولبراك). الاستطلاعات اشارت الى اي مدى اصبحت مكانته قوية في نظر الجمهور الامريكي. امريكا ليست اوروبا. في اوروبا يمكن وصف نتنياهو كرافض للسلام. ولكن ليس في امريكا. الرئيس هام جدا ولكن الكونغرس هام ايضا. مع كل الاحترام للرئيس ولمساعديه عندما يكون للجمهور رأيه فرأيه هو الحاسم.
من وجهة نظر نتنياهو العلاقات استهلت بالقدم اليسرى. مطلب ادارة اوباما الحازم بتجميد البناء في المستوطنات كليا الذي رمى للمس به ادى الى التصادم. اتهموه بأنه شديد المراس. واتهموه بعكس ذلك ايضا بأنه طيع يسهل ثنيه. الافتراض كان انه سيتلقى ضربة فينهار. هذا لم يحدث لا في اسرائيل ولا في امريكا.
هذا لم يحدث لانه اختار الرد بطريقة متنوعة. في خطاب بار ايلان وعد بتأييد فكرة الدولتين وتعهد بالتجاوب مع الامريكيين ولكنه اوضح انه لن يتجاوب حتى النهاية. هو سار مسافة ابعد مما يرغب به اغلبية الاسرائيليين واغلبية اليهود في امريكا وقاد نهجا مستقيما وشفافا: كل خطوة اسرائيلية نقلت للامريكيين في وقتها الحقيقي بما في ذلك الزيارة السرية لبوتين.
في هذه الاثناء تعلم الامريكيون عدة امور. الحكام العرب الذين افترض بهم اعطاء ثمن تحريك العلاقات مع اسرائيل لم يعطوا شيئا. ابو مازن غير جلده. بسبب اعتبارات سياسية داخلية رفض الدخول في المفاوضات. الحكام العرب خانوه. هو يهدد الان بالاستقالة.
احتدم جدل في البيت الابيض. وفقا للمعلومات التي وصلت لنتنياهو، هيلاري كلينتون وميتشيل وغيرهما اوضحوا للرئيس بان عليه ان يعتمد على نتنياهو. ليس من منطلق الحب وانما من منطلق معرفة الواقع. وهكذا تبلور توازن في القوى: هم من جهة وعمانويل من الجهة الاخرى. نتنياهو يعتقد ان اوباما براغاماتي وانه سيسير في اخر المطاف وفقا لحسابات الرأي العام.
انا لست واثقا ان نتنياهو يدرك الى اي مدى يختلف اوباما عن سابقيه في المنصب في طبعه وشخصيته. من الصعب ثنيه وكذلك من الاصعب اكثر اسر فؤاده. في ولاية نتنياهو الاولى تورط رئيس الورزاء الاسرائيلي بمجابهة مباشرة مع الرئيس بوش الاب. هو تعلم حينئذ انه لا يستطيع الانتصار في مثل هذه المجابهات رغم اللغة المشتركة والقدرة على الوصول للقلب الامريكي.
قضية من المحق في الازمة الناشئة ذات اهمية هامشية. اسرائيل معلقة اليوم من رقبتها على حسن نوايا الادارة الامريكية. هي تعتمد عليها ان كانت تريد التوصل الى حل للصراع (نتنياهو يعتقد انه قادر على التوصل الى الاتفاق. هو يعرف انه الوحيد بين وزراء حكومته الذي يصدق انه سيتوصل الى اتفاق).
واسرائيل ايضا تعتمد على الادارة الامريكية في القضية الايرانية. صاحبنا دينيس روس يؤدي دورا مركزيا في المجابهة الامريكية مع ايران. البشارة الطيبة بالنسبة لاسرائيل هي ان تقدما قد حدث على طريق فرض عقوبات حقيقية. البشارة السيئة هي انهم اغضبوا اوباما مرة اخرى بالانتقادات الموجهة للامريكيين من قبل ايهود باراك. نتنياهو سارع لاصلاح الانطباع وازالته وكذلك باراك ايضا. الا ان الضرر قد حدث.
نقطة في البحر
سلسلة من رؤساء الوزراء كرروا على مسامع مساعديهم قاعدة هامة كثمرة لتجربتهم: اعطوا شاس كل شيء بما في ذلك المال والسيطرة على المؤسسات الدينية وفيضا من الكراسي حول طاولة الحكومة. المهم ان لا تعطوها وزارة الداخلية. هذه الوزارة تخرج من اعضاء شاس اسوأ ما يوجد لديهم: كراهية الاجانب ضيقة الافق والجشع والطائفية.
نتنياهو تصرف بصورة اخرى فحصد العاطفة. في مقابلة اجراها ايلي يشاي في القناة الثانية تحدث عن العمال الاجانب بصورة تفصيلية تقشعر لها الابدان ووصفهم بانهم يحملون الاوبئة والامراض. بهذه الطريقة كان النازيون يتحدثون عن اليهود. هذا التشبيه لا يؤثر على ايلي يشاي لانه خال من الذاكرة التاريخية. الـ دي ان ايه خاصته مكون على ما يبدو فقط من صفعات الحاخام عوفاديا يوسف.
يشاي باعتباره وزيرا للداخلية مسؤول ايضا عن دخول وخروج غير اليهود لاراضي الضفة. بهذه الطريقة فتحت امامه فرصة لعرقلة السلام الذي يحاول نتنياهو دفعه للامام – السلام الاقتصادي. مقابل دخوله لوزارة الداخلية وسعت الحكومة استخدام التأشيرات الخاصة كاداة هامة واليكم نماذج من الميدان.
بشير المصري مواطن امريكي من سكان رام الله منذ 15 عاما، هو المبادر والمؤسس للمدينة الجديدة التي ستبنى شمالي رام الله. المدينة التي تسمى الروابي هي درة تاج مساعي اعادة احياء الاقتصاد الفلسطيني من جديد.
المصري هو ابن احدى العائلات الاكثر ثراء في العالم العربي. فهو يحاول بناء مدينته وفقا لنموذج مدينة مودعين. الاقتصاد الاسرائيلي سيوفر جزءا من المواد المطلوبة للبناء اما الاخرى فستأتي من الاردن. ولذلك استأجر المصري خدمات الخبيرة الاقتصادية مولي تومي المواطنة الامريكية كمختصة في المشتريات. من المفترض بها ان تعمل على الخط الواقع بين اسرائيل والاردن والضفة.
عندما وصلت الى جسر اللنبي في الـ 23 من تشرين الاول وافقت وزارة الداخلية على اعطائها تأشيرة لثلاثة اشهر للدخول الى الاراضي الفلسطينية فقط. اما اسرائيل فقد حظر الدخول اليها. وبالنسبة للاردن فقد كان بامكانها ان تسافر اليه مرة واحدة شريطة ان لا تعود.
في نفس اليوم اراد بشير المصري اجتياز جسر اللنبي في طريقه الى رام الله. وزارة الداخلية وافقت على اعطائه تأشيرة لاسبوع فقط حتى الرابع من تشرين الثاني.
اندريا فيربا مواطنة نمساوية عينت مديرة لفندق انتركونتننتال في اريحا الفندق الذي بني من وراء الكازينو الشهير. عملها يلزمها بالتحرك بين المركز الاقليمي لشبكة الفنادق في عمان وفندق تل ابيب وفندق اريحا. عندما وصلت الى جسر اللنبي قادمة من الاردن في الـ 30 من تموز أبقاها موظفو وزارة الداخلية الاسرائيلية سبع ساعات تحت الشمس. الشمس في غور الاردن في تلك الفترة مسألة غير بسيطة خصوصا لامرأة نمساوية. في اخر المطاف رفضوا ادخالها بحجة عدم وجود تأشيرة عمل في اسرائيل.
هي سافرت للجسر سبع مرات وفي كل مرة كانوا يرفضون دخولها. في الـ 16 من تشرين الاول اعطوها تأشيرة لثلاثة اشهر.
المحامي دوف فايسغلاس هو الذي حدثني عن هذه الامثلة الثلاثة. ثلاثتهم من زبائنه. فايسغلاس استخدم كل علاقاته الجيدة من اجلهم وفشل. الادارة المدنية سعت هي الاخرى من جانبها الا انها لم تتمكن من اختراق سور وزارة الداخلية المنيع. جهات اخرى في الجهاز اكدت لي كل التفاصيل التي اوردتها.
هذه الامثلة هي نقطة في بحر. التعليمات تصدر من الوزير ايلي يشاي اما المنفذ فهي ميخال يوسبوف المسؤولة عن الاجانب في ادارة الاحوال المدنية. ومثلما هو الامر في قضية العمال الاجانب، الفكرة العامة معقولة – عدم السماح بتسرب الفلسطينيين الى داخل اسرائيل. اما التنفيذ فهو نكتة من شاس على حساب نتنياهو.