بقلم: عاموس هرئيل
بامكان اسرائيل ان تعتبر احداث الاسبوع الاخير التي وصلت الى ذروتها باستعراض قوة مثير للانطباع على طريقة الجيش الاسرائيلي القديم والجيد (عملية عنتيبيا وقصف المفاعلات النووية في العراق وسوريا)، درسا مثيرا بصدد قصور القوة التي تمتلكها الان. هذه بالتقريب حدود القطاع الذي يرسمه لنا رئيس الولايات المتحدة براك اوباما: بامكان سلاح البحرية الاسرائيلي ان يعترض ارساليات السلاح من ايران لحزب الله، وبامكان شعبة الاستخبارات العسكرية امان ان تكشف النقاب عن محاولات حماس لاطلاق صواريخ بعيدة المدى لقطاع غزة. ولكن على الاقل في الزمن القريب وطالما كانت الاسرة الدولية تجري حوارا مع طهران من اجل بلورة اتفاق قد يوقف المشروع النووي الايراني، من الافضل لاسرائيل ان لا تتجول كثيرا بين ارجل الكبار.
ضبط سفينة السلاح الايرانية في البحر المتوسط لا يختلف في جوهره كثيرا عن خطوات مشابهة اقدمها عليها الاسطول الامريكي في هذه السنة مرتين، رغم ان حجم الوسائل القتالية المضبوطة في هذه المرة اكبر بكثير. وفقا لرد فعل وسائل الاعلام العالمية على معرض الغنائم التي ضبطها الجيش الاسرائيلي في قاعدة اسدود البحرية كان ردا منضبطا. من الجميل ان اسرائيل تكشف وتصادر السلاح الايراني، يقول قادة الدول الغربية لانفسهم بالتأكيد، ولكن هل يوجد هنا شيء لم نعرف به من قبل؟
التنفيذ الاستخباري والعسكري البحري كان نموذجيا. الجيش الاسرائيلي تابع على ما يبدو ارساليات السلاح لفترة طويلة وشخص السفينة الصحيحة وخطط للسيطرة التي نجحت من دون اية اخلالات. الان يأتي الجزء السياسي والاعلامي. رجال استخبارات اسرائليين سيرافقون نتنياهو ووزير الدفاع في زيارتهم القريبة لواشنطن حيث سيوضحون لنظرائهم الامريكيين كل الادلة المطلوبة من اجل الاثبات بان ايران تواصل مساعدة الارهاب بصورة مكثفة رغم نفيها وبصورة مناقضة تماما لقرارات مجلس الامن التابع للامم المتحدة.
على المستوى الاعلامي سجلت اسرائيل لنفسها نقطة انتصار، ايضا لان الحدثين – ضبط السفينة وكشف صاروخ حماس – قد حدثتا قريبا من موعد النقاش في الجمعية العمومة للامم المتحدة بصدد تقرير غولدستون. في الوقت الذي خرج فيه الجيش الاسرائيلي متهما بارتكاب جرائم حرب مزعومة في قطاع غزة وقال غولدستون ان العملية قد رمت الى معاقبة المدنيين الفلسطينيين، ليس من الضار اظهار الخلفية الشاملة للامور مرة اخرى والمساعي الايراني المتواصلة لتسليح التنظيمات الارهابية في المنطقة بالصواريخ التي تهدف الى ضرب المدنيين في العمق الاسرائيلي.
ولكن هذا كل شيء تقريبا. بامكان اسرائيل ان تضايق حزب الله وحماس من خلال تحركات استخبارية وشن عمليات لامعة للقتال الاصغر وتشويش جزء من امدادات السلاح المرسلة اليهم وكشف الايرانيين واعوانهم. ولكن سنورد اليكم ما لا يمكن لها ان تفعله في الوقت الحاضر: من المحظور عليها التهديد بمهاجمة المواقع النووية الايرانية (قادتنا انتقلوا بصورة استثنائية للصمت المطبق في هذه القضية. وفي الاونة الاخيرة اختفت مقابلات مع قادة قوات الجو الواثقين والحازمين). كما ان الخطوات الرادعة في مواجهة حماس وحزب الله يجب ان لا تخرج الان عن حدود المعقول. لدى البيت الابيض ما يكفيه من المصائب فوق رأسه، من دون ان يقوم الخبراء هناك بالمطالبة باخراج صور الاقمار الصناعية لمخيمات اللاجئين في قطاع غزة من الجوارير.
المفتاح للاحرف الصغيرة
سلم اوليات ادارة اوباما مغاير تماما. باستثناء الحسم الذي يراوح في المكان، المصيرية بالنسبة له بصدد مستقبل الحرب في افغانستان، الرئيس مشغول بالمشاكل الداخلية وبتراجع مكانته بنظر الجمهور الامريكي. بعد ذلك وفي مكان مرتفع ولكن غير متميز في سلم الاولويات الدولي تأتي قضية ايران. مهمة اسرائيل الان هي عدم احداث تشويش مفرط. امامنا على ما يبدو عدة اسابيع اخرى من الحوار وبعدها ان فشلت المفاوضات ستأتي التحركات الامريكية نحو فرض العقوبات على ايران. فقط في اذار 2010 تقريبا سيكون من الممكن تقدير تأثير مثل هذه العقوبات وان كانت هناك احتمالية لايقاف تقدم ايران نحو الذرة من دون استخدام الطرق العسكرية.
شخص كان حتى الاونة الاخيرة في مركز اتخاذ القرارات في اسرائيل وما زال يسدي النصائح للكثيرين من القادة، قال في هذا الاسبوع انه يعتقد بأنه على المستوى السياسي ان يحظر قدر الامكان اتخاذ موقف حاسم بصدد الحوار. على حد قوله فكرة نقل اليورانيوم المخصب من ايران الى روسيا ليست سيئة بالضرورة وفكرة مشابهة ايضا طرحت في اسرائيل قبل خمس سنوات حيث طرحها حينئذ رئيس لجنة الطاقة النووية جدعون فرانك الذي كان قد طرحها على رئيس الوزراء السابق اريئيل شارون. هذا الشخص قال ان المفتاح يكمن في بنود الرقابة والتفتيش في الاتفاق. ان فاجأت ايران اخيرا وقبلت اتفاقا مشابها للمسودة المطروحة التي تهربت منها في الاسبوع الماضي هناك ما يمكن الحديث عنه.
على الجيش الاسرائيلي ان يستعد لامكانية تكليفه بمهاجمة المواقع النووية الايرانية في المستقبل لان هذا من واجبه. ولكن عندما ينتهي نقاش الخبراء والمحللين لهذا السيناريو عند اسئلة تنفيذية عملياتية (هل سيسمح الامريكيين لاسرائيل باستخدام ممر جوي فوق ايران؟ وكم هو عدد طائرات الامداد بالوقود التي ستكون هناك حاجة اليها؟) هو مخطىء بالاساس. السؤال الجوهري هو درجة استعداد الولايات المتحدة للدفاع عن اسرائيل في وجه الضربة المضادة الايرانية. الرسالة التي تطلقها ادارة اوباما لاسرائيل الان هي ان هذا ليس واردا في الحسبان. وبهذه الطريقة تقل على ما يبدو احتمالية شن هجوم اسرائيلي.
ثمن لا يمكن تخيله
ولكن كيف ستبدو الحرب الاسرائيلية – الايرانية ان اندلعت في اخر المطاف؟ دراسة جديدة أعدها مسؤول في جهاز الامن تحاول الاجابة على هذا السؤال. الباحث الدكتور موشيه فيرد يكتب بأن مثل هذه الحرب قد تتواصل لفترة طويلة. على حد رأيه الاستعداد الايراني للتضحية بالكثيرين لفترة زمنية خلال معركة محتملة مع اسرائيل سيملي سيناريو الحرب الطويلة التي سيكون من الصعب جدا انهاؤها.
الدكتور موشيه فيرد الفيزيائي وباحث العمليات الذي ادوارا مختلفة في المجال التكنولوجي في جهاز الامن، يقوم بنشر البحث المذكور في هذا الاسبوع في اطار الاجازة التعليمية التي يقضيها في مركز بيغن – السادات للابحاث الاستراتيجية في جامعة بار ايلان. على حد قوله طول مثل هذه الحرب المستقبلية "سيقاس في السنوات وليس بالاسابيع او الاشهر". هذا الامر ينبع بالاساس من الفلسفة الشيعية الخمينية التي تنادي بوجوب التضحية من اجل العدالة وازالة الظلم اللاحق بالاسلام والمسلمين. "هذه الفلسفة تعتبر وجود دولة اسرائيل ظلما يتوجب ازالته من اجل خلاص العالم. تحقيق هذا الهدف ممكن فقط من خلال القضاء على اسرائيل. الايرانيون سيواصلون هذه الحرب طالما اعتمد الامر عليهم رغم الثمن الفادح الذي سيضطرون لدفعه خلال ذلك". كتب الباحث.
فيرد يدعي ان خشية قادة النظام الاسلامي من سقوط هذا النظام هي وحدها التي قد تدفعهم لايقاف اطلاق النار. ولكن يبدو ان اسرائيل ستجد صعوبة في تهديد بقاء النظام في طهران و " في ظل غياب مخرج مقبول على الجانبين قد تتواصل الحرب لفترة طويلة جدا". فيرد يذكر بان حرب ايران – العراق في الثمانينيات من القرن الماضي تواصلت ثماني سنوات. ايران خاضت الصراع لسنوات لتحقيق الشرط الاساسي الذي طالبت به – ازالة الظلم الاساسي النابع من غزو العراق لاراضيها والاعتراف العراقي بتحمل ا لمسؤولية وازالة نظام صدام حسين.
ايران دفعت ثمنا لا يمكن تصوره: نصف مليون قتيل واضرار اقتصادية تفوق اثمان انتاج النفط الايراني خلال القرن العشرين كله، قبل الموافقة الايرانية على وقف اطلاق النار. هذا جاء متأخرا فقط عندما احدقت خطورة حقيقية بالنظام الايراني. فيرد يكتب بانه لا يمكن استبعاد امكانية اندلاع الحرب بينن اسرائيل وايران ولذلك يتوجب حسب رأيه التحقق الحذر من خصائص الحرب المستقبلية والاستعداد لها. دراسته لا تشخص العناصر التي يمكنها ان تبلور آلية ناجعة لاختصار الحرب وتقصيره. على حد قوله الخوف من حرب كهذه يلزم بتحضيرات ملائمة فكريا وسياسيا وعسكريا من خلال محاولة بلورة شروط وانهائها بسرعة. الافتراض بأن الحرب ستطول يجب ان يؤثر على الاستعداد لهذه الحرب – وعلى قرار مهاجمة او عدم مهاجمة المنشآت النووية الايرانية في المستقبل.
فيرد ينفي الافتراض انه في غياب حدود مشتركة ستنحصر الحرب بين ايران واسرائيل باطلاق صواريخ ارض ارض. مثل هذا الاطلاق لا يمكن ان يكون طويلا بصورة استثنائية لان ترسانة الصواريخ بعيدة المدى الايرانية ليست كبيرة. ولكنه يكتب ان من الاكثر احتمالا الافتراض بان ايران ستسعى لمواصلة القتال ضد اسرائيل بمواصلة امتداداتها: سوريا وحزب الله وحماس، وربما حتى ستحاول دفع قواتها للامام نحو الاراضي السورية في اطار اتفاق دفاع مشترك بين طهران ودمشق. هو لا يملي احتمالية كبيرة لسيناريو الحرب القصيرة نسبيا (هجوم اسرائيلي على مواقع الذرة الايرانية وضرب عقابية شديدة من ايران لاسرائيل وايقاف النار حينئذ بضغط دولي حيث يدرك الجانبان ان الخطوة قد استنفدت). على حد قوله ايديولوجيا النظام الايراني ستفرض حربا طويلة. حقا ليست هذه مادة قراءة تضفي الشعور بالامن والثقة في اخر هذا الاسبوع.