بقلم: ميخائيل سفراد
المستشار القانوني لمنظمة حقوق الانسان "يوجد قانون"
عندما سيعتقل الجندي، الضابط او الزعيم الاسرائيلي الاول في خارج البلاد على دوره في الهجوم على غزة، لن يعود بوسع القاضي ريتشارد غولدستون ان يعزو الاعتقال له فقط. هناك اثنان ساهما قانونيا اكثر منه في احتمالية الاجراءات القانونية ضد الاسرائيليين في خارج البلاد: النائب العسكري الرئيس، افيحاي مندلبليت، والمستشار القانوني للحكومة ميني مزوز.
تقرير غولدستون ليس الوثيقة الدولية الاولى التي تقضي بان اسرائيل خرقت القانون الدولي. سبقها في السنوات الاخيرة عشرات التقارير، القرارات، التصريحات والفتاوى في الامم المتحدة، لجان الفحص ولجان الخبراء الدوليين، بل والمحكمة الدولية في لاهاي. اسرائيل تجاهلتها جميعها وقول "سيكون على ما يرام" أثبت نفسه. حاليا.
إذن لماذا الاحساس بان تقرير غولدستون، خلافا لسابقيه، من شأنه حقا أن يؤدي الى اعتقال اسرائيليين؟ ماذا يوجد فيه لم يكن في سابقيه ويؤدي الى الهستيريا في اروقة الحكم الاسرائيلي؟ الجواب على هذه الاسئلة تختبىء في الفصل 26 من التقرير – الفصل المسؤول عن ان الواقع القانوني للنزاع يقاس وسيقاس في السنوات القريبة القادمة بتعابير حتى تقرير غولدستون وما يتلوه.
الفصل 26 يعنى باجراءات فرض القانون، وبالاساس في نوعية التحقيقات الاسرائيلية، في الحالات التي يثور فيها اشتباه بان الجنود خرقوا القانون تجاه الفلسطينيين. منظمات حقوق الانسان الاسرائيلية نشرت في السنوات الاخيرة تقارير قاسية للغاية في هذا الشأن ولكن انتقادا ذا مغزى من هيئة قضائية – مهنية دولية لاجراءات التحقيق في اسرائيل لم يحصل ابدا. حتى اليوم.
من المهم أن نستوعب بان فرضا محليا جديا ومهنيا للقانون، فضلا عن كونه أمرا اخلاقيا وقيميا، يشكل سترة واقية من اجراءات فرض القانون الدولية. القانون الدولي يعترف بسمو الاجهزة القضائية المحلية ويمنحها الاولوية على التحقيق والمحاكمة الاجنبية أو الدولية. أجهزة فرض القانون الاسرائيلية حظيت على مدى السنين بتقدير عال وبصورة مهنية ومستقلة، وفي احيان كثيرة اكثر مما تستحق. وكنتيجة لذلك تمتع الاسرائيليون بحصانة من تقديمهم الى المحاكمة في الخارج. احداث تأسيسية، مثل لجنة التحقيق الرسمية للتحقيق في مذبحة صبرا وشاتيلا والتي أدت الى انهاء ولاية وزير الدفاع، محاكمات الجنود المغطاة اعلاميا في اثناء الانتفاضة الاولى وحقيقة أن الشرطة العسكرية فتحت تحقيقا في كل حالة في اثنائها قتل فلسطيني، عززت هذه الصورة.
مع اندلاع الانتفاضة الثانية تغير كل شيء. النائب العسكري الرئيس في حينه، مناحيم فنكلشتاين، قرر سياسة جديدة بموجبها لا تفتح تحقيقات من الشرطة العسكرية على مس بفلسطينيين في المناطق، الا اذا اظهر تحقيق عملياتي (يجريه في الغالب ضباط في المراتبية القيادية للوحدات الضالعة في الامر) شبهة بعمل جنائي، والنائب العسكري الرئيس، بعد التشاور مع اللواء، يتوصل الى الاستنتاج بان هناك مجالا للشروع في تحقيق.
وهكذا استبدل التحقيق المهني بتحقيقات لهواة وعديمي المصداقية وجودها يمنع الاستيضاح الحقيقي ويفشل القليل من الاجراءات القضائية التي تفتح. النائب العسكري العام الحالي واصل هذه السياسة، والمستشار القانوني دافع عنها في محكمة العدل العليا. النتيجة قاسية للغاية: حسب معطيات "يوجد قانون"، 2 في المائة فقط من شكاوى الفلسطينيين ضد الجنود تؤدي الى اتهام جنائي، معظم التحقيقات لا تكشف ما حصل في الحدث وفي قليل من الحالات التي تقرر فيها اجراء تحقيق من الشرطة العسكرية فتح بتأخر لاشهر بل ولسنين الامر الذي لا يسمح بتحقيق ناجع. هذه الحقيقة البشعة كشف عنها الفصل 26 من تقرير غولدستون والذي بموجبه التحقيقات الاسرائيلية لا تفي باي من المعايير التي يضعها القانون الدولي لتحقيق جدير: الاستقلالية، الخارجية، الفورية والنجاعة. غولدستون نزع عنا السترة الواقية.
مزوز، الذي رفض في الماضي مطلب منظمات حقوق الانسان الاسرائيلية لاجراء تحقيق خارجي لاحداث غزة، يؤيد ذلك اليوم. ويبدو أنه فهم الخطأ الذي ارتكبه. النائب العسكري العام، رئيس الاركان ووزير الدفاع الذين يعارضون، يدفعون جنود الجيش الاسرائيلي ويدفعون أنفسهم الى اذرع اجهزة القضاء الاجنبية.