بقلم: عاموس هرئيل وآفي يسسخروف
اوقفت اسرائيل امس في قلب البحر المتوسط، سفينة سلاح كانت تقل كمية كبيرة من الوسائل القتالية من ايران الى حزب الله. مقاتلو الكوماندو البحرية اجتاحوا السفينة التجارية على مسافة نحو 180 كيلومتر من شواطىء اسرائيل. وفي التفتيشات التي لم تلق مقاومة من رجال الفريق على السفينة، اكتشفت عشرات الحاويات وفيها اكثر من 3000 صاروخ بقطر 122 و 107 مليمتر، قذائف وذخيرة خفيفة. وبتقدير مسؤولين كبار في سلاح البحرية فان عموم الارسالية – التي كانت وجهتها ميناء اللاذقية السوري – سلاح بكميات تكفي حزب الله لنحو شهر من القتال المستقبلي حيال اسرائيل. رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، نشر امس بيانا اتهم فيه ايران بالمساعدة الاجرامية للارهاب ودعا الاسرة الدولية الى الاتحاد ضدها.
اذا بدت القضية الجديدة بعض الشيء كالبث المعاد، فهذا ليس صدفة على الاطلاق. كشف سفينة السلاح الايرانية "كارين ايه" في كانون الثاني 2002 كانت القشة التي قسمت ظهر البعير في الصدام بين اسرائيل والفلسطينيين في الانتفاضة الثانية. امساك مخزون السلاح الكبير، في طريقه الى السلطة الفلسطينية برئاسة ياسر عرفات، اقنعت نهائيا ادارة بوش بأنه لا يمكن الثقة بنوايا الرئيس الكاذب. بفضل الحملة الناجحة للوحدة البحرية في البحر الاحمر تلقى رئيس الوزراء في حينه اريئيل شارون موافقة صامتة من الولايات المتحدة على تنفيذ "السور الواقي" التي كادت تحطم حكم عرفات وادت في النهاية، في عملية تدريجية الى وقف هجوم الانتحاريين الفلسطينيين من الضفة.
في الايام القريبة القادمة، وبمعونة سفينة "فرانكوف" ستحاول اسرائيل ان تفعل لايران ما نجحت في احداثه لعرفات قبل نحو 7 سنوات. التشبيهات أمس مع "كارين ايه" ركزت على زوايا ليست تقريبا ذات صلة. ما هو مهم هو الرافعة السياسية: في ذروة الحوار الحساس بشأن وقف البرنامج النووي، بين طهران والاسرة الدولية، تنكشف خدعة ايرانية ذات اهمية.
سلسلة قرارات من مجلس الامن في العام 2006 فصاعدا فرضت قيودا على التجارة مع ايران ولا سيما على تصدير السلاح منها. أما الان فقد امسك بالايرانيين متلبسين فيما أن شركتهم الوطنية تنقل السلاح الى حزب الله – بل وفي فترة اشتباه متعاظمة في الغرب على خلفية ردهم الغامض على مسودة الحل الوسط في الموضوع النووي. الـ "نعم، لكن" من طهران ردا على الاقتراح بنقل اليورانيوم المخصب الى روسيا، فسر في الغرب بانه "مثابة لا".
حين تدعي اسرائيل بان الرقابة على النووي يجب أن تتعزز وان تدار انطلاقا من نهج شكاك على نحو خاص فان الامساك بسفينة السلاح يوفر تعزيزا لموقفها. كل هذا يحصل على خلفية استئناف الاضطرابات الداخلية في ايران، أمس، حيث تعود قوات الحرس الثوري الى القمع بيد من حديد لمظاهرات الاصلاحيين. نظام آيات الله، بالتالي، يخضع لمشاكل من الداخل ومن الخارج.
ومع ذلك، مشكوك فيه أن يضمن الامر أن تتمكن اسرائيل بان تعيد كامل النجاح السياسي الذي حققته من "كارين إي". الوضع السياسي مركب اليوم بما لا يقاس، وليس فقط بسبب أنه يجلس في البيت الابيض براك اوباما وليس جورج بوش. عملية الشرح الاسرائيلية يتعين عليها ان تكون مفعمة بالادلة الاستخبارية. في الجولة السابقة، نسي الايرانيون ان يشطبوا جزءا من الكتابات بالفارسية على السلاح. هذه المرة، اجتهدوا أكثر، وان كانت الكتابة بالانجليزية تبدو مفتعلة بعض الشيء.
سلاح البحرية حاول أمس خلق الانطباع وكأن الحديث يدور عن عمل اعتيادي ونجاح يكاد يكون بالصدفة. هذه ليست الصورة الحقيقية: مقاتلو الوحدة البحرية الذين صعدوا الى متن السفينة في بحر عاصف وفي ظل رياح شديدة على نحو خاص، عرفوا عما يفتشون. وخلف اكياس البضائع عثروا، مخفية، على صناديق السلاح. هذا التواجد في قلب البحر يحتاج الى جمع معلومات استخبارية لزمن طويل. الاسم الذي اختير للحملة "الانواع الاربعة" كفيل بان يشير الى أنها اعدت منذ زمن بعيد. ولاسماء الحملات في الجيش الاسرائيلي، خلافا للتقدير السائد، ليس مسؤولا الحاسوب وحده.
سيطرة الوحدة البحرية أمس هي طرف الجبل الجليدي لنشاط بحجم هائل. الحملة انكشفت، إذ وقعت في المنطقة التي يوجد لاسرائيل فيها شرعية كاملة للعمل. اهتمام سلاح البحرية، بمساعدة اسرة الاستخبارات باسرها، يتركز في السنتين الاخيرتين على قناة السلاح – وبقدر اكبر منذ نهاية حملة "رصاص مصبوب".
منشورات في وسائل الاعلام الاجنبية رسمت منذ الان مسار التهريب: من الميناء الايراني الجنوبي بندر عباس، عبر اليمن، السودان وبعدها محطة انتقالية في مصر لتشويش مصدر الشحنة ومحتواها. من مصر تتحرك الارساليات في واحدة من طريقين، طريق سيناء والانفاق الى قطاع غزة، او عبر البحر الى لبنان وسوريا. القليل جدا من اعمال احباط التهريب ينشر على الاطلاق. في بداية السنة علم أن سلاح الجو قصف مرتين قافلة سلاح ايرانية في السودان، وأن الوحدة البحرية هي الاخرى اغرقت سفنا في المنطقة.
بشكل شبه رمزي امسك بالسلاح الايراني بالضبط في اليوم الذي زار فيه وزير الخارجية السوري وليد المعلم طهران. وبينما كان وزير الخارجية الايراني منوشهر متقي يقف الى جانبه، شرح معلم بكل الجدية بانه يعمل في البحر قراصنة يحاولون المس بالتجارة بين ايران وسوريا. وأكد معلم بان السفينة كانت في طريقها الى سوريا، ولكنه ادعى بانه كانت فيها بضائع مدنية.
الجهود الايرانية للوصول بالمسلك الالتفافي، الجنوبي، عبر البحر كفيل بان يشهد على المصاعب في المسلك الشمالي الى سوريا. حتى حرب لبنان الثانية هبطت طائرات ايرانية اسبوعيا، دون عراقيل، في مطار دمشق وفيها سلاح لحزب الله والجيش السوري. يحتمل أن بات مؤخرا اصعب التهريب عن طريق البر الى سوريا، وذلك على خلفية رغبة دمشق في تخفيض مستوى الانكشاف كي لا تحدث لنفسها حرجا دوليا لا داعي له.
معقول أن تكون ايران اختارت المسلك الجنوبي لانعدام البديل. ومع ذلك سيتعين عليها ان تعيد النظر في جدوى هذه القناة، بعد الحدثين اللذين اوقفت فيهما الاساطيل الغربية سفن سلاحها هذا العام. لحزب الله، على أي حال، لا يوجد الكثير مما يقلقه. يمكن التقدير بان الايرانيين سيستكملون له الارسالية التي صودرت في اللحظة التي يجدون فيها طريقا آمنا لعمل ذلك.
الامساك بالسفينة يساعد على الفهم لطبيعة استعدادات حزب الله للجولة القادمة مع اسرائيل. في المنظمة الشيعية مقتنعون بان حربا اضافية في الشمال لا بد ستأتي مع او بدون صلة بالتطورات في ايران. الازمة السياسية المتواصلة في لبنان لا تؤثر في هذه المرحلة على تسلح المنظمة. حجم التزود الذي اكتشف يذكرنا بجيش اكثر من مجرد منظمة ارهاب وعصابات. في هذه الاثناء يعرض النشطاء الميدانيون لحزب الله دافعية استثنائية. ضيف غربي التقى القادة الميدانيين في المنظمة في الفترة الاخيرة يأخذ الانطباع بانهم متحمسون لجولة اخرى مع اسرائيل، رغم الخسائر التي تكبدوها في 2006.