بقلم: عوفر شيلح
في الجيش الاسرائيلي يقولون ان نار المقذوفات الصاروخية الثقيلة (مقذوفة صاروخية وليس صاروخا، إذ لا يدور الحديث عن وسيلة موجهة) التي نفذتها حماس نحو بحر غزة تقرر موعدها مع بداية العاصفة التي انتهت امس على أمل ان تمنع الغيوم عن الاستخبارات الاسرائيلية تشخيص وتأكيد الاطلاق. يحتمل ايضا تفسير معاكس: حماس قد ترغب بالذات ان نعرف ما لديها. في اطار الردع المتبادل وبلورة قواعد سلوك ما بعد "رصاص مصبوب"، ولعله بالذات ملح للحكم الاسلامي في غزة ان يروي لنا بانه قادر على ان يصل حتى أطراف تل أبيب.
مقذوفة صاروخية كهذه ليست موضوع مدى فقط. فهي قادرة على ان تحمل رأسا متفجرا من عشرات الكيوغرامات (المقذوفات الصاروخية من طراز فجر 5 التي بحوزة حزب الله تحمل نحو 90 كغم من المواد المتفجرة). ضررها المحتمل أكثر جسامة من ضرر القسام. وفوق كل شيء، فانها تدل على قدرة على التسليح والتهريب، والتي تعززت فقط في السنة التي انقضت منذ الحملة في غزة. مع أن مسارات التهريب من ايران معروفة – اليمن، السودان ودول اخرى تستخدم لعبور الوسائل القتالية – وعلى الرغم من أن الجيش الاسرائيلي يعمل في البحر، في الجو وفي البر لاحباط التهريب وحتى مصر تجتهد اكثر مما في الماضي، رغم كل هذا نجحت حماس في ان تنقل بالانفاق وسائل قتالية بوزن نحو طن. الافتراض هو أن المقذوفة الصاروخية فككت ونقلت في عدة ارساليات. الواضح والمهم هو أن المقذوفة وصلت، ركبت واطلقت. لهذه النار يوجد معنى آخر: فهي تشكل تحديا للاعتقاد الاسرائيلي بانه يمكن اغلاق غزة بالقفل والحديد. اذا كانت اسرائيل لا تنجح في اغلاق القطاع امام وسائل قتالية كبيرة ومتطورة، فمشكوك جدا ما هي نجاعة الحصار الاقتصادي المفروض عليها. صحيح، ليس للاسمنت او الباستا راعٍ عديم الحدود مثل الايرانيين، ولكن حيثما توجد حاجة ويوجد ربح، سيوجد اغلب الظن من سينقل الى شيء. وهذا ايضا لعناية من يعتقدون، منذ اكثر من ثلاث سنوات بان اغلاق المعابر ومنع الغذاء هما السبيل لانزال حماس على ركبتيها لعقد صفقة لتحرير جلعاد شليت مثلا. في الجيش الاسرائيلي رفضوا أمس تقديم تقديرات عن عدد المقذوفات الصارخية من هذا النوع لدى حماس. ولكن واضح ان تلك التي اطلقت نحو البحر لم تكن المقذوفة الصاروخية الوحيدة. الى جانب الصواريخ المضادة للدبابات المتطورة والوسائل المضادة للطائرات التي ادخلت الى القطاع، تتراكم لدى حماس قدرات لم تكن لديها في كانون الاول 2008.
صحيح أن القدرات ليست كل شيء: "رصاص مصبوب" حققت كبحا لجماح الحكم في غزة، الذي بات ثمن الخطأ واضح له اليوم اكثر مما في الماضي. ولكن عندنا وعندهم على حد سواء تعزز الايمان بان المسدس (او المقذوفة الصاروخية) المعلق على الحائط في المعركة الاولى سيستخدم في الثالثة وفي احيان قريبة قدرة الطرف الاخر تؤدي الى العمل دون صلة بمنطقها او نجاعتها. اسرائيل ستواصل متابعة القدرات بكل الوسائل التي تحت تصرفها. ولكن تماما مثل لبنان، يتبين مرة اخرى بانه لا يوجد سبيل لوقف تدفق الوسائل القتالية، بكميات ونوعيات أكبر من الماضي (ولمن نسي، الوسائل القتالية دخلت القطاع ايضا حتى من تحت ارجلنا تماما، عندما كانت اسرائيل لا تزال تسيطر على محور "فيلادلفيا").
ما يقرر حقا هي النوايا، المنفعة التي في التهدئة والضرر الذي في خرقها المحتمل. أبدا لن ينشا وضع يكون فيه العدو عديم الوسيلة بل وليس مقيدا بكميتها أو نوعيتها. اهم من ذلك بكثير الا يكون له مجديا استخدامها.