خبر نهاية مشروع أوباما للسلام ..خليل العناني

الساعة 09:13 ص|04 نوفمبر 2009

نهاية مشروع أوباما للسلام ..خليل العناني

 

ـ الوطن العمانية 4/10/2009

جاءت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون للمنطقة كي تدشن نهاية المشروع الأميركي الجديد للسلام قبل أن يبدأ. فقد تبنى الرئيس الأميركي باراك أوباما منذ مجيئه للسلطة مشروعاً استراتيجياً يستهدف تحريك عملية السلام ودفع الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي قدماً لاستئناف التفاوض. وهو قد استخدم كافة الأدوات من أجل حثّ الطرفين على ذلك، فكان أن اتخذ موقفاً صارماً من مسألة بناء المستوطنات، في حين ضغط على الرئيس الفلسطيني محمود عباس من أجل قبول الجلوس مع الإسرائيليين.

الآن انتهت الأحلام الوردية وبدأت الكوابيس الفعلية التي تحاصر عملية السلام والتي حاول أوباما نسيانها. قالتها كلينتون صراحة "إن المستوطنات أمر ضروري للحفاظ على أمن إسرائيل، وتجميدها ليس شرطاً لاستئناف التفاوض". ولا أدري على أي شيء سوف يتفاوض الفلسطينيون بعد أن أسقطت واشنطن وتل أبيب كل مقررات السلام قبل أن تبدأ المفاوضات أصلاً.

الغريب في الأمر أن كلينتون بدت طيلة الشهور التسعة الماضية كما لو كانت مدافعة حقيقية عن وقف بناء المستوطنات، وكررت في أكثر من تصريح رفضها للموقف الإسرائيلي من توسيعها، حتى بدا للبعض أنها تغامر بمستقبلها السياسي بسبب موقفها المتشدد من "إسرائيل".

ولكن فجأة وبدون مقدمات تحولت كلينتون 180 درجة وانقلبت على موقفها السابق، ويبدو أن ثمة أموراً لا نعلمها دفعتها لذلك. خاصة وأن ثمة أحاديث حول ضغوط مارسها اللوبي اليهودي الأميركي على إدارة أوباما وعلى كلينتون شخصياً كي تغير موقفها من الاستيطان، وهو أمر وارد بقوة خاصة في ظل قائمة المشاكل التي يعانيها أوباما داخلياً وخارجياً وتحد من قدرته على اتخاذ مواقف مناوئة لليهود والإسرائيليين من جهة، ورغبة كلينتون في البقاء داخل مربع النفوذ والقوة الأميركي أكبر مدة ممكنة.

وربما شعر أوباما بالخجل من إعلان فشل مشروعه للسلام فكان أن أرسل كلينتون كي تقول ما لم يقو هو على قوله علانية. ويبدو ضمنياً أن أوباما أسقط شرط وقف الاستيطان كخطوة لبدء التفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وهو قد لمّح لذلك بشكل غير مباشر إبان القمة الثلاثية التي عقدها مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عشية الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة أوائل سبتمبر الماضي حين قال "إن على إسرائيل ضبط بناء المستوطنات" بدلاً من تجميدها كلياً.

الآن بات جديراً بالرئيس عباس أن يعلن رسمياً وفاة عملية السلام ويجب أن يتحلى بالشجاعة كي يترك منصبه طواعية معلناً فشل مشروع مدريد وأوسلو اللذين خلقاً السلطة الفلسطينية. لم يعد هناك ورقة توت واحدة يمكنها أن تغطي السلطة الفلسطينية أو عملية السلام في المنطقة بعد أن كشفت كلينتون عوراتها ولم تلق بالاً بالمواقف العربية أو القرارات الدولية.

لم يعد فعلياً إقناع العرب والفلسطينيين بأن ثمة جديداً ينتظرهم وأن هناك أملاً في ممارسة واشنطن ضغوطاً على الإسرائيليين. فقد جاء المبعوث الأميركي للمنطقة جورج ميتشل ست مرات وعاد بخُفيّ حُنين دون أن ينجز شيئاً. وما أعلنته كلينتون هو حصاد جولاته المكوكية التي أكدت حقيقة واحدة هي تصلب الموقف الإسرائيلي وعلى الآخرين أن يغيّروا مواقفهم.

انقلاب الموقف الأميركي بات واضحاً وليس في حاجة لعبارات تجميلية، ويبدو أن نتنياهو قد فاز في مصارعته مع أوباما وطرحه أرضاً بفضل ثباته على موقفه وحشده للداخل والخارج اليهودي من خلفه.

لن يكون بوسع أوباما بعد اليوم أن يطالب الإسرائيليين بأي وقف للاستيطان أو اتخاذ خطوات جدية بشأن استئناف التفاوض. وستكون الكارثة إذا ما استمر أوباما في مطالبة العرب بالتطبيع مع "إسرائيل" واتخاذ خطوات إيجابية كعلامة على حسن النوايا كما كان يردد في السابق. وحسناً فعلت السعودية ومصر حين رفضتا تقديم أية تنازلات ل"إسرائيل" فيما يخص مسألة التطبيع، فقد كان مشروع أوباما للسلام يقوم على الضغط على القاهرة والرياض من أجل دفع العرب للقيام بخطوات تطبيعية مع الكيان الصهيوني كبادرة حسن نية قد تساعده في الضغط على الإسرائيليين كي يعطوا الفلسطينيين حقوقهم.

كلينتون تغازل نتنياهو والفلسطينيون يدفعون الثمن بسبب استمرار الانقسام الداخلي وانتفاء قدرة الردع التي قد تلجم "إسرائيل" وتدفع واشنطن إلى إعادة التفكير في خياراتها. الآن ضاعت كل الآمال التي بناها الفلسطينيون والعرب بعد مجيء أوباما للسلطة، والتي تبدو الآن كما لو كانت سراباً.