فلسطين اليوم-وكالات
منذ بدء انهيار شبكات التجسس الاسرائيلية في لبنان، وقبض الاجهزة الامنية على العديد من العملاء الذين جندتهم إسرائيل لمصلحتها منذ سنوات، ووصلت ذروة استخدامها لهم إبان حرب تموز 2006، بدأ الظهور الى العلن ما يحكى عن حرب أمنية بين حزب الله وإسرائيل. وسجلت هذه الحرب التي أطلق عليها البعض اسم "الحرب الباردة"، تطوراً نوعياً في الآونة الاخيرة، بعد كشف حزب الله لجهازين متطورين زرعتهما إسرائيل في الجنوب اللبناني للتجسس والتنصت على الاتصالات التابعة للمقاومة وفجرتهما بعد أن إكتشفت أن حزب الله علم بأمرهما. ووصف الحزب في بيان له أصدره في "ساعات الفجر"، هذه العملية بـ "النوعية"، خصوصاً أن الجهازين كانا مدفونين تحت الارض.
ولا شك أن هذه الحرب الباردة، جندت لها إسرائيل كل ما تملك من شبكات، وأجهزة تنصت ومعدات إلكترونية متطورة في سبيل العثور على معلومة ما، حول تحركات المقاومة ومراكزها ومخازن أسلحتها ومنصات صواريخها، بالاضافة طبعاً الى عزمها المتواصل على معرفة أماكن تواجد قادتها وخصوصاً أمينها العام السيد حسن نصر الله.
واللافت ان هدا الاستنفار الاسرائيلي الاستخباراتي تواكب مع استنفار إعلامي، يروج لنجاحات حققتها إسرائيل، ليس فقط في ما يتعلق بوصولها الى تحديد "بنك أهداف" لضربه في حال شنت عدواناً على لبنان، بل في إعلانها، من حين لآخر، عن نجاحها في إحباط العديد من مخططات لحزب الله لتنفيذ عمليات يستهدف فيها اسرائيل في مختلف انحاء العالم، كإفريقيا وتركيا، (في عمليات مفترضة لضرب سفارات إسرائيلية، خطف سياح، استهداف ضباط ودبلوماسيين إسرائيليين في الخارج) وصولاً الى إعلانها عن إلقاء القبض على طالب إسرائيلي من أصل عربي جنده حزب الله، بحسب ادعائها، لمراقبة غابي اشكينازي، قائد الجيش الاسرائيلي، بهدف اغتياله مقابل عماد مغنية الذي استطاع الموساد الاسرائيلي اغتياله في دمشق.
علما ان اسرائيل، أبلغت الامم المتحدة، أنها لا تنوي إيقاف نشاطها التجسسي في لبنان، ما يشير الى أنها بحاجة أكثر من أي وقت، الى جمع اكبر كمية من المعلومات.
وفي ظل هذه المعطيات، برزت عدة تساؤلات خصوصاً في ما يتعلق بكيفية كشف حزب الله عن جهازي التجسس الإسرائيليين، اللذين وضعهما الاسرائيليون على خط لاسلكي بين بلدتي حولا وميس الجبل. فهل تم اكتشافهما بواسطة معدات تكنولوجية متطورة ام بوسائل بدائية؟ فرغم أن الحزب أبلغ الجيش اللبناني بأمرهما لتفكيكهما، إلا أنه يملك من التقنيات ما يساعده على ذلك.
كما تساءل آخرون عن سبب تعمد حزب الله الى الكشف في بيانه عن طبيعة الخرق الاسرائيلي، مما يشير بشكل أو بآخر الى تعمد المقاومة عن الاعلان أن إلاسرائيليين تمكنوا من الوصول الى الشبكة السلكية الخاصة بها بعيد حرب تموز 2006. وهذا يعتبر خرقاً فاضحاً للقرار 1701 الذي يحدد قواعد الاشتباك على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة.
الاستعلام المضاد
للإجابة عن هذه الاسئلة، تحدث العميد المتقاعد في الجيش اللبناني الياس حنا، ، معتبراً أن "هذا النشاط الاستخباراتي الاسرائيلي يجب ان يوضع في اطار الفشل الذي وقعت فيه اسرائيل في حرب 2006. فهي إكتشفت وبنتيجة هذه الحرب أنها لم تكن تعلم شيئاً عن الساحة الجنوبية وبناء عليه فهي تعمل على تحصين وضعها عبر التجسس والتنصت والتسجيل وإعادة بناء شبكات العملاء وما شابه".
ويشير إلى "أن هذه الحرب الامنية بين إسرائيل وحزب الله كانت موجودة ولكنها تتميز اليوم بما يسمى "بالحركية" أكثر، إذ "عندما تتحرك اكثر تظهر اكثر. فإسرائيل عبر مناوراتها في الجولان وعلى الحدود الجنوبية، والمناورات التي قامت بها في الآونة الاخيرة بالاشتراك مع الولايات المتحدة الامريكية ومحاولات اخذ الدروس والعبر من حرب 2006، ضمن استعداداتها لحرب جديدة، في هذا كله تحتاج لمعرفة ساحة هذه الحرب التي من الممكن ان تندلع في اي وقت في المستقبل. إذ لا يستطيع الطرفان إلا أن يستعدا لإمكانية إندلاعها مما يتطلب استعمال وسائل جمع المعلومات اللازمة وهنا يأتي الحديث عن ما يسمى بالحرب الباردة بين إسرائيل والمقاومة".
وعن مدى مضاهاة المقاومة لإمكانات إسرائيل التجسسية، أكد العميد حنا للموقع أنه من الصعب أن نقول ان هناك جهوزية او نوعية لدى المقاومة في هذا المجال، ولكن من المؤكد أن حزب الله يحضر لأي حرب مستقبلية ولكن في الوقت ذاته يتجهز عبر ما يسمى بالاستعلام المضاد. "ولا شك ان حركته تتميز بالسرية التامة. وهذا ما يفرض على اسرائيل ان تضع كل إمكاناتها في سبيل التنصت على شبكة اتصالاته. ومحاولة تصوير وضبط اماكن تواجد السلاح".
ويقول حنا انه من خلال هذه السرية في العمل، استطاع حزب الله ان يحقق عنصر المفاجأة في حربة مع اسرائيل في 2006.
وعن مدى الخرق الذي استطاعت اسرائيل تحقيقه في شبكة اتصالات المقاومة، أشار حنا الى أن "أحداً لا يمكنه أن يعلم منذ متى بدأت اسرائيل التنصت على شبكة الاتصالات في بلدة حولا وما هي المعلومات التي استطاع الاسرائيليون الحصول عليها. وهل فقط يوجد خرق في هذه المنطقة؟. وهنا يكمن التساؤل: هل ان موضوع السرية المتبع لدى حزب الله قد كشف؟ وهل حزب الله سيغير من استراتيجيته وخططه وتحركه؟".
أما عن الطرف الذي استطاع أن يحقق انجازات في هذه الحرب الباردة، أكد العميد حنا "ان الاختبار الاساسي هو عند اندلاع الحرب، اي عند المواجهة في الميدان. فالنجاح والفشل يتحددان في ساحة المعركة". "فحزب الله يعتمد وسائل الاتصال البدائية لكي يضرب الاجهزة النوعية لدى إسرائيل ولذلك ان المقاومة لا تستعمل الاجهزة اللاسلكية والخليوية والرسائل الالكترونية. وهنا تكمن أهمية شبكة الاتصالات التابعة لحزب الله والتي دافع عنها في 7 ايار .
فإذا استطاعت إسرائيل أن تضرب شبكة اتصالاته فهي بذلك تكون قد حققت نصراً كبيراً وإذا استطاعت ان تصل الى عمق معين من هذه الشبكة، تكون ضربت عبر ذلك العمود الفقري لدى المقاومة، اي القيادة والسيطرة".
واكد العميد حنا ان "حزب الله هو المسيطر على الساحة الجنوبية ومن المؤكد انه عندما اكتشف جهازي التنصت قام حتماً بدرس نوعهما وطريقة عملهما وما مستوى قدرتهما على خرق شبكته وما الى ذلك من تفاصيل، ومن ثم سلمهما الى الجيش اللبناني الذي يمثل الشرعية اللبنانية، ليقوم بمهامه لاحقاً ويقدم المعلومات الى القيادة السياسية في لبنان التي بدورها تقدم شكوى الى الامم المتحدة ضد إسرائيل لإنتهاكها القرار 1701".
وعن امكانية ان يكون حزب الله قد استطاع ان يستعلم وان يدقق بنوعية الجهازين قال حنا: لا أحد يستطيع أن يعلم منذ متى حزب الله كشف هذين الجهازين .متسائلا: "هل اسرائيل فجرت الجهازين عبر ما يسمى (بالتفجير الذاتي) قبل ان يضع حزب الله يده عليهما؟." لا أحد يعلم.
بدوه، رأى الدكتور حبيب فياض، وهو اكاديمي متابع لشؤون حزب الله،"أن حرب تموز انتهت دون ان يستطيع اي من الطرفين القضاء على الآخر وفي الوقت نفسه انتهت دون وضع أي تفاهم محدد بين الجانبين، وهذا يعني ان المرحلة التي عاشها لبنان بعد حرب تموز انما هي هدنة طويلة مؤقتة "وعلى هذا الاساس لا احد من الجانبين لديه الرغبة، رغم احتمال وجود الظروف الملائمة، من اجل خوض حرب عسكرية، ما يعني ان تتحول المواجهة بين الاثنين الى نوع من المواجهة الامنية والاستخباراتية".
وأضاف: "هناك عامل آخر، يؤكد وجود هذه المواجهة الامنية وهو ان الاسرائيلي فقد في الآونة الاخيرة الكثير من ادواته التجسسية والاستخباراتية على الساحة اللبنانية، الامر الذي ربما دفعها الى اعتماد وسائل مختلفة، لأنه في حال حصول حرب مجدداً او اي عدوان اسرائيلي على لبنان فإن العامل الامني والجانب الاستخباراتي والتجسسي يشكل البنية التحتية لمثل هذه الحرب. وعلى هذا الاساس بادر الاسرائيليون الى اعتماد تقنيات تجسسية مختلفة، كما شاهدنا أجهزة التنصت التي زُرعت في الاراضي اللبنانية والتي اكد الخبراء انها زرعت بعد حرب تموز 2006، عدا عن تقنيات الاتصال التي تشوش على وسائل الاتصال في لبنان والاقمار الصناعية بالاضافة الى أنه كما هو معلوم أن القضاء على شبكات التجسس والعملاء في لبنان لم يكتمل بعد وان بعضها لا يزال يمارس نشاطه التجسسي".
المقاومة بدوها، بحسب فياض، تهتم كثيراً بالجانب الاستخباراتي وتعتمد على معلومات امنية في سبيل مواجهة اي عدوان من الممكن ان تشنه اسرائيل على لبنان.
لكن، هل يملك حزب الله أجهزة نوعية كالتي تمتلكها اسرائيل؟ يجيب فياض "عادة، هذه الامور لا يكشف الحزب عنها. ونحن الآن نتكلم عن العمل الاستخباراتي الاسرائيلي باعتباره كُشف عنه وخاصة بعد انهيار شبكات التجسس وكشف الجهازين في الجنوب. ولكن المقاومة لا تكشف عن وسائلها وخاصة اذا كان لها نشاط امني استخباراتي في الداخل الاسرائيلي وذلك لضرورات امنية ونظراً لطبيعة عملها الامني السري".
وعن سبب تسليم حزب الله الاجهزة للجيش اللبناني قال: "هناك تنسيق بين الجيش والمقاومة. فحصول الجيش اللبناني على هذه الاجهزة لم يمنع المقاومة من الاطلاع عليها وفهم طبيعة عملها ومدى المعلومات التي كان من الممكن ان تحصل عليها اسرائيل من خلال هذه الاجهزة".
ولفت الى "ان المنطقة التي زرعت فيها اسرائيل الجهازين هي بشكل مباشر تحت سيطرة القوات الدولية العاملة في الجنوب والجيش اللبناني، وفيما لو حزب الله بادر هو الى استلام هذه الاجهزة لكان سيقال انه يقوم بأنشطة مخالفة للقرار 1701".
يُذكر أنها ليست المرة الاولى التي يكتشف فيها حزب الله والجيش اللبناني أجهزة تجسس إسرائيلية، إذ تستعمل الكثير من التقنيات، كطائرات الاستطلاع من دون طيار التي لا تفارق السماء اللبنانية، بالاضافة الى كاميرات المراقبة، ومناطيد حرارية، او أجسام غريبة تم رميها في الوديان وغيرها من الاماكن.
وقد قامت الفرق الهندسية الاسرائيلية مؤخراً بتثبيت عمود رصد جديد الى جانب عمود قديم مجهز بكاميرات مراقبة وأجهزة إنذار على إحدى التلال المشرفة على بلدتي العديسة وكفركلا الجنوبيتين وعلى جزء كبير من المنطقة الحدودية حتى الساحل الجنوبي.