عريب الرنتاوي يكتب : «وعد بلفور» .. «وعد أوباما»
في مناخات من خيبة الأمل والإحباط ، يحيي الفلسطينيون الذكرى الثانية والتسعين لـ"وعد بلفور" المشؤوم ، وعد من لا يملك لمن لا يستحق ، الوعد المؤسس لدولة الاحتلال والاستيطان والتوسع وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
أما لماذا خيبة الأمل والإحباط ، فذلك لأن أول رئيس أسود يسكن البيت الأبيض ، نكث بـ"وعد" حمله في جعبته للفلسطينيين... وعد ببناء دولة مستقلة ، بعد أن يكبح الشهية التوسعية المنفلتة من كل عقال لدبابات الاحتلال وجرّافاته... تبخر "وعد أوباما" سريعا ، ولم يبق على الأرض سوى "وعد بلفور" المشؤوم ومفاعيله السوداء.
ماذا نحن فاعلون بعد أن أعلنتها السيدة هيلاري كلينتون مدوية وصامّة للآذان: تجميد الاستيطان ليس شرطا لاستئناف المفاوضات ، وهي متفقة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي على ذلك ، أتم الاتفاق.
لماذا نتفاوض؟... وعلى ماذا نتفاوض؟ إن استئناف المفاوضات اليوم ، ومن دون تجميد شامل للأنشطة الاستيطانية ، هو بمثابة قبول فلسطيني ضمني بل وصريح بـ"مشروعية الاستيطان" ، وهو إقرار فلسطيني بأن السلام والاستيطان يمكن أن يجتمعا... وهو انهيار في شبكة الأمان الفلسطينية ، لن نعرف بعدها إلى أي منحدر سننزلق ، فالحذر الحذر.
لم يعد أمام الرئيس عباس سوى قليل من الخيارات ، ليس من بينها ولا ينبغي أن يكون من بينها ، الانصياع لـ"مذكرة الجلب" الأمريكية تحت عنوان استئناف المفاوضات بلا شروط ، فتلكم خاتمة مطاف المشروع الوطني الفلسطيني... لديه خيار العودة للشعب وتوحيد صفوفه وصياغة استراتيجية ولملمة شتاته وتفعيل ممثله الوطني الشرعي الوحيد ، وإعادة الاعتبار لطاقة الصمود والانتفاضة والمقاومة لديه ، وهو الذي قارع الاحتلال بلا كل ولا ملل ، منذ أن كان "وعدا" وحتى يومنا هذا ، وهو مستعد لمواجهة مائة عام أخرى من الصراع ، ومن يعجز عن الأخذ بهذا الخيار ، فما عليه سوى أن يستريح ويريح.
آن الأوان ، لتركل بالأقدام ، كل الوعود الزائفة والخرائط الوهمية والمفاوضات العبثية ، فقد اتضح أننا إزاء أكبر عملية "خداع" يتعرض لها شعب على وجه البسيطة ، ويطلب إليه ، بل ويضغط عليه ، لكي يكون طرفا فيها ، وها نحن بعد مرور أكثر من أربعة عقود على الاحتلال ومبادرات وقرارات إنهائه ، وما يقرب من العقدين على مدريد ، 15و سنة على أوسلو ، نفقد أرضنا شبرا شبرا ، ونضيّع حقوقنا الواحد تلو الآخر ، فلا قعر لتنازلاتنا ، ولا حضيض لانهياراتنا.
الذين قالوا للفلسطينيين بالأمس "خذوا الدولة" واتركوا اللاجئين ، وبذريعة أن الأرض هي جوهر الصراع ، كذبوا عليهم ، وها هم يتخلون عنهم اليوم ، ويعرضون عليهم ما تبقى من الأرض ، أو ما يفيض منها ومن مياهها الجوفية ، عن حاجة الاستيطان والمستوطنين... وغدا سيعلنون رسميا خروج القدس من ملف المفاوضات ، تماما مثلما أخرجوا الاستيطان والمستوطنات من ملف التفاوض.
أما حكاية "المستوطنات جزء من مفاوضات الوضع النهائي" ، غير المسلية ، فقد دفع الفلسطينيون ثمنها ما يقرب من نصف مليون مستوطن مزروع فوق صدورهم وأرواحهم ، وكذب الدبلوماسيون الذين روّجوا لهذه الحكاية ، وإن صدقوا.