خبر الأبعاد الاستراتيجية للزيارة التركية لإيران .. رضوان السيّد

الساعة 08:31 ص|01 نوفمبر 2009

الأبعاد الاستراتيجية للزيارة التركية لإيران

 

رضوان السيّد ـ المستقبل اللبنانية 31/10/2009

في الأسبوع الماضي، قام رئيس الوزراء التركي رجب طيّب أردوغان، بزياة الى إيران استغرقت ثلاثة أيام، واستقبله خلالها المرشد الأعلى خامنئي، كما أجرى جلسات عمل عدة مع رئيس الجمهورية الإيرانية محمود أحمدي نجاد، ووُقّعت إتفاقات عدة في مجالات شتى اقتصادية وتجارية. ولا شك أن الذي جرى خلال الزيارة كان أكثر من الاتفاقات التجارية. وقد عكست بعض ذلك تصريحات الرئيسين، وبقيت أمور عدة من دون ذكر، وإن تكن الصحف التركية أكثر من الإيرانية قد تعرضت لها.

ولننظر في الموضوعات والاهتمامات التي عكستها الصحف (التركية)، لنعود فيما بعد الى التصريحات. تعرضت الصحف التركية للوساطة التركية بين باكستان وإيران؛ بعد التوتر الذي تصاعد بين البلدين على خلفية هجوم تنظيم "جند الله" على اجتماع ضمّ شيوخ قبائل من السنة والشيعة وقادة من الحرس الثوري الإيراني، وإقليم بلوشستان كما هو معروف مشترك بين باكستان وإيران وأفغانستان (والتسمية القديمة له: سجستان). ومع أن زعيم التنظيم عبدالملك ريغي من القسم الإيراني من الإقليم؛ فإن إيران تتهم باكستان بإيوائه، ثم تعود فتتهم المخابرات الأميركية والبريطانية باستخدامه ضدّها. وقد زار أردوغان باكستان قبل طهران، واطّلع على رأي المسؤولين هناك، ثم درس الموضوع مع الرئيس نجاد، لجهة تخفيف التوتر، والتعاون بين الدولتين على مكافحة التهريب والإرهاب على الحدود بينهما. أما مع المرشد الأعلى فتحدث أردوغان عن ضرورة تجنّب التوتير السني/ الشيعي، لأن ذلك من صنع الأعداء، ولا مصلحة لأحد فيه. وإنما المصلحة في الاستقرار بباكستان وأفغانستان (ولتركيا قوات مع الحلف الأطلسي في أفغانستان، وهي تقود قوات الحلف هناك الآن!). ومن المرجح أن تنجح وساطة أردوغان في هذا الملف، لأنه لا خيار آخر لدى طهران غير التعاون مع السلطات الباكستانية، وليس ضد "جند الله" وحسب؛ بل وضد طالبان أيضاً. إذ أن أي انهيار في باكستان، مُشابه لما حدث بأفغانستان، سوف يكلّف الجميع في تلك المنطقة كثيراً، وإن تلهّى الجميع الآن بـ"مأزق الولايات المتحدة والغرب في أفغانستان وباكستان".

واستعرض الرئيسان الوضع بين سوريا والعراق. وهذان البلدان العربيان يتحولان بالتدريج الى منطقتي نفوذ تركية وإيرانية. إنما في العراق يغلب النفوذ الإيراني، وفي سوريا يوشك أن يغلب النفوذ التركي. وهكذا يصبح الاستقرار في البلدين وبينهما هماً مشتركاً في نظر أردوغان على الأقل. وهو يرى ـ بحسب وزير خارجيته أحمد داود أوغلو ـ أن الضغوط على سوريا من سائر الجهات، ومنها أخيراً العراق، ليست لمصلحة أحد؛ بما في ذلك الجانب الإيراني ـ لأنه سيدفعها للتنكّر لحزب الله، ولإيواء خصوم النظام بالعراق، وللاندفاع نحو الولايات المتحدة والغرب. ولهذه الجهة، وحفظاً للاستقرار، وتخفيف الانقسام من حول حزب الله، ينصح أردوغان بتمكين سوريا من الإسهام في تشكيل الحكومة اللبنانية. وربما جرى التوسع في المسألة العراقية بما يتجاوز العلاقات مع سوريا؛ وذلك لأن الولايات المتحدة سوف تنسحب خلال عام ونصف، وما تزال العملية السياسية متعثرة، والعلاقات بين الأعراق والمذاهب ليست على ما يرام.

ولنلتفت الى التصريحات من الطرفين ودلالاتها. فقد صرّح أردوغان قبل زيارته إيران وخلالها أن الجمهورية الإسلامية مظلومة مع الغرب في الملف النووي لأنها لا تريد غير النووي السلمي، فيصرخون في وجهها، بينما يسكتون عن النووي الإسرائيلي العسكري القائم منذ عقود. وقد فسّر المراقبون الغربيون هذه التصريحات بأنها انتقام من أوروبا، لأن أكثر زعمائها يمانعون في إدخال تركيا الى الاتحاد! لكن هذا التعليل ليس كافياً. فصحيح أن أردوغان لا يستطيع خدمة إيران في شيء في هذا الملف، لكنه هو ونجاد إنما خلطاه بالنفس النضالي ضدّ إسرائيل؛ إذ يعتبران بلديهما مسؤولَين عن الأمن والعدالة بالمنطقة الشرق أوسطية! فقد صرّح محمود أحمدي نجاد بأن المنطقة تعاني "فراغاً" يتسبب في اضطراب، وفي جبروت إسرائيلي وأميركي. وكان أردوغان أكثر تحفّظاً عندما أجاب بأن تركيا وإيران هما عماد الاستقرار في المنطقة. فالتعابير مختلفة، لكن المؤدى واحد؛ وهو أن أهل المنطقة الأصليين غائبون، وخيراتهم سائبة تتآكلها أميركا وإسرائيل، ولذا فالواجب الأخلاقي والإسلامي أن يتدخّل الطرفان في "الشرق الأوسط" لحماية مصالحهما، ومصالح أهل المنطقة من تغوّل الآخرين عليها. وفي السنوات الماضية كما هو معروف؛ فإن إيران حقّقت على وقع الهجمة الأميركية والإسرائيلية امتدادات في العراق ولبنان وفلسطين واليمن، وهذا هو المُعلن؛ أما غير المعلن فقد يكون أكبر. ومن بوابة سوريا ـ ومن دون أن تُنافس إيران علناً ـ دخلت تركيا وأرسلت قوات لإنفاذ الـ1701 في لبنان، وتواصلت مع حماس، وقلّدت إيران في إظهار المُمانعة في مواجهة إسرائيل؛ رغم أنها تملك علاقات استراتيجية معها.

كيف تكون ردّة فعل إيران على عروض التعاون الاستراتيجي التركية؟ علينا أن لا ننسى أن المناطق التي تتدخل فيها تركيا حالياً (مثل سوريا والعراق ولبنان وفلسطين) هي في الأصل ـ في نظر إيران على الأقل ـ مناطق نفوذ إيرانية. لكن إيران تستفيد من الانفتاح التركي والتعاون التركي في باكستان وأفغانستان. وقد تستفيد من علاقات تركيا الحسنة بالغرب. إنما الهمّ الآن، ليس هو مدى استجابة إيران للعروض التركية؛ بل هذه "الرؤية الاستراتيجية" للطرفين، والتي تُغيّب العرب ومصالحهم في الحقيقة، بداعي القدرة على التشارك على مستويات أعلى مع الولايات المتحدة وأوروبا!