خبر مرسوم الانتخابات.. والمصالحة الفلسطينية.. علي بدوان

الساعة 08:29 ص|01 نوفمبر 2009

مرسوم الانتخابات.. والمصالحة الفلسطينية..

 

علي بدوان ـ البيان الإماراتية 31/10/2009

شهدت الساحة الفلسطينية مؤخراً مجموعة من التفاعلات التي تسارعت مفاعيلها على الأرض، وضربت بوقائعها المسار السياسي لعملية المصالحة الفلسطينية الداخلية، التي ما برحت القاهرة تقوم برعايتها أملاً في الوصول لاتفاق شامل، يعيد ترتيب أوضاع البيت الفلسطيني بعد سنوات من الانشقاق الداخلي، السياسي، والتنظيمي، والجغرافي.

ومن بين أبرز تلك التفاعلات، أن المصالحة الفلسطينية دخلت في نفق مظلم، مع اندلاع الإشكالات والتباينات حول الورقة المصرية الأخيرة التي تم تقديمها من قبل القاهرة لمختلف الأطراف الفلسطينية، وزاد من منسوب التباينات إصدار الرئيس محمود عباس قبل أيام، مرسوماً رئاسيا بتحديد موعد الانتخابات التشريعية والرئاسية يوم الرابع والعشرين من يناير المقبل، دون التوصل لتوافق عام بشأن موعد إجرائها، مع حركة حماس ومع مجموع القوى الفلسطينية المصطفة خلف مواقفها.

وبغض النظر عن كل ما يقال بشأن دستورية الاستحقاق الانتخابي في موعده (وهو أمر صحيح ولكنه غير مقدس) أو عدم دستوريته، فإن التسرع بإصدار هذا المرسوم، في ظرف استثنائي فلسطيني لا يتحمل المزيد من التباينات، خصوصاً بين كل من حركتي فتح وحماس، زاد «الطين بله»، فاتسعت من جديد دائرة الخلافات الفلسطينية ودائرة التراشق الإعلامي، لتعود الأمور إلى المربع الأول كما كان الحال قبيل الجولة الحوارية الأولى التي عقدت في القاهرة في فبراير الماضي، بعد أيام من انتهاء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

ولم تقتصر ردود الفعل المتحفظة على المرسوم الرئاسي، على الفصائل المنضوية في إطار ما يعرف الآن ب«تحالف القوى الفلسطينية» المشكل من ثمانية فصائل بعضها عضو في منظمة التحرير، بل وامتد لصفوف باقي فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، وهو ما تبين بوضوح خلال دورة أعمال واجتماعات المجلس المركزي للمنظمة في رام الله بعد يومين من إعلان المرسوم.

فالجبهة الشعبية، على سبيل المثال، وباعتبارها التنظيم الثاني في ائتلاف المنظمة، رحبت بالمرسوم الرئاسي بإجراء الانتخابات، إلا أنها كررت موقفها القائل بأن إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية يتطلب بالضرورة توليد حالة من التوافق الوطني الفلسطيني بشأنها، بين المكونات الرئيسية للنسيج السياسي الفلسطيني.

وبالتالي فإن الجبهة الشعبية ربطت بين نجاح الحوار وإحلال المصالحة، وبين إجراء الانتخابات لتكون ثمرة من ثمار المصالحة لا بديلةً لها، وهو موقف اقترب منه أيضاً حزب الشعب الفلسطيني (الحزب الشيوعي) الذي يعتبر القوة الثالثة في ائتلاف منظمة التحرير، وخطت الجبهة العربية لتحرير فلسطين الموقف ذاته.

وبالتأكيد، فإن مرد التحفظ الحمساوي على قرار إجراء الانتخابات في يناير القادم، لا ينطلق من رفض حماس للعملية الانتخابية واستحقاقاتها المتوقعة، أو تخوفها من إمكانية تراجع حظوظها، بقدر ما ينطلق من حساباتها التي تقول بأن ظروف الانتخابات ما زالت غير مهيأة، في ظل وجود عدد كبير من قادتها في الضفة الغربية رهن الاعتقال في سجون الاحتلال، بمن فيهم أكثر من عشرين عضواً من أعضاء المجلس التشريعي.

فضلاً عن تخوفات تبديها بشأن نزاهة الانتخابات في غياب التوافق الداخلي، إضافة للإنهاك الذي تعرضت له مؤسساتها الاجتماعية في الضفة الغربية. بينما ترى حركة فتح، وبعد مؤتمرها السادس، أن ظروفها الداخلية مغايرة تماماً لما كانت عليه قبيل انتخابات 2006، وأنها باتت مهيأة للمشاركة والإسهام الفعال في العملية الانتخابية بزخم وتفاؤل كبيرين.

وفي هذا السياق، فإن القاهرة التي تواجه «تعثر الملف الفلسطيني، كانت قد قابلت بالتحفظ نية الرئيس محمود عباس إصدار مرسوم بتحديد موعد الانتخابات في الضفة الغربية دون قطاع غزة، في يناير 2010، مع اعتبار قطاع غزة في هذه الحالة إقليماً متمرداً، وعلى نحو يمثل إلقاء كرة نار في الحضن المصري.

وحينها أبدت القاهرة تفهماً لمطالب حركة قيادة حركة حماس، ومواقفها لجهة طلبها تأجيل إجراء الانتخابات الفلسطينية إلى حين يتم إنهاء ملف الاعتقال السياسي، وإعادة ترتيب أوضاع الأجهزة الأمنية قبل إجراء الانتخابات، التي تصر حركة حماس على أن تكون رئاسية وتشريعية في آن واحد في الضفة الغربية وقطاع غزة، وكذلك انتخاب مجلس وطني فلسطيني جديد بالتزامن معها.

بحيث يصبح أعضاء المجلس التشريعي المنتخب في الداخل أعضاء طبيعيين في المجلس الوطني، ويتم في الوقت نفسه انتخاب ممثلي الشتات الفلسطيني. وبناء على ذلك، عمل اللواء عمر سليمان مدير المخابرات المصرية على إقناع الرئيس محمود عباس وعموم الفصائل الفلسطينية بتأجيل موعد إجراء هذه الانتخابات المتزامنة من 25 يناير المقبل إلى نهاية يونيو 2010.

لكن، وفي عمق الأحداث، فإن المتابع والعارف لدواخل الساحة الفلسطينية، يدرك تماماً الآن، أن الموعد الذي كانت القاهرة قد حددته للمصالحة، لا يعني البتة أن الأمور كانت (أو باتت) على سكة الطريق لإنجاز المصالحة التامة والكاملة. فالورقة المصرية قدمت تخريجات لخلافات وتباينات ما زالت قائمة بين القطبين الأكبر في المعادلة الفلسطينية، وهي خلافات جوهرية وعميقة، بالرغم من وجود درجة من التقارب تجاه بعض المواضيع.

والخلاصة أن توقيع اتفاق المصالحة، وهو أمر آت على كل حال، لن ينهي الاستعصاءات الرئيسية، ولا يمهد لمصالحة حقيقية تقود البيت الفلسطيني من مسالك التردي إلى دروب الوحدة الحقيقية.. في انتظار جهد مصري وعربي جديد لتذليل العقبات التي توالدت مؤخراً، واحتواء مضاعفاتها.