خبر الى أين؟.. هآرتس

الساعة 09:07 ص|29 أكتوبر 2009

بقلم: آري شافيت

لم يكن اسحاق رابين قديسا. ففي ولايته الاولى لرئاسة الحكومة تورط بحساب الدولارات، وفي ولايته الثانية صرفه على قدر كبير مدير عام أدين آخر الامر بجناية. وفي التسعينيات كان محاطا بأصحاب أموال جعلوه في لحظات الحسم يفضل المال على المساواة. في تلك السنين فعل رابين ايضا فعل مضطربا، عندما خصخص الشركة الضخمة "الكيماويات الاسرائيلية". وهكذا نقل الى يدي تاجر سلاح معروف المورد الطبيعي الوحيد لاسرائيل وهو البحر الميت. في الحقيقة كان رابين شخصا نزيها، لكنه كالاخرين استكشف امريكا المال فغاب صوابه. لو تم الفحص عن محيطه القريب على نفس النحو الذي يفحص فيه اليوم المحيط القريب لزعماء اسرائيل، لما كانت حياته حياة ولما كان حكمه حكما.

لم يكن رابين عبقريا ايضا. كانت تحليلاته لامعة، لكنه أعوزه تصور تاريخي عميق متصل. لم يجد رجل الامن الحمائمي هذا ممزقا بين توجهات متناقضة طريقا سياسيا يعبر عن تعقيده الفكري. لهذا عندما اختار السلام لم يكن سلاما من مدرسته. في سني اوسلو قيد رئيس الحكومة ولم يقيد، ووجه ولم يوجه. ان زعيما فلسطينيا داهية ونائب وزير خارجية اسرائيليا منجذا هما اللذان رسما الثورة السياسية الكبيرة في 1993.

في لحظات حاسمة من تلك السنة، احتال ياسر عرفات ويوسي بيلين على رابين وجعلاه يفعل ما طلبوا ان يفعل. وكانت النتيجة ان مسيرة اوسلو حملت اسم بطل البلماخ، لكنها لم تشتق في الحقيقة من عالم قيمه. انشأ اسحاق رابين فلسطين الاتية من غير ان يسوي التناقض بين الفعل الذي فعله وبين معارضته المعلنة لاقامة دولة فلسطينية ذات سيادة، وتقسيم القدس وتسليم غور الاردن.

لكن برغم انه لم يكن قديسا او عبقريا، كان رابين عظيما. لم يكن عظيما فقط لانه انقذ القدس في حرب الهبات وأعد الجيش الاسرائيلي اعدادا نموذجيا لحرب الايام الستة. ولكن يكن عظيما لانه شارك في انشاء الحلف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة في 1970 وبدأ المسيرة السلمية مع مصر في 1975. لقد كان رابين عظيما لانه أدرك في ولايته الثانية لرئاسة الحكومة الخطر الوجودي الكامن في الاحتلال وقرر ان يفعل فعلا. كان الفعل المعين الذي فعله – اوسلو – مليئا بالعيوب. لكن استعداد رابين ابن السبعين لان يحدث تغييرا ويخاطر لاخراج اسرائيل من الوحل، جعله شخصية تاريخية وشخصا يحتذى على مثاله.

عندما سيخطب بنيامين نتنياهو وايهود باراك عن اسحاق رابين في مسيرات الذكرى التي تقترب، يحسن ان يسألا أنفسهما أين هما وأن هو. مرت تسعة أشهر منذ الانتخابات، و 7 أشهر منذ اقامة الحكومة. لكن القادة لم يجهدوا أنفسهم الى الان في اعلام المسافرين الى اين يبحرون. ما هو الهدف وما هي الغاية. ان الغموض يمنح حكومة بيبي وباراك حسن بقعة رورشخ: فكل شخص يستطيع ان يرى فيها ما يريد رؤيته. لكن في آخر المطاف، يوجد للحكومة ايضا الفاعلية السياسية لبقعة رورشخ. عندما تواجه دولة اسرائيل تحديات كبيرة، لا تقول قيادتها شيئا ولا تسعى الى شيء. تلفظ نتنياهو بقوله نعم ولا. وهمس باراك لا ونعم. لا تقادوا أمة على هذا النحو. ولا تبنى دولة على هذا النحو من جديد. اذا كان هذا هو ثمن الحكم فلا يوجد اي حاجة للحكم.

اسرائيل في سنوات الالفين دولة في صعوبات. تحتاج الجمهورية الاسرائيلية التي اخذت تستحجر في الآن نفسه الى ثورة سياسية، وثورة تربوية وثورة حكومية. ان الحكومة التي ستنجح في تحقيق ولو واحدة من هذه الثورات ستحظى بحياة الابد. والحكومة التي ستبدأ في الثورات الثلاث على الاقل ستسوغ وجودها. لكن حكومة تنشغل بصيانتها وببقائها فقط، لن تنقى ولن تبقى. كانت حكمة رابين الكبيرة هي أنه لا خيار للوضع الراهن للدولة اليهودية الديمقراطية اليوم. فأمامها خياران: اما الخروج من الوحل واما الغرق فيه. يجب على الحكومة الحالية استيعاب هذه الحكمة. حان الوقت ان نعلم الى اين نمضي.