خبر نهاية حقبة بالنسبة الى الصحافة اللبنانية الحرة

الساعة 07:36 ص|28 أكتوبر 2009

فلسطين اليوم-وكالات

طوال عقود، ظلت الصحافة اللبنانية موضع الإطراء باعتبارها الأكثر حرية وجرأة، والأكثر حرفية وبلاغة في الوطن العربي المثقل بالرقابة. لكن ذلك لم يعد، للأسف، واقع الحال. فقد عمدت أكثر الصحف اليومية البيروتية قراءة مؤخراً إلى تسريح 50 فرداً من كوادرها، كما قامت محطة "إل. بي. سي"، وهي واحدة من أشهر وأبرز محطات التلفزة في البلاد بطرد ثلاثة من أشهر مقدمي برامجها بدورها. ويبدو الإعلام اللبناني وأنه يتعرض، مثله مثل باقي العالم، إلى ضربة تسبب بها الإنترنت وعوائد الإعلان المتناقصة. لكن هذا هو لبنان، حيث السياسة تكون دائماً في الخضم. فهل ثمة ما هو فاسد ومتعفن في مملكة الصحافة اللبنانية.

 

هل كان من قبيل الصدفة أن محرر صحيفة النهار الثقافي –التي شن ملحقها حملة ضد خطط رئيس الوزراء المغتال رفيق الحريري لإعادة بناء وسط بيروت- كان قد طرد بعد أن تقاربت صحيفته مع سياسة ابن رفيق الحريري، سعد، الذي أصبح الآن رئيس الوزراء المنتخب؟ وهل كانت صدفة أن يكون أرفع ثلاثة مقدمين للبرامج في محطة "ل. بي، سي"، والذين كانوا يمثلون آخر مؤيدي "القوات اللبنانية" القديمة (عار الحرب الأهلية) ما يزالون يعملون في القناة؟

 

لا تقول صحيفة النهار ولا محطة "ل. بي سي" أي شيء عن ذلك، لكن اللبنانيين ينتظرون ليعرفوا أياً من صحفهم اليومية التي يربو عددها على العشرين سوف تكون التالية التي تلقي خارجاً بكوادرها "لأسباب اقتصادية". هل ستجد صحيفة "السفير" اليسارية العريقة أن لديها كادراً عنيداً ومشاكساً على المستوى السياسي (وهو أمر غير مرجح)، أم أن الصحيفة اليومية الناطقة بالفرنسية "لو أورينت لو جور" (الشرق اليوم) –التي تتسم فرنسيتها العائدة للقرن الثامن عشر بكونها ملكية أكثر من كونها جمهورية- تقف على أبواب خوض معركة مع أولئك الكتاب الذين ما يزالون يحبون الجنرال السابق ميشال عون، الحليف المسيحي الماروني لحزب الله؟

 

لا تتعلق المشكلة كثيراً بسياسة لبنان، وإنما بدولة الصحافة الإقطاعية في البلاد. في بيروت، لا يمكنك أن تنشئ صحيفة، وسيكون عليك أن تشتري عنواناً موجوداً أصلاً من شخص آخر، وهو ما يكلف الكثير من النقود. وهكذا، يكون الأغنياء هم الذين يملكون الصحف. ولا يختلف هذا كثيراً، كما يمكن لك القول، عن الوضع في بقية العالم، لكن النظام في لبنان غريب، فهناك عائلات في بيروت ممن تمتلك صحفها الخاصة، لكنها لا تقوم بنشرها –إنها ما تزال في انتظار المشترين.

 

كما يقول الياس خوري، المحرر الثقافي المطرود من صحيفة النهار، والروائي الحائز على جوائز، والأكاديمي، وأحد 53 رجلاً وامرأة طردتهم الصحيفة: "كان ملاكو الصحف أصلاً صحفيين –ومع الرأسمالية، لم يتغير النظام. إن محطات التلفزة في هذا البلد ليست صحافة –إنها مواقع دعاية، تملكها جماعات اعترافية أو أحزاب، إن الصحف فقط هي التي تعتبر صحافة حقيقية.

 

لكن الصحافة "الحقيقية" هي شيء يصعب مصادفتها والعثور عليها. عندما كان الجيش السوري ما يزال في لبنان، كانت صحيفة النهار شديدة الحذر، شأنها شأن الصحف الأخرى، في التأكد من عدم تحطيمها أية قوارب. في حقيقة الأمر، وعندما وصل الجيش السوري بداية إلى بيروت في العام 1976، تعرضت مكاتب الصحيفة للاقتحام، للتأكد من أن يدرك صحفيوها أن عليهم أن يكونوا بمثل خضوع زملائهم في صحيفتي "البعث" و"تشرين"، هاتين العملاقتين في عالم الصحافة البعثية هناك وراء الجبال في دمشق.

 

ولكن، وإلى جانب "السفير"، كانت لصحيفة "النهار" حصتها وميزتها. فقد سطت على محلل رائع يدعى جهاد زين من السفير، وكانت تعتنق في ظل رئيسها غسان تويني بصحافة مستقلة. ويقول خوري: "عرض علي تويني إدارة الملحق الثقافي. ولو أنه ما يزال في موضع السيطرة، لما كان شيء من هذا قد حدث". الآن، أصبحت حفيدته نائلة هي المسؤولة. وإلى جانب خوري، فقد كل من إدموند صعب، رئيس التحرير المشارك، وسها باحسين وجورجس ناصيف وظائفهم أيضاً. وقيل لهم أن يتسملوا مذكرات طردهم من موظف بريد لبناني على الرصيف خارج مكتب الصحيفة الرئيسي في بيروت.

 

وأضاف خوري: "جاء صحفي واحد إلى العمل في السادسة من صباح يوم الجمعة-عندما كان ساعي البريد قد غادر. وعمل ليلة الجمعة ويوم السبت والأحد –وقرأ في صحيفتنا المنافسة يوم الأثنين أنه قد طرد! ويكشف هذا أشياء عن عملنا وعن بيروت. إن الصيغة القائلة بأن ملحقنا مستقل –وأن بوسعنا أن نقول ما نريد- لم تعد مقبولة بعد الآن. لم أكن مناسباً. قام ملحقي بشن حملة ضد مشروع السوليدير (الذي يحتفظ فيه رفيق الحريري بنسبة 10% من أسهمه)، وجعلنا صحفيين ومعماريين يكتبون عن الكيفية التي كانت الشركة تدمر بها بيروت العثمانية وتحتفظ فقط بالمباني الكولنيالية الفرنسية. لم يوقفنا أحد. وكان بوسعي أن ألعب دور المفكر اليساري".

 

ليس بعد الآن. إذ يعني تورط نايلة تويني في حركة الأغلبية 14 آذار التي يقودها ابن الحريري، سعد –الذي يدير بنفسه صحيفة يومية مملة تدعى "المستقبل"- لقد اتخذت صحيفة النهار نكهة موالية للحكومة بشكل سهل التمييز.

 

في الوقت نفسه، طردت محطة "ل. بي. سي" ثلاثة من أكثر صحفييها شهرة، لأنهم كانوا البقايا الأخيرة من "القوات اللبنانية" في القناة على ما يبدو. تم طرد دياموند رحمي جعجع، ودنيس فخري وفيرا أبو منصف إلى جانب عشرات من زملائهم من مستخدمي القناة، بمن فيهم امرأة كانت حاملاً في شهرها السادس، وهي حقيقة ينبغي أن تعطيها الحصانة من الطرد في العادة وفق القانون اللبناني، حتى أن البطريرك اللبناني المسيحي نصر الله صفير أعرب عن قلقه إزاء ما يحدث.

 

لا تمتلك نقابة الصحفيين اللبنانيين التخويل لمساعدة الكتاب العاطلين عن العمل. وقد تساءلت صحيفة "ل.أورينت لي جور" الأسبوع الماضي: "من يحمي حقوق الصحفيين؟" والإجابة في لبنان، كما يبدو، هي : لا أحد.