خبر ضغوط واشنطن و« استقلالية القرار الفلسطيني » .. عريب الرنتاوي

الساعة 08:58 ص|24 أكتوبر 2009

بقلم: عريب الرنتاوي

ثلاثة مؤشرات مقلقة ، تدفع المرء للتفكير مليا في "جدوى الدور الأمريكي عملية السلام" ، أولها: الضغوط التي مارستها الولايات المتحدة على السلطة والرئاسة والحكومة في رام الله ، لتأجيل التصويت على "تقرير غولدستون" والتي انتهت إلى تعميق الانقسام الفلسطيني وتعطيل المصالحة الوطنية ، واندلاع ما يشبه "الانتفاضة الثالثة" ولكن ضد القيادة الفلسطينية هذه المرة بدل الاحتلال الإسرائيلي ، تلك الضغوط التي بلغت حد التلويح بوقف المساعدات والانسحاب من عملية السلام ، وترك السلطة لنتنياهو وليبرمان وباراك ، وفقا للعديد من المصادر المتطابقة.

وثانيها: الضغوط والتهديدت المماثلة ، التي مارستها واشنطن على الرئيس والسلطة والحكومة في رام الله ، وقد ألمح لها عباس حين قال لرؤساء تحرير الصحف المصرية بأنه تجاوزها ووقع على الورقة المصرية ، من دون أن يشير إلى التعديلات التي أضيفت على هذه الورقة ، وتحت تأثير الضغوط ذاتها ، حتى يصبح توقيعه عليها أمرا ممكنا وفوريا ، ويصبح توقيع حماس عليها في المقابل ، أمرا متعذرا وأقرب ما يكون للانتحار السياسي ، تلك التعديلات التي اقتربت بالورقة المصرية من "شروط الرباعية الثلاثة" ، ونصائح جورج ميتشيل للوزيرين سليمان وأبو الغيط.

وثالثها: وهنا تكمن المفارقة ، الضغط "الناعم" و"الحنون" الذي تمارسته واشنطن على الجانب الإسرائيلي ، والذي هبط بسقف المطالب الأمريكية من تل أبيب ، من تجميد الاستيطان بكافة أشكاله وعلى عموم الأرض الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية ، إلى مجرد المطالبة باتخاذ "إجراءات ذات مغزى" لتجميد الاستيطان ، مصحوبة بمطالبة السلطة بخطوات "ذات مغزى أيضا" لوقف التحريض والإرهاب ، وهي عبارة أصبحت لازمة لكل مطلب أمريكي من إسرائيل ، تماما مثلما يفعل بعض اليساريين الفلسطينيين القدامى الذين ما أن يوجهوا انتقادا للسلطة في رام الله ، حتى يتبعوه بواحد مماثل للسلطة في غزة ، حتى لا تثار حولهم شبهات "الانحياز لحماس والدفاع عنها أو الوقوع في حبائلها"؟،.

والغريب أن الهبوط بسقف المطلب الأمريكي من إسرائيل في المجال الاستيطاني ، يتزامن مع تصعيد لمستوى التحالف "فوق الاستراتيجي" معها ، وارتفاع في سقف الالتزام الأمريكي بأمن إسرائيل وحمايتها ، حيث تتواصل المناورات الأضخم في تاريخ العلاقات الثنائية بين البلدين للتدرب على صد هجمات صاروخية افتراضية ، كما أن جنيف ونيويويورك تشهدان أوسع مناورات مشتركة بين دبلوماسيتي البلدين لصد "تقرير غولدستون" واحتواء تداعياته ، ناهيك عن "الهجوم الثنائي" المنسق على رام الله والقاهرة ، لتعديل الورقة المصرية وتضمينها شروط الرباعية والحيلولة استتباعا دون استعادة الوحدة وإشراك حماس في النظام السياسي الفلسطيني.

خلال شهر واحد فقط ، نجحت واشنطن مرتين في إلقاء القبض على القرار الفلسطيني ، وفي كل مرة كان الأمر متعلقا بمنعطف هام وموقف مفصلي ، ودفع الفلسطينييون الثمن باهظا من كيسهم الخاص ، ومع ذلك ما زال البعض في رام الله يحدثك عن "قرار وطني مستقل" ، بل ويتهم خصومه الداخليين وتحديدا حركة حماس بـ"فقدان الإرادة السياسية المستقلة" و"الخضوع للإملاءات الخارجية" ، ومن دون أن نتورط في تنزيه حماس مما هي فيه وعليه من ارتباطات والتزامات مع حلفاء تدخليين وأصحاب مصالح وأجندات (ليسوا جمعيات خيرية) ، فإننا نتساءل عمّا تبقى من "استقلالية القرار الوطني" ، وما إذا كان المقصود بها اليوم ، النأي بالقرار الفلسطيني عن عواصم دون أخرى ، وهل أن التبعية والاستتباع ، لا يكونان كذلك ، إلا حين يتعلق الأمر بطهران ودمشق والدوحة ، أما حين يتصل الأمر بواشنطن ، فتلكم هي الاستقلالية بأم عينها؟،.