خبر ليس عاراً ما فعل، بل العار أن نقبل...د.أيوب عثمان

الساعة 04:17 م|08 أكتوبر 2009

ليس عاراً ما فعل، بل العار أن نقبل

بقلم: الدكتور/ أيوب عثمان

كاتب وأكاديمي فلسطيني – جامعة الأزهر بغزة

إذا كانت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية قد نشرت يوم الجمعة 25/9/2009 مقالاً كتبه بن درور يميني بعنوان: "جولدستون ضد الإنسانية" قال فيه: "لنبدأ من النهاية. ريتشارد جولدستون نفذ جريمة أخلاقية ليس ضد إسرائيل، وإنما ضد حقوق الإنسان.. جولدستون لم يكن مهملاً، وإنما فعل ذلك عن سوء نية مبيتة.. اللغة المستخدمة قضائية بارعة. مشهد من المواثيق الدولية حول حقوق الإنسان والشعوب، ولكن التقرير يخدم محور الإرهاب والشر..."،

 

وإذا كانت الحكومة الإسرائيلية قد مارست خلال الأيام التي سبقت انعقاد المجلس العالمي لحقوق الإنسان، في جنيف، ضغوطاً مكثفة ضد اعتماد تقرير جولدستون، معتبرة إياه منحازاً ضدها، ومصعدة في الوقت نفسه من انتقادها له وهجومها العلني عليه، واصفة إياه – عبر سفيرها لشنو يغار – بأنه "مُخزٍ" و"متحيز"، لأنه بني على وقائع اختيرت – لأغراض سياسية – بأقصى درجات العناية والتركيز"،

 

وإذا كان وزير العدل الإسرائيلي، اسحق هيرتسوغ، يقترح "تشكيل سلطة تتصدر الكفاح القضائي الإسرائيلي في الساحة الدولية، لأن إسرائيل تعيش اليوم معركة قضائية عسيرة تتآمر على شخصية وجودها، الأمر الذي ينبغي لها معه أن تجند لكفاحها أفضل العقول القضائية وتجعلها تحت تصرفها"،

 

وإذا كانت دولة الاحتلال العسكري الإسرائيلي قد جن جنونها من تقرير القاضي الدولي اليهودي أصله، ريتشارد جولدستون، فاحتواها السعار لهول ما جاء فيه من إدانة تُدخلها وتدخل قادتها، لأول مرة، في القفص، فهي تقيم للتقرير وزناً حيث شرعت في الإعداد لمعركة مواجهة دبلوماسية وقانونية ليس تصريح هيرتسوغ، الذي أشرنا إليه آنفاً، إلا دليل على الضرر المعنوي الكبير الذي طال سمعتها، ما يحفزنا نحن الفلسطينيين على إعداد أنفسنا لمعركة قانونية ضد الاحتلال، اللهم إلا إذا كنا سنتوقف عن ملاحقته أمام المحاكم الدولية فنُسقط أنفسنا من خلال سقوط رؤسائنا وقادتنا تماماً كما أسقطنا أنفسنا سابقاً في قضية الجدار الذي ما زال يتلوى كالأفعى السامة في أرضنا"،

 

وإذا كان وزير الدفاع الإسرائيلي باراك يقول: "إن هذا التقرير هو ذروة النفاق. إنه يقلب الحقائق ويخلط بين الإرهاب وضحايا الإرهاب، وهو لا يعطي فقط جائزة للإرهاب الذي حدث، وإنما يشجع على الإرهاب في المستقبل"، وهو مشابه لرأي الكولونيل، أفيحاي مندلبليط، الذي يصف التقرير بأنه "منحاز ومتطرف بصورة خارجة عن المألوف، ولا يمت للواقع بأي صلة"،

 

وإذا كان وزير الخارجية الإسرائيلي ليبرمان يقول: "إن لجنة التحقيق أقيمت لتحدد أن إسرائيل مذنبة بارتكاب جرائم محددة مسبقاً، وهدف التقرير هو تقويض صورة إسرائيل لخدمة أهداف لا ترد في قاموسها مصطلحات كحقوق الإنسان وقيم الحرب"،

 

وإذا كان رئيس الوزراء الإسرائيلي نتان ياهو قد وصف التقرير بأنه "محكمة تفتيش نتائجها كتبت سابقاً، وأنه يمنح للإرهاب جائزة"،

 

وإذا كانت المنظمة الحقوقية العالمية، هيومان رايتس ووتش، قد أعلنت – على لسان فريد أبراهام – عن رفضها للموقف الأمريكي الداعم لإسرائيل، والذي يرى أن "قراءة أولية للتقرير تثير المخاوف حول بعض التوصيات التي تضمنها"،

 

وإذا كان الاتحاد الأوروبي قد وصف التقرير بأنه "خطير ويتعين إبقاؤه على جدول أعمال المجلس"،

 

وإذا كانت كل منظمات حقوق الإنسان قد رفضت التصرف الرسمي الفلسطيني، فضلاً عن ذهولها منه، انتصاراً منها لما جاء في التقرير من دفاع عن الحق الفلسطيني،

 

وإذا كان المجلس العالمي لحقوق الإنسان مؤيداً لتبني تقرير جولدستون بأغلبية 35 من أصل 47، وهو ما لم يتحقق مثله من قبل،

 

وإذا كانت مصر الكبيرة والحبيبة التي تؤيد عباس وتغطي على سلبياته وتجمل قبائحه وسوءاته لم تستطع أن تصمت – لكبر حجم جريمته – فرفعت ورقة التوت عنه، حين قالت على لسان وزير خارجيتها، السيد/ أحمد أبو الغيط: "مصر لم تحط علماً بالتأجيل إلا بعد اتخاذ القرار،... نحن لم نبلغ بقرار السلطة إرجاء تقرير جولدستون... مصر لم تعلم بذلك إلا بعد اتخاذ القرار، ولو كنا أحطنا علماً لنصحنا بعدم التأجيل "،

 

وإذا كان عمرو موسى، الأمين العام لجامعة الدول العربية، وهو الذي لم يزر غزة، قط، ليرى حجم الكارثة التي أنزلتها الحرب الإسرائيلية الأخيرة على رؤوس أهلها، وهو الداعم لعباس، قد صرح قائلاً: "أشعر بالغثيان، قرار التأجيل غاية في الخطورة والسلبية وتفريط غير مسبوق"،

 

وإذا كان أكمل الدين إحسان أوغلو، الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي، قد قال: "إن قرارنا بسحب تقرير جولدستون قد جاء بناء على موافقة السلطة الفلسطينية والتي كانت بناء على اتفاق ضمني بين الوفد الفلسطيني والدول الكبرى، الأمر الذي يعاكس قول عباس: "الطلب قدم ليس منا وإنما من الدول العربية وأمريكا... نحن لسنا أعضاء... التأجيل تم بمعرفة العرب وموافقتهم"،

 

وإذا كانت جميع الفصائل الفلسطينية قد هاجمت قرار سحب التقرير، أو طلب تأجيله، إلى مارس 2010، معبرة عن استهجانها واستنكارها وإدانتها لقرار السلطة الذي وصفته بأنه "مخجل، وغير مسؤول، ويقدم للعدوان خدمة مجانية، وأنه ينم عن التورط وانعدام روح المسؤولية الوطنية"،  مطالبة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير باتخاذ ما يلزم من إجراءات نحو طرد المسؤول عن هذه الجريمة السياسية والأخلاقية، ومحاسبته على نحو علني".

 

وإذا كانت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير قد فوجئت بسحب قرار جولدستون، حيث هاجم تيسير خالد، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، السلوك الفلسطيني في اجتماع مجلس حقوق الإنسان...، مضيفاً أن مثل ذلك السلوك يقدم للسياسة العدوانية الإسرائيلية خدمة مجانية ويمنحها إجازة مرور لممارسة جرائم ضد الشعب الفلسطيني ويمكنها من التحضير لعدوان جديد"، مضيفاً أنه "سبق له أن طرح على آخر اجتماع للجنة التنفيذية قبل جلسة التصويت على التقرير – ما جاء في تقرير جولدستون من شواهد وأدلة وبراهين ضد إسرائيل، مطالباً اللجنة التنفيذية إلى متابعة دعوة مجلس حقوق الإنسان ومجلس الأمن الدولي،

 

وإذا كان حزب الشعب الفلسطيني قد صرح عبر رئيسه، عضو المجلس التشريعي، السيد بسام الصالحي، قائلاً: "نحن نخطيء 100% في هذا التأجيل الذي تم، ونحن نريد محاسبة المسؤولين عن هذا القرار، وسنمضي في الملف إلى نهايته، ويجب أن نعالج الأضرار التي لحقت بنا بسبب الموقف الرسمي الذي اتخذ من هذه القضية"،

 

وإذا كانت اللجنة المركزية لحركة فتح ضد القرار، حيث صرح عضوها، ناصر القدوة، بأن السلطة قد ارتكبت خطأ وليس لها إلا أن تعترف بذلك،

 

وإذا كان شعبنا كله ضد قرار السلطة بسحب تقرير جولدستون، أو تأجيله،

 

وإذا كانت نيكول جولدستون، ابنة القاضي الدولي ذي الأصل اليهودي جولدستون، والتي تعيش في إسرائيل، قد صرحت لإذاعة الجيش الإسرائيلي في 17/9/2009 بعبارات مخنوقة، قائلة بالعبرية: إن والدها صهيوني، ويحب إسرائيل وقد تمزق بين ضميره وعاطفته، وأنه خفف قدر استطاعته كثيراً من قسوة التقرير، ولو كان غيره لخرج التقرير على نحو أكثر قسوة ضد إسرائيل، ورغم ذلك تقوم قيامة إسرائيل ولا تقعد"،

 

وإذا كان رئيس لجنة تقصي الحقائق، المكلفة من الأمم المتحدة، والتي أعدت تقريراً ميدانياً موثقاً قوامه 574 صفحة قد قال: "لقد خلصت اللجنة إلى أن الجيش الإسرائيلي قد ارتكب أفعالاً تصل إلى جرائم حرب، وربما بشكل أو بآخر، جرائم ضد الإنسانية، وأن الحرب التي استمرت على غزة لمدة 22 يوماً قد استهدفت "شعب غزة بأكمله من أجل معاقبة السكان، إضافة إلى أن استمرار الحصار وإغلاق المعابر هو عقوبة جماعية تمثل جريمة ضد الإنسانية".

 

وإذا كان جولدستون يتهم إسرائيل في حرب "رصاصها المصبوب" على غزة، بأنها اقترفت جرائم القتل "العمد"،

 

وإذا كان هذا التقرير الأممي قد نطق بأقسى عبارات الإدانة لإسرائيل والتأكيد على قيامها بجرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، وإذا كان التقرير قد احتوى على نتائج التحقيق التي دللت على أن إسرائيل مارست تطهيراً عرقياً واضحاً بحق المجتمع الفلسطيني، حيث تضمن في الجزء الأول منه سياسة العقاب الإسرائيلي الجماعي للفلسطينيين "عبر الحصار"، ومن ثم استهدافه للمدنيين الفلسطينيين استهدافاً "قصدياً ومتعمداً"،

 

وإذا كان هذا القاضي الدولي ذي الأصل اليهودي، جولدستون، الذي طلب إحالة تقرير لجنته عن غزة إلى المحكمة الجنائية الدولية يقول: "إن ثقافة الإفلات من العقاب تسود المنطقة منذ وقت طويل جداً، وإن الإفلات من العقاب لمرتكبي جرائم حرب، وجرائم محتملة ضد الإنسانية، قد بلغ درجة حساسة، مؤكداً أن الغياب الراهن للعدالة يقضي على أي أمل في عملية السلام، ويعزز مناخاً يسهل العنف"،

 

وإذا كان التقرير يقدم – بكل الجلاء والوضوح والمباشرة – حقيقة ساطعة وسافرة ومرعبة حينما يجرم إسرائيل وقادتها، وحينما يعتبر أن ما جرى في غزة يرقى إلى مستوى جرائمي مرعب أجبر جولدستون الصهيوني المحب لإسرائيل – كوصف ابنته نيكول لإذاعة الجيش الإسرائيلي في 17/9/2009 – على إدانتهم، وإن كان جولدستون قد عاد ليفرغ التقرير من محتواه بدعوته الإسرائيليين إلى تشكيل لجان تحقيق إسرائيلية للتحقيق في جرائم جنرالاتها وقادتها، ذلك أنهم إن لم يفعلوا، فإن التقرير مآله أن يحال إلى مجلس الأمن!!!"،

 

وإذا كان المحلل السياسي الإسرائيلي في صحيفة هآرتس، جدعون ليفي، قد قال في 17/9/2009: "إن مجرمي الحرب يتجولون بيننا. عليهم أن يتحملوا المسؤولية وتلقي العقاب القانوني بناء على ذلك. هذا هو الاستنتاج الخطير الذي يتمخض عنه تقرير الأمم المتحدة المفصل.. طوال عام تقريباً، ونحن نحاول الادعاء بأن الدم الذي أرقناه في غزة سدى هو ماء. تقرير بعد تقرير، والاستنتاجات تتلاحق وتتشابه بصورة تثير الجزع. حصار وفسفور أبيض، وقتل للأبرياء، وتدمير للبنى التحتية، جرائم حرب. ورد هذا في كل التقارير الصادرة بلا استثناء، ولكن بعد نشر تقرير جولدستون، وهو التقرير الأكثر أهمية والأكثر خطورة، فإن محاولات إسرائيل للإفلات تتحول إلى مشهد ساخر".

 

وإذا كان عباس لا يستطيع أن يجد وطنياً فلسطينياً واحداً لا يدين قرار سحب التقرير أو حتى تأجيله،

 

وإذا كان ما ادعاه عباس بأن طلب التأجيل هو إرداة العرب وقد تم بمعرفتهم لا يقنع أحداً ولا ينطلي على أحد مهما بلغت سذاجته، ذلك أن طلب سحب التقرير أو تأجيله، لا يمكن أن يكون إلا بموافقة فلسطينية بمستواها الرسمي، وهو ما كان واضحاً ويخرق بوضوحه العيون مهما كان مبلغ وقاحتها، حيث صرح عريقات، في البداية، بأن التأجيل لم يكن بطلب فلسطيني ، ثم رأينا في اليوم التالي، وعلى شاشة الجزيرة، في برنامج ما وراء الخبر، قبالة السيد/ هيثم مناع، الناطق الإعلامي باسم المجموعة العربية لمنظمات حقوق الإنسان، رأينا النائب عن حركة فتح، وعضو مجلسها الثوري، الدكتور/ عبد الله عبد الله، وهو يحاول – عبثاً – تبرير التأجيل بقوله إنه لم يتحقق إجماع في مجلس حقوق الإنسان وإن هناك خشية من أن يصطدم التقرير حال إحالته إلى مجلس الأمن بالفيتو الأمريكي، ما يفقد التقرير أهميته، كما يفقده الأحقية في أن ينظر فيه مرة أخرى لسقوطه. وهنا لابد من القول بأنه يبدو أن الدكتور/ عبد الله عبد الله يملك ضمانات لا نعرفها على أن الفيتو الأمريكي لن يستخدم حينما يطرح تقرير جولدستون في الدورة القادمة لمجلس حقوق الإنسان في مارس 2010!!!

 

وإذا كان عباس يعلم علم اليقين أن التأجيل يمكِّن لإسرائيل والولايات الأمريكية – من خلال مدة التأجيل البالغة ستة أشهر – أن تمارسا أقذر المساومات، وأقوى الضغوط، وأبشعها، على مختلف الأطراف، للتصويت ضد هذا التقرير الأممي الذي نال استعداد 38 دولة لدعمه ومساندته وتبني إحالته إلى مجلس الأمن الدولي؟!

 

وإذا كان عباس يؤمن بالتفاوض والتفاوض والتفاوض، ثم بالتفاوض، ولا شيء غير التفاوض، بعد أن أوقف المقاومة، بل وعاداها ونكل بها، واصفاً إياها بالقذرة حيناً وبالعبثية أحياناً أخرى، حتى أنه يتجرأ اليوم علينا فينتشل أعداءنا من قفص باتوا هم على عتبته؟!

 

وإذا كانت الطامة الكبرى التي تطفح علينا، وحتى اللحظة تحتوينا، وتقض مضاجعنا، ليست قرار عباس القاضي بسحب هذا التقرير الأممي المدافع عن الحق الفلسطيني، أو إصداره الأوامر بتأجيل التصويت عليه، وليست في دفاعه عنه، أو في وقوفه ضده، وإنما هي في سلوكه وفي نهجه ومنهجه وفي الدرب الذي يدب عليه، منفرداً ومتفرداً ومستهتراً، مخولاً نفسه عن الكل في حق لا يملكه، دون تخويل، ودون مرجعية، ودون التزام بما تم وصفه بأنه "الثوابت الوطنية" التي لا يجرؤ أي فلسطيني على تجاوزها أو إلغائها أو إدارة ظهره لها،

 

وإذا كان عباس هو الذي سمعناه يوماً وهو يقول لمحاوره إنه لا يحب مصطلح "الثوابت الفلسطينية"، تذرعاً بأن السياسة لا تعرف لغة الثوابت، وإنما كلها متغيرات، ناسياً أو متناسياً أن الحديث عن "الثوابت الفلسطينية" ليس أمراً سياسياً، وإنما أمر وطني فلسطيني لا يجرؤ أي وطني مهما بلغ من الجرأة أن يتجرأ عليه فيدير ظهره له أو يتجاوزه أو أن يبيعه.

 

وإذا كان عباس يعلم علم اليقين أن من يختار سبيل المفاوضات والتسوية، وأن من يعلن أنه يريد حقه ليس من خلال المقاومة، وإنما عبر الشرعية الدولية والمفاوضة، لا ينبغي له أن يسحب تقريراً من حضن الشرعية الدولية التي ادعى إيمانه المطلق بها والتي تدعي هي رعايتها لحقوق الإنسان،

 

وإذا كان عباس قد أكد عملياً – وغير مرة – على عدم حبه لـ "الثوابت الفلسطينية"، كما قال، الأمر الذي يؤكد على أنه لا ثوابت لديه إلا ثابت الإذعان للأمريكيين والإسرائيليين، بغية تحقيق مكاسب لا وطنية فيها، كإقامة شركة اتصالات خليوية في الضفة الغربية تحت اسم "الوطنية" التي قالت صحيفة معاريف الإسرائيلية أن "نجل عباس يقف على رأسها"،  وهو ما دفعه إلى إصدار أوامره بسحب التقرير، إذاعاناً منه للتهديد الإسرائيلي الذي ينتج إما منحاً لترخيص (الوطنية!) لابن عباس أو منعاً،

 

فإننا نقول لعباس وفياض ولكل من يجمل القبح ويقبح الجمال إن الأخلاق الذي رضعناها ثم تعملناها تجعلنا نفهم مقصد المثل العربي الذي يعبر عن حقيقة الإيمان بأن "الحرة تجوع ولا تأكل بثدييها"، وهو ما عبر عنه عنترة العبسي بقوله:

 

لا تسقني ماء الحياة بذلة              بل فاسقني بالعز كأس الحنظل

 

ماء الحياة بذلة كجهنم                وجهنم بالعز أطيب منزل

 

 

 

ولأننا نؤمن بأنه: "إذا ما الجرح رُمّ على فساد         تبين فيه تفريط الطبيب"، وهو ما قاله البحتري، فإن سقوط عباس، أو إسقاطه، مردّه إما لتقصيره وإهماله وضعفه وقلة حيلته وإذعانه أو لتفريطه وخيانته.

 

أما آخر الكلام، فإن العار ليس ما فعل عباس، ولكن العار أن يقبل الغيارى والشرفاء والمقاومون والناس، أم أنه سيصدق فينا ما رآه دعبل الخزاعي الذي قال، قبل نحو ألف ومائتين وخمسين عاماً، وكأنه يقول لنا نحن اليوم:

 

إني لأفتح عيني حين أفتحها          على كثير، ولكن لا أرى أحدا