خبر ليس القتل مسرحاً.. هآرتس

الساعة 12:26 م|08 أكتوبر 2009

بقلم: الكسندر يعقوبسون

"مسرح كفاح مسلح (بين هنود حمر وجيش ذي سلاح أكثر من محكم)" – هكذا تسمي عميرة هاس باستهزاء الكفاح المسلح الفلسطيني ("مرة اخرى يتنازل عباس"، هآرتس 5/10). هذه نغم تطرقها المعتاد للموضوع: فالقتال الفلسطيني يعرض على انه عرض تظاهر ليس فيه حقيقة، وضجيج كبير على لا شيء، وليس شيئا بيقين يستطيع ان يهدد اسرائيل وان يسوغ خطوات شديدة ربما كان يمكن تسويغها لو كان الحديث عن تهديد حقيقي.

ترمي هذه الاوصاف الى اقناع الفلسطينيين بالاخذ بطرائق كفاح اخرى وعلى رأسها "النضال الشعبي".

لكن يوجد فيها ايضا تهرب من الاخذ بموقف اخلاقي واضح تنديدا بقتل مقصود لمواطنين على أيدي المنظمات الفلسطينية – قتل هو جزء لا ينفصل ورئيس من طريقة قتالهم. يمكن ان نجد رفضا مباشرا للارهاب الذي لا تمييز فيه عند هاس هنا وهناك، اذا بحثنا جيدا، لكن في احيان أشد تقاربا نسمع السخرية من القتال الفلسطيني وتقزيم اضراره السيء.

لا يوجد اي تسويغ موضوعي لهذه السخرية. فقد قتل الكفاح المسلح الفلسطيني، في الانتفاضة الثانية اكثر من 1000 اسرائيلي – اي اكثر من عدد القتلى الاسرائيليين في حرب لبنان الاولى والثانية معا، او في حرب 1967، او في حرب الاستنزاف او في حرب سيناء. ليس هذا مسرحا ولا لعبة اطفال. فليس تفجير الحافلات عرض تظاهر. لم يكن عند الهنود الحمر صواريخ. ولم يكن لهم تأييد من قوة اقليمية. لم يكن لهم ايران، او سورية او الاتحاد السوفياتي السابق، او قدرة ما تشبه القدرة الفلسطينية على ادخال مئات الاف الاسرائيليين في مدى الصواريخ.

ان علاقات القوى بين منظمات ارهاب وحرب عصابات وبين دولة تحاربها لا تقاس على حسب انواع السلاح التي يملكها الطرفان. هذا عرض داحض للامور، يخالف كل تجربة جمعت في العالم. من ذا لا يعلم ان منظمات ارهاب وحرب عصابات (لا سيما تلك التي تمتعت بتأييد دول وقوى عظمى) حاربت بفاعلية جيوشا عصرية وهزمتها اكثر من مرة؟ فمن جهة نسمع ان محاربة الارهاب وحرب العصابات حرب خاسرة سلفا. ومن جهة ثانية يعرض "الكفاح المسلح" على أنه أمر ليس فيه خطر حقيقي. الاستنتاج في الحالتين متشابه وهو انه لا يحل التشويش على الارهابي زمن قيامه بعمله.

كيف يجب على شخص علاقته باسرائيل نقدية بل سلبية ان يتناول ارهابا فلسطينيا لا تمييز فيه؟ ربما يمكن ضرب مثال بمارك ادلمان، وهو من رجال "البوند"، ومن رؤساء التمرد في غيتو وارسو، والذي مات اخيرا. كان حياته كلها معارضا شديدا للصهيونية ومنتقدا لاذعا لاسرائيل وسياستها. قبل بضع سنين توجه برسالة مكشوفة الى "المحاربين الوطنيين" الفلسطينيين، وهي تسمية أغضبت كثيرين. لكن ادلمان لم يقل للفلسطينيين ان قتل المواطنين "مسرح"، بل جريمة وحشية يجب عدم تسويغها بأية حال. كتب ان سلاح متمردي غيتو وارسو "لم يوجه قط الى سكان مدنيين بلا حماية".

اليكم مثلا لعدو عقائدي للصهيونية، اتخذ موقفا اخلاقيا كونيا في الحقيقة، ولم يختبىء دعاوى تكتيكية وجمالية. كذلك لم يتأثر بنظرية الموضة التي فحواها انه يحل لـ "المحارب الوطني" كل شيء في الحقيقة، ولا يحل التنديد به لاي عمل وحشي لانه هو الضعيف المقموع. اذا لم يكن لرخص القتل "المستنيرة" هذه مكان في الغيتو وارسو، فليس لها مكان في العالم.