خبر حقوقيون فلسطينيون : تأجيل التصويت على تقرير غولدستون ينطوي على تداعيات كارثية

الساعة 11:23 ص|05 أكتوبر 2009

قالوا إن موقف السلطة "حدث تاريخي نادر لتنازل الضحية عن حقها للمعتدي"

حقوقيون فلسطينيون : تأجيل التصويت على تقرير غولدستون ينطوي على تداعيات كارثية

فلسطين اليوم- غزة

رأى حقوقيون فلسطينيون أن تأجيل التصويت على تقرير "غولدستون" المتعلق بجرائم الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة خلال الحرب الأخيرة، ينطوي على تداعيات ومخاطر كارثية على مجمل العدالة الدولية واستعداد الضحية للمطالبة بحقه، مشددين على أن موقف السلطة الفلسطينية من هذا التأجيل "حدث تاريخي نادر لتنازل الضحية عن حقها للمعتدي".

 

وكانت السلطة الفلسطينية طلبت من المجموعة العربية والإسلامية تقديم طلب لتأجيل مناقشة التقرير الذي يدين الجانب الإسرائيلي إلى الدورة القادمة للأمم المتحدة في آذار (مارس) القادم.

 

وقال عصام يونس، مدير مركز "الميزان" لحقوق الإنسان بغزة: "إن تأجيل التقرير ينطوي على مخاطر جدية على تحقيق العدالة، من جهة أن تأجيل التقرير هو تغييب العدالة ونحن نقول أن العدالة المؤجلة هي عدالة غائبة، هذا يعني أن إسرائيل سوف تشعر أنها محصنة، وأنها فوق القانون، وأن ما ارتكبته من جرائم حرب لم يرتق بعد لمستوى المساءلة الجنائية الدولية".

 

وأضاف يونس لـ"قدس برس": "على مستوى المؤسسات الرسمية، حتما هذا سيضر بشكل كبير"، ولفت إلى أن هذا التأجيل في المؤسسات الأممية سيضيف صعوبة أخرى على البعد السياسي للقضاء الدولي في المحاكم الوطنية، وقال: "ستتأثر دون أدنى شك، لكن القوانين في تلك البلدان لازالت قائمة ولازال يمكن النفاذ من خلالها لهذا النوع من العمل".

 

ونوه باختصار إلى أن قيمة تقرير غولدستون هي في إقرار التوصيات، وإقرار التوصيات يعني دفع العدالة خطوة إلى الأمام فيما يتعلق بخروج التقرير من الجدران الأربعة لمجلس حقوق الإنسان إلى فضاء أوسع، فضاء سياسي وقضائي أوسع، وقال: "لقد  أجهضت هذه المحاولة، وبلا أدنى شك هذا الأمر سيكون له تداعيات خطيرة على الصورة العامة للمؤسسات القضائية".

 

وأكد على أن التأجيل عمليا قتل القضية، واعتبر أن قيمة الشيء في وقته وزمانه، وأن تأجيل هذا الموضوع يضر لحد كبير بالتقرير وبالتالي وضعه كوثيقة أخري في أدراج الأمم المتحدة.

 

وشدد على أن التقرير في حال إقراره سيضع العالم أمام مأزق أخلاقي كبير، ولو قدر للتقرير أن يعتمد بقرار من مجلس حقوق الإنسان كان سيخطو خطوة أخرى إلى مجلس الأمن، ويواجه هناك العالم من خلاله مأزقا أخلاقياً كبيراً أمام الأمم المتحدة وحلفائها بهذا الشأن إذا ما صوتوا ضد القرار بالفيتو".

 

وقال مدير مركز "الميزان" لحقوق الإنسان إن موقف السلطة الفلسطينية عمل ينطوي على خطورة شديدة، وهو مس بحقوق الضحايا، وأضاف: "أعتقد أنه من الحالات النادرة على مدار التاريخ التي يقوم بها الضحية بإهداء المعتدي هذا النوع من الهدايا، الدم لازال يسيل والدموع لم تجف بعد، ونحن نقول للمعتدي أنت محصن مرة أخرى ولا يمكن مساءلتك، هذا أخطر ما في الموضوع، وهو إعفاء المجرم من الضحية عن جريمته، كنا اقتربنا خطوة نحو العقاب ولكن تم الإفلات منها، وضع خطير جدا ينطوي على عواقب كارثية، وأعتقد أن لا أحد يمتلك حق التصرف بحقوق الأفراد".

 

وأثار قرار إرجاء مناقشة تقرير "غولدستون" الذي يتهم الجانب الإسرائيلي بارتكاب جرائم حرب خلال العدوان الأخير على قطاع غزة لمدة ستة أشهر، بناءً على طلب من السلطة الفلسطينية ردود فعل غاضبة لدى الفلسطينيين ومنظمات حقوق الإنسان والفصائل الفلسطينية.

 

بدوره، اعتبر القاضي ضياء الدين المدهون رئيس اللجنة المركزية الحكومية للتوثيق وملاحقة مجرمي الحرب "توثيق" بغزة أن ما يميز تقرير غولدستون هو أنه تقرير أممي صادر عن هيئة أممية تابعة للأمم المتحدة، وهذا يجعل له وزن ويجعل هذا السخط من أجل تأجيل بحث هذا التقرير واتخاذ قرارات مجدية لوقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ومحاكمة مجرمي الصهاينة".

 

واستطرد المدهون خلال حديث لـ"قدس برس": "التقرير جاء واضحا على ارتكاب جرائم من خلال أدلة وبراهين وبينات، وهذا ما يعزز قيمة التقرير في إدانة الاحتلال، وما كان هذا السخط من الاحتلال إلا لأنه يشعر بخطورة هذا التقرير ويشعر بأن تقرير أممي صادر عن هيئة أممية دولية مسئولة يدين إسرائيل بهذه القوة، لذا كانت الضغوط الكثيرة التي حدثت مع الولايات المتحدة لإيقاف إجراءات وتتابعات مثل هذا التقرير، وكانت الصدمة لكافة المهتمين والحقوقيين بأن يأتي إيقاف  إجراءات هذا التقرير واتخاذ قرارات من أجل إدانة العدو والسير قدما في التوصيات التي أوصى بها غولدستون من خلال التقرير، تفاجئنا أن من يوقف هذا الإجراء هو السلطة الفلسطينية في الضفة".

 

وأوضح " لو أقرت توصيات غولدستون" لكان أمامنا ثلاث مراحل يمكن العمل عليها، أولا مجلس الأمن، دعونا ننظر إلى الدول العظمى الموجودة في مجلس الأمن، ونكشف زيفها، وخاصة أمريكا، دعونا نؤكد هذا الزيف المؤكد أن هناك فيتو أمريكي يمنع الضحايا من أن ينالوا حقوقهم أو أن يقدم الجاني للعدالة، هذا بداية".

 

وأضاف: "ثم إذا قامت الولايات المتحدة باتخاذ قرار الفيتو على هذا التقرير وإحالته للمدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية، هناك إمكانية للتوجه للجمعية العامة للأمم المتحدة، ويمكن الضغط أو التأثير أو عمل دبلوماسي لاتخاذ قرار بصفة متحدون من أجل السلام وهذا القرار بهذه الصيغة التي أقرت عام 1950 يسمح للجمعية العامة باتخاذ إجراءات ملزمة إذا لم يتمكن مجلس الأمن من التصرف بسبب تصويت سلبي من جانب عضو دائم من الأمم المتحدة، إذن يمكن للجمعية العامة أن تتخذ قرار لإحالة هذا التقرير لمحكمة الجنايات الدولية والبدء بالتحقيق فورا من قبل المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية".

 

وأكمل حديثه "كما كان يمكن لمجلس حقوق الإنسان، أن يتخذ قرارا بإحالة هذا التقرير فورا إلى المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية، وبالتالي كان هناك عدة خطوات يمكن اتخاذها، وأغلبية من في مجلس حقوق الإنسان هم مؤيدون للقضية الفلسطينية ويتبنون الرؤية الفلسطينية، وكان 33-35 دولة من أصل 47 ينوون التصويت على توصيات التقرير، لذا كان بالإمكان أن يكون هذا التقرير اليوم وليس غدا بين يدي المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية، وبالتالي لا بد لأوكامبو في هذه المرحلة من اتخاذ إجراءات جادة للبحث وتتبع المجرمين الصهاينة، وكل هذه الافتراضات أحبطت من خلال التأجيل".

 

وأكد على أن "إسرائيل استفادت قانونيا من هذا التأجيل، وسياسيا كذلك"، وقال: "بالتأكيد أسقط في يد السلطة التي تدعي أنها صاحبة الحق في المشروع الوطني الفلسطيني، أسقط في يدها وظهرت عمالتها وخيانتها أمام الجميع، وهنا ستكون أسهم سلطات الاحتلال مرتفعة، وإذا كان هذا ممثل الشعب الفلسطيني يطعن من يفاوض عنه في الظهر ويسير في مسار المحتل، فهذا مكسب لسلطات الاحتلال الإسرائيلي غير المكسب القانوني الذي استفادوا منه في التأجيل".

 

واعترف المراقب الدائم لفلسطين لدى الأمم المتحدة في جنيف إبراهيم خريشة أنه تواصل مع الرئاسة الفلسطينية مباشرة لتأجيل تقرير لجنة غولدستون.

 

وأضاف خريشة في تصريحات متلفزة مساء الأحد "كنا نتحاور مع أكثر من جهة وأكثر من مجموعة، وكنت على اتصال مباشر مع القيادة الفلسطينية، وارتأينا جميعًا أن نؤجل البت في التقرير"، مؤكدا أنه مستعد للمثول أمام لجنة التحقيق التي قرر عباس تشكيلها إذا دعي لذلك.

 

خليل أبو شمالة، مدير مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان بغزة، اعتبر أن تأجيل التصويت يمثل "صفعة لكل مؤسسات حقوق الإنسان ولكل الجهود التي بذلت على مدار الأسابيع والأشهر الماضية من أجل الانتصار للعدالة الدولية والقانون الدولي الإنساني والضحايا".

 

وقال أبو شمالة لـ"قدس برس": "هذا يضع هذه القضية في محل المبايعات والمساومات السياسية، خاصة أن الطرف الذي مثل الطرف الفلسطيني والضحايا هو رأس القيادة الفلسطينية والرئاسة الفلسطينية، وبالتالي سيضعف موقف الدول التي كانت على استعداد لأن تصوت لصالح القرار ولصالح تحويل الملف إلى مجلس الأمن".

 

لكن أبو شمالة لفت إلى أن "القانون الذي نعمل فيه لا يتوقف عند حد مجلس حقوق الإنسان"، وقال: "نحن ماضون، واتخذنا خطوات، ولازالت أمامنا خطوات سنتخذها في الفترة القادمة من أجل ملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين من خلال منظمات محلية وعربية ودولية ومن خلال التحالف الدولي الذي تم تشكيله أثناء العدوان على قطاع غزة، ونحن نعتقد أن هناك فرصة لتوظيف الولاية القضائية الدولية سواء كانت أمام المحاكم الوطنية في دول مختلفة أم الوصول إلى محكمة الجنايات الدولية".

 

وأكد على أن هذا التأجيل "سيعطي إسرائيل مساحة من المناورة لإثبات أنها ضحية بعد أن كانت في موضع حرج خاصة وأن العالم سواء على المستوى الشعبي والرسمي نظر إليها على أنها دولة خارجة عن القانون ودولة مجرمة ارتكبت جرائم حرب في غزة".

 

وقال: "سنرى خلال الفترة القادمة ما الذي يمكن أن نفعله مع السلطة الفلسطينية، خاصة وأن هناك أصوات لا تقتصر فقط على منظمات حقوقية بل تعدت ذلك من خلال مواقف التنظيمات السياسية جميعا ومن بينها حركة فتح، تدعو لتشكيل لجنة تحقيق من قبل اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وبالتالي، الفترة القادمة ستكون السلطة أمام اختبار، إما الانتصار لشعبها وإما أن تتساوق مع الاحتلال الإسرائيلي".

 

وعن موقف السلطة الفلسطينية في هذا الخصوص قال: "هي جريمة لا تقل بشاعتها عن الجريمة التي ارتكبت من قبل قوات الاحتلال، الذي يفرط في حقوق الضحايا يمكنه أن يفرط في كل شيء، وبالتالي أي أثمان سياسية لا يمكن أن نزنها بحجم الدم الذي سال في قطاع غزة وحجم الدمار الذي أحدثته الآلة العسكرية الإسرائيلية".