خبر حدود للايراني..معاريف

الساعة 10:50 ص|02 أكتوبر 2009

بقلم: نداف آيال

كان من المفترض ان يكون يوم امس الفرصة الاخيرة. على شاطىء بحيرة جنيف في احدى الفيلات الفاخرة بأسوارها العالية ورجال الامن الذين يحيطون بها على الدوام، التقى ممثلو دول الغرب مع ممثلي ايران. في الساعة التي كتب فيها هذا النص (صبيحة يوم الخميس) كان اللقاء قد بدأ، ولكن نتائجه لم تعرف بعد. في اللقاء السابق في عام 2008 بدأ سعيد جاليلي سكرتير مجلس الامن القومي الايراني الحديث والمفاوض الاعلى عن النظام حيث ألقى خطابا لمدة ساعتين حول وضع العالم والوضع الانساني وعدم العدالة الجذري في المنظومة الدولية. وعندما أقدم ممثلو الغرب على سؤال السيد جاليلي حول خطتهم النووية، رد الايراني بان هذه المسألة ليست مطروحة على الطاولة. ان كان هذا ما حدث بالأمس فان الدقيقة التسعين تكون قد مرت.

في مركز الاعلان الذي لا يوجد به اشخاص كثيرون في فندق انتركونتيننتال كان موظفو وزارة الخارجية السويسرية لطفاء وناجعون كعادتهم. رفضوا الحديث عن مكان اللقاء الدقيق بابتسامة ورفضوا اعلامنا بموعد المؤتمر الصحفي والادلاء بالتصريحات. ربما يجدر محاولة اخذ المعلومات من الناطقة بلسان خافيير سولانا. السويسريون يمثلون مصالح الولايات المتحدة في ايران منذ الثورة الاسلامية ولكن لديهم مصالحهم عدا عن حياديتهم المقدسة: هم موقعون على صفقة طاقة عملاقة مع ايران ستريحهم كليا من التعلق بموارد الغاز والنفط الروسية. ليست لديهم اية مصلحة بنشوب ازمة عسكرية مع ايران.

امور كثيرة قد تغيرت منذ اللقاءات السابقة مع ايران بنفس السياق. الادارة الامريكية تبدلت وموقف جورج بوش المتصلب استبدل بنداء اوباما للتفاوض والحوار، وبدأت رقصة الغزل الدبلوماسية التي تتسم بالحساسية ودقة الحسابات وتتضمن تبادل الرسائل العلنية واطلاق الرموز حول التسوية الشاملة لمنظومة العلاقات. الولايات المتحدة تحولت ضمن مفهوم معين ومحدود الى "الشرطي الطيب" في المفاوضات المرهقة التي تجريها الاسرة الدولية مع نظام ايات الله. هذا تطور هام ولكن التطور الاكثر اثارة للفضول فعلا هو تحول اوروبا الى الشرطي السيء.

في كل ارجاء اوروبا – من غربها حتى شرقها – يمر النظام الايراني بعملية نزع قوية لشرعيته وبصورة استثنائية. من الممكن ان تلمس هذا التغير في النهج العدواني الاوروبي تجاه ايران من خلال افتتاحيات "لاموند" و "لافي غارو" و "دير شبيغل" و "الديلي تلغراف" ولكن ذلك ملموس ايضا في لغة الجسد والتعبيرات التي يستخدمها كل من ساركوزي وبراون وميركل وبيرلسكوني. الايام التي تصادم فيها شيراك مع بوش وكان فيها صدع بين اوروبا وامريكا قد ولت واختفت معها الازمنة التي اضطرت فيها امريكا للضغط على اوروبا للحصول على موافقتها على العقوبات البسيطة نسبيا ضد ايران.

هناك شيء اساسي جدا قد تغير في النهج الاوروبي في النصف السنة الاخير. هذا النهج وبصورة جوهرية تجسد في التقديرات الاستخبارية: ثلاث اجهزة استخبارية – البريطانية والالمانية والفرنسية وفقا لما ينشر في الدول الثلاث تقدر بأن ايران تحاول بناء برنامجها النووي العسكري. يتوجب ان نذكر ان هذا التقدير يتناقض مع التقرير الاستخباري الشهير الذي اعدته اجهزة الاستخبارات الامريكية (او سيء السمعة والصيت وفقا لوجهة النظر الاسرائيلية).

المحور لفرانكو – الماني

فرنسا هي النموذج للتغير الاكثر فظاظة وربما يعود ذلك لشخصية نيكولا ساركوزي المائلة للنزعة الاستعراضية والاقرب لنابليونية. رئيس فرنسا يستخدم كل قدراته الكريزماتية ودراماتيكيته الطبيعية لمهاجمة ايران في كل مناسبة. موقفه كما يقول الفرنسيون نابع من منظومة سياسية واقعية بسيطة: ان لم تتم اعاقة ايران فان الشرق الاوسط كله سينزلق نحو أزمة حادة والعالم سيتدهور لازمة طاقة اكثر حدة. الموقف الاوروبي واضح من وجهة نظر ساركوزي: اما ان توافق ايران على ايقاف تخصيب اليورانيوم والرقابة الكاملة او ان على العالم ان يتحرك نحو العقوبات الشديدة بما في ذلك منع توريد الوقود لطهران الامر الذي يشكل ضربة قاسية لسوق الطاقة الايراني.

في المؤتمر الصحافي الدراماتيكي في بيتسبورغ في الاسبوع الماضي حيث أعلنت امريكا وبريطانيا وفرنسا عن اكتشاف المنشأة النووية المجاورة لقم حذر اوباما من ان يوجه مهلة انذارية زمنية لايران. ولكن الرئيس الفرنسي كان واضحا وفظا. ايران تمتلك وقتا حتى آخر السنة، قال ساركوزي. في وقت لاحق اوضح بأنه قد أيد نهج اوباما لمد اليد للايرانيين ولكن هذه اليد لن تكون ممدودة للابد نحو القادة الذين لا يستجيبون لها وفي الوقت الذي تواصل فيه اجهزة الطرد المركزية تحركها. جان بيير مولني محلل في مركز أي أي اس ار في سيسو في باريس قال لـ "واشنطن بوست" مؤخرا بأن المانيا وبريطانيا ستوافقان على الموقف الفرنسي لانهما تشعران ان الحوار البناء لم يثمر حتى الان وهناك تنسيق بين الدول الثلاث.

نحن متعبون من الحوار مع الايرانيين، يقول المراقبون الاوروبيون. ونحن كنا في هذا الحوار في السنوات الاخيرة خلافا للولايات المتحدة التي تقدم على هذا الحوار مع ادارة جديدة ونهج ايجابي. "لقد فقدنا صبرنا تجاهكم" قال روبرت كوبر الشخص الذي يلازم خافيير سولانا والمسؤول عن الاستراتيجية الامنية للاتحاد الاوروبي مؤخرا في مقابلة مع "معاريف" واردف بان "الوضع الحالي لا يمكن ان يستمر".

هناك بالطبع فوارق في النهج والتوجهات داخل الاتحاد الاوروبي. المانيا الشريك التجاري الاكبر لايران ولذلك تتصرف بحذر مفرط. سياسة المستشارة الالمانية المنهجية تقضي بأن تكون دائما وراء شركائها في الاتحاد الاروبي بخطوة واحدة. عندما عقد قادة امريكا وفرنسا وبريطانيا مؤتمرهم الصحافي في بيتسبورغ اختارت ميركل مواصلة جدولها الزمني المخطط – لقاء مع رئيس روسيا ديمتري ميدفيديف. ولكن ميركل ايضا تستخدم لهجة اكثر شدة من الادارة الامريكية الحالية اذ قالت هذا الاسبوع "ان لم تنجح المباحثات فلن نخشى من العقوبات".

غوردون براون رئيس وزراء بريطانيا يموقع نفسه في منتصف المحور لفرانكو الماني. موقفه حازم جدا تجاه الايرانيين وقد كرس خطابه الاخير في الامم المتحدة لنداء دعى فيه الى تدارس فرض عقوبات اكثر شدة على ايران وكوريا الشمالية ان استمرتا في برنامجهما النووي. وقال ان من الواجب وضع حدود هنا لانها لحظة حاسمة وان ايران ستضطر لتقديم فاتورة الحساب للاسرة الدولية والتفسير لماذا لم تكن صادقة معها بصدد تحضيراتها للسلاح النووي – هذا ما قاله براون.

المقالات الصحفية اكثير شدة ووقعا. الـ "دير شبيغل" نشرت في هذا الاسبوع مقالة خاصة عشية بدء المفاوضات في جنيف. الافتتاحية قالت بأن "القيادة الايرانية تشعر بالثقة اكثر من اي وقت مضى بعد مرور ثلاثة اشهر على الانتخابات المثيرة للخلاف. الرئيس محمود احمدي نجاد استفز الغرب في اجتماع الجمعية العمومية للامم المتحدة بينما كان يقمع المعارضة في بلاده. هناك أمل صغير بالتقدم في مباحثات سويسرا". كما ان المقابلة مع سعيد جاليلي كانت هجومية بصورة خاصة حيث قال القائد الايراني بان بلاده ستستقبل العقوبات بكل ترحاب.

ما الذي حدث لاوروبا؟ حدثت لها عدة امور بصدد ايران وفي نفس الوقت. ان وصفناها بجملة واحدة فهي ان أمل اوروبا قد خاب وانها قد تغيرت واصيبت بالصدمة وانها مفزوعة.

خيبة أملها تتعلق بأحد اسس التفكير في الاتحاد الاوروبي: اهمية المفاوضات كوسيلة لفض النزاعات. اوروبا تؤمن بالحوار ولكنها تشعر انها مخدوعة. هم يتحدثون مع الايرانيين منذ اكثر من عشر سنوات وفي كل عام او عامين يكتشفون انهم قد تعرضوا للخديعة. هذه ايضا ليست اوروبا ذاتها. الحكومات في المانيا وفرنسا وايطاليا تحولت الى حكومات يمينية وفتيلها قصير مع الايرانيين.

في الوقت الذي تموقع بريطانيا نفسها بمنهجية في العقد الاخير الى جانب الولايات المتحدة كانت اوروبا اكثر تشكيكا خصوصا بصدد العراق. هذه الفجوات تقلصت بعض الشيء مع صعود القوى المحافظة الى سدة الحكم في القارة، ولكنها تقلصت اكثر بفضل انتخاب اوباما. اوباما بليبراليته الظاهرة حرر اوروبا من الحاجة لان تلعب دور الكابح للادارة الامريكية المحافظة الجديدة المسارعة للحرب. الان بامكانها ان تكشف عن انيابها. الاوروبيون خائفون.

تركيا كمثل

انتخاب انجيلا  ميركل مثلا يشير الى نهاية الامل التركي بالانضمام الى الاتحاد الاوروبي. حيث اوضحت المانيا بأنها تعارض الاتحاد مع سبعين مليون تركي. هذه المعارضة هي جزء من حركة داخل الرأي العام الاوروبي تخشى من الجمهور الاسلامي المحلي وتبدأ في الادراك بأن قيمه الغربية خاضعة للتهديد. سلسلة قضايا (الرسومات الكاريكاتورية في الدنمارك والحجاب في فرنسا) توضح تصادم الحضارات الهائل بين الجانبين.

ايران هي الممثل الاعلى لتصادم القيم الاوروبية وهي تريد الصواريخ البالستية مع رؤوس نووية. بالاضافة الى ذلك يخشى الاوروبيون من اسرائيل ومما يمكنها القيام به. "لدينا شهوة معدومة بقصف ايران" قال مسؤول اوروبي مؤخرا، "ولذلك نريد العقوبات". العقوبات في العيون الاوروبية هي وسيلة منع التصعيد الاقليمي الخطير. هم يريدون ان يكونوا متشددين مع ايران حتى لا تكون اسرائيل او امريكا اكثر تشددا.

ولكن بالاساس كانت هناك ضربة واحدة كارثية دفعت الاوروبين الى النفور من ايران والشعور بالصدمة منها – الانتخابات الاخيرة. كان من الصعب ايجاد مقالة لوسائل الاعلام الاوروبية عشية جنيف لم تتطرق الى هذه المسألة. النظام الايراني وللمرة الاولى منذ الثورة اعتبر في نظر الغرب والشعوب في اوروبا شبه فاقد للشرعية، نظاما لا يرتكز على تأييد الشعب. صحيفة الـ "دير شبيغل" وفي مقالة قبيل انعقاد القمة لم تتناول المسألة النووية تقريبا واختارت التركيز في حكاياتها على أم ايرانية دفنت ابنها الذي اطلقت عليه النار في المظاهرات التي تلت الانتخابات، وصحيفة الـ "تايمز" البريطانية كتبت: "الجمهورية الاسلامية التي أسسها الخميني ظهرت كخدعة ونظام ديني استبدادي فاسد عسكريا ومشوه".

الدول تتحرك وفقا للمصالح ولكن ايضا نتيجة للضغوط السياسية الداخلية. التغطية الاعلامية الهائلة التي اتيحت لاحتجاج الشعب في ايران وحكايات القمع والتعذيب والقتل مع التصريحات الاستفزازية الدائمة لاحمدي نجاد حول المحرقة واسرائيل تمخضت عن رأي عام واسع مؤثر بصورة طبيعية على السياسات الحكومية. هذه ليست سذاجة او مثالية وانما سياسة فقط. في ايلول 2009 تجد اوروبا نفسها على يمين الولايات المتحدة في المفاوضات مع ايران على طريق العقوبات المحتملة. ولكن لا تتوقعوا اقتراح البيروقراطيين في بروكسل تسليح الطائرات.