خبر ثأر حسني.. يديعوت

الساعة 10:26 ص|29 سبتمبر 2009

بقلم: سميدار بيري

حتى اليوم أذكر اول زيارة الى مبنى صحيفة "الاهرام" في القاهرة. وقفت في حينه، قبل 31 سنة، كمن يحلم في القاعة الفاخرة. وسجل الحراس بعصبية تفاصيلي الشخصية، وهم يفركون حرجا عيونهم وهم يضطرون الى ان يكتبوا للمرة الاولى في حياتهم "من – اسرائيل"، ويهاتفون على عجل مكتب المحرر الرئيس.

"الاهرام" التي اخذت اسمها عن اهرامات مصر، احد عجائب الدنيا السبع، تحتفل قريبا بيوم مولدها الـ 134. هنا لا توجد بوادر موت الصحافة المكتوبة. فهذه احدى الصحف الاكثر انتشارا في العالم: مليون نسخة في الايام العادية، مليون ومائتي الف في نهاية الاسبوع، في ثلاث طبعات، اكثر من الف موظف. المدير العام والمحرر الرئيس هما من الموالين للرئيس، عضوين في حزب السلطة. وهكذا، من يريد ان يعرف ماذا بالضبط يفكرون في القيادة السياسية في القاهرة وما يختبىء خلف عملية اتخاذ القرارات، فليتصفح موقف الاهرام او يشتري عددا بثمن رمزي. قبل اسبوع استدعي السفير المصري في اسرائيل، ياسر رضا، ليتلقى ضربة على الرأس في وزارة الخارجية في القدس، على كاريكاتور مهين لرئيس الوزراء نتنياهو صدر هناك.

في ذات تلك الزيارة الاولى تجولت بين مكاتب المميزين في الطابق السادس، طابق كل من ومن بين المثقفين من نجيب محفوظ، الذي اعرب عن تأييد غير متحفظ للسلام مع اسرائيل، عبر حسين فوزي المفاجىء، الكتاب توفيق الحكيم، احسان عبد القدوس، انيس منصور.

استقبلني المحرر الرئيس في حينه بدفء مدهش، كلفه بعد سنة حياته، حين قتله ارهابيون فلسطينيون في قبرص. وكان يجلس في حينه، كما أتذكر، تحت صورة ضخمة للمحرر الرئيس الاسطوري محمد حسنين هيكل، الذي هرع ليحذر من المؤامرة لصنع السلام مع اسرائيل. الروح الشريرة لهيكل ضدنا تحوم حتى اليوم في كل واحد من الطوابق الـ 13 للمبنى

اول امس نشرت الاهرام بيانا رسميا يعلن المقاطعة الشاملة على الاسرائيليين، يحظر بلهجة قاطعة ان تطأ اي قدم لهم المبنى، يحذر الموظفين للتملص من كل ما يشتم من اسرائيل يستخدم الفيتو على المشاركة في حلقات البحث، ورشات العمل، البحوث المشتركة. نسخ عن البيان ارسلت الى مكتب الرئيس مبارك، اتحاد الصحافيين ورئيس البرلمان.

هكذا يستدعون في "الاهرام" للاستماع الذي سيجرى اليوم في مقر اتحاد الصحافيين المصريين للدكتورة هالة مصطفى، الباحثة الكبيرة في المؤسسة الاعتبارية للدراسات الاستراتيجية التابعة للصحيفة. كل خطيئة مصطفى، محررة مجلة "ديمقراطية"، لعنوان رئيس رمزي، والتي استضافت الاسبوع الماضي السفير الاسرائيلي في مكتبها. في اتحاد الصحافيين قرروا ليس فقط معاقبة مصطفى على "اجراء اتصال" بل لاعداد قوائم سوداء من رجال اعلام تجرأوا على زيارة اسرائيل، مقابلة سياسيين اسرائيليين او مجرد تحدثوا مع زملاء. ومن سيلعب دور النجم في هذه القوائم من شأنه ان يطير من الاتحاد وان يفقد مكان عمله ولن يشغله احد بعد اليوم.

هذا هو، عدنا 31 سنة الى الوراء. في نهاية الاسبوع اقسم وزير الثقافة المصري، فاروق حسني، الذي خسر (ليس فقط بسببنا!) منصب امين عام اليونسكو، تصفية الحسابات. الان هذا يبدأ.

هذه الدراما البشعة لا تنسجم عندي بأي حال مع شخصية المحرر الرئيس للاهرام، د. عبدالمنعم سعيد. في سنوات تعارفنا الطويلة اتخذ صورة المثقف الشجاع، المنسجم، المؤيد والمستقبل بلطف السلام والعشرات من اصدقائه الاسرائيليين. ولكن صوته صمت لشدة الاسف، وهو لا يتجند في صالح اطفاء نار الثأر.