خبر المناورات الأميركية الإسرائيلية: الأهداف والدلالات؟ ..أمين محمد حطيط

الساعة 10:11 ص|29 سبتمبر 2009

المناورات الأميركية الإسرائيلية: الأهداف والدلالات؟

أمين محمد حطيط

ـ السفير 28/9/2009

«فوجئ» بعض الذين «صدقوا بوجود خلاف بين أميركا وإسرائيل» حول عدد من المسائل المتعلقة بالقضية الفلسطينية، فوجئوا بالإعلان عن إجراء مناورات عسكرية مشتركة بين الطرفين، ستبدأ في مطلع تشرين الأول المقبل ولأكثر من أسبوع وستكون وفقا لما أعلن حتى الآن الأضخم والأهم في تاريخ التدريبات العسكرية المشتركة بين الطرفين. وتأتي هذه المناورات بعد إقامة نواة قاعدة عسكرية أميركية في النقب، ركزت فيها محطة رادار عملاقة للرصد والإنذار المبكر ويديره الجيش الأميركي باستقلالية عن أي تدخل اسرائيلي (وهو ما اعتبر خرقا للسياسة العسكرية الإسرائيلية التي ترفض تمركز قوى أجنبية على ما تدعيه أنه أرضها في فلسطين) ستنفذ هذه المناورات التي سيشارك فيها جزء من البحرية الأميركية ومنظومات صاروخية من نوع باتريوت المطور وحيتس 3، بقصد تفعيل التنسيق العسكري القتالي بين الطرفين وتعزيز قدراتهما واختبار نجاعتها في إقامة «المظلة الفولاذية» الواقية لإسرائيل من خطر الصواريخ التي تزعم أنها تتهددها، فيما لو قامت بعمل عسكري «وقائي» بقصد تدمير المنشآت النووية الإيرانية، وهو العمل الذي تحضر له حاليا أميركا وإسرائيل معا ولكنهما تخشيان تنفيذه بسبب عدم قدرة الطرفين حتى الآن على تحديد أو تصور حجم ومدى ردة الفعل الإيرانية، وبالتالي عجزهما عن تحديد إمكانية احتمال الرد.

والجديد في هذه المناورات فضلا عن منظومات السلاح المستخدم فيها وحجمها غير المسبوق في تاريخ المناورات المشتركة بين الطرفين، الجديد هو القرار ببقاء قسم من القطع البحرية الأميركية التي المشاركة بقاؤها دائما في الموانئ في فلسطين المحتلة، ـ وبشكل مستقل ايضا ـ يشبه الى حد ما الوجود في صحراء النقب، ما يشكل النواة لقاعدة عسكرية بحرية أميركية على شاطئ فلسطين المحتلة لأول مرة منذ إنشاء «إسرائيل». ما يطرح التساؤل حول الأهداف الحقيقية لهذه المناورات وبهذا الحجم اليوم وفي ظل بيئة استراتيجية مشرقية غير مستقرة، وما هي دلالاتها المستقبلية؟

بداية لا بد من التوقف عند الوصف الذي أطلقته الصحافة الإسرائيلية على هذه المناورات حيث رأت فيها «كنزاً يقدم لإسرائيل»، من شأنه أن يؤمن الحماية التي تتوق إليها إسرائيل وأن تقيم حولها الدرع الصاروخية البديلة للدرع التي ألغيت من أوروبا الشرقية، ونحن نرى موضوعية في هذا الوصف الى حد ما، خاصة أن شمعون بيريز هو من سعى إليه عبر توسطه بين روسيا وأميركا لإلغاء الدرع في أوروبا، ونقله الى الشاطئ الشرقي للمتوسط، لتكون وظيفته الأساس إقامة القبة الفولاذية الواقية لإسرائيل، ما يجعلها طليقة اليدين في معادلة «التهديدات التي تشكلها إيران» لها في برنامجها النووي السلمي، وعليه ستشكل هذه المناورات تعزيز قوة إسرائيل وتترجم لديها تعزيزاً للثقة بالنفس وطمأنينة في المواجهة.

ومن جهة اخرى، فإن ما سيختبر في هذه المناورات من أنظمة رصد وصواريخ بعيدة المدى فضلا عن الصواريخ المعترضة للصواريخ، سيشكل كما يعتقد الطرفان أداة ضغط وتهويل عسكري يوجه للدول التي لا زالت تمانع أو تتردد في الانصياع لأميركا في المنطقة وعلى رأسها إيران وسوريا كما حزب الله وحماس. تهويل تراهن عليه أميركا لحمل هذه الأطراف على الليونة والمرونة في التفاوض حول ما تطرحه أميركا من ملفات إقليمية تعنيهما.

أما الهدف الثالث الذي يرمي إليه الأطراف من هذه المناورات فهو التحضير لحرب الممرات المائية الدولية التي استجد أمرها بعد حرب 2006 وأصبح أكثر إلحاحاً بعد حرب غزة، وهنا يكون التركيز العسكري المشترك للدولتين على المتوسط وعلى مدخل البحر الأحمر بمثابة الرسالة الدولية لكل من يعنيه الأمر بأن أميركا التي «أخفقت حتى الآن» في الإمساك بقرار منطقة الشرق الأوسط على البر، فإنها لن تسمح لأحد بمشاركتها في قرار البحر أو العبور الطليق عبر الممرات المؤدية الى الشرق الأوسط ومنه، وهنا يجب ألا ننسى تلك العملية العسكرية الإسرائيلية التجريبية التي أرسلت فيها إسرائيل ثلاثاً من قطعها البحرية لعبور قناة السويس والإبحار في موازاة الشواطئ العربية شرقي البحر الأحمر وغربيه وليكون مضيق باب المندب في مرمى راداراتها ثم نيرانها.

ويبقى هدف سياسي للمناورات تلك لا يمكننا إغفاله ويتمثل في النية الأميركية ـ الإسرائيلية بإرسال رسالة سياسية ميدانية للمعنيين، مفادها أن الرهان على خلاف أميركي ـ إسرائيلي هو رهان خاطئ وفي غير محله، بصرف النظر عمن يكون الحاكم هنا أو هناك، فعلاقات البلدين استراتيجية لا تتأثر في جوهرها وعمقها بمزاجية الأشخاص ورغباتهم، وقد يغير الأشخاص الأساليب في التعاطي لكنهم لا يغيرون وليس مسموحا لهم تغيير المسار الاستراتيجي العام لتلك العلاقات.

أما في النتائج المترتبة على هذه المناورات معطوفة على ما سبقها من تدابير اتخذت منذ القرار 1701 الذي جاء بالحلف الأطلسي برا وبحرا الى لبنان وشواطئه، ثم محطة الرادار الأميركي في النقب وإضافة الدرع الصاروخية والقاعدة البحرية الناشئة، فإننا نرى أن واقعا عسكريا جديدا ينشأ في المنطقة لا بد من التوقف عند خطوطه الرئيسية التي نذكر أهمها بالتالي:

تطور في مسؤولية حماية إسرائيل لتصبح مسؤولية أميركية مباشرة. ولم تعد مسؤولية إسرائيلية حصرية، فإذا استطاعت إسرائيل أن تؤمن حمايتها وتحقق الأهداف التي من أجلها أنشئت بقواها الذاتية، فيكون الأمر مثيرا للطمأنينة الأميركية، أما اذا اختل واقعها وأخفقت في تحقيق ما يطلب منها، فإن الغرب وبالقيادة الأميركية سيكون مسؤولا مسؤولية مباشرة عن هذا الأمر، وتؤكد هذه المسؤولية المباشرة ميدانيا اليوم بوجود قوات الحلف الأطلسي في لبنان برا وبحرا، وبإقامة القواعد العسكرية الأميركية في إسرائيل. تقوم أميركا بذلك في الوقت الذي تطرح فيه يهودية دولة إسرائيل مع ما يعنيه ذلك، كما الإصرار على التطبيع معها قبل أي تفاوض أو «تجميد للاستيطان».

الشراكة الأميركية الفعلية في قرارات إسرائيل العسكرية في المنطقة. بعد الآن لن يبقى قرار الحرب أو العمل العسكري إسرائيليا محضا (مع ضوء أخضر أميركي)، بل سيصبح «أميركيا ـ إسرائيليا»، وان تفردت إسرائيل به من غير الرضى أو الإرادة الأميركية (وهذا ما لا نتوقع أو نتصور حدوثه) فإن أميركا لن تكتفي بالامتعاض واللوم، بل ستواجهه وتمنعه بالقوة إن لزم ذلك، خاصة إذا كان من شأن القرار الإسرائيلي تعريض المصالح الأميركية للأذى. وبهذا نفهم ما أوصى به «بريجنسكي» في الأسبوع الماضي قائلا «على أميركا ألا تسمح لإسرائيل بضرب إيران وان فعلت فعليها أن تعترضها فوق العراق وتمنعها من استخدام الأجواء التي تسيطر عليها». ونحن نرى أنه منذ حرب تموز وما بعدها دخل القرار العسكري الإسرائيلي مرحلة جديدة في مسار صنعه، ولم تعد محطاته إسرائيلية صرف بل أصبح لأميركا أكثر من محطة فيه.

استمرار أميركا في اعتماد «استراتيجية القوة الناعمة/ الذكية» والتزامها بدقة مراحل التنفيذ، وتعتبر هذه المناورات وجهاً من وجوه التحضير وحشد القوة لاستعمالها بعد أن تفرغ من مرحلة الحوار والتفاوض التي حددت لها مهلة سنتين تنتهي في آخر 2010. وعليه فإننا لا نتسرع ونقول إن الحرب ستعقب مباشرة هذه المناورات وهذا ما نستبعده استبعاداً شبه كلي، كما أننا لا نقول بأن الحرب ضد إيران أو كل جبهة الممانعة والمقاومة أو بعضها ستقع فور انتهاء المهلة تلك، لان قرار الحرب يحدده المهاجم (أميركا ومعها إسرائيل) بعد دراسة إمكاناته والقدرات الدفاعية للعدو.