خبر الأجهزة والقضاء والأكاديميا الإسرائيلية تجندت ضد فلسطينيي 48 خلال حرب غزة

الساعة 11:34 ص|25 سبتمبر 2009

في تقرير شامل يرصد بالتفاصيل حقائق مطموسة عمّا جرى

الأجهزة والقضاء والأكاديميا الإسرائيلية تجندت ضد فلسطينيي 48 خلال حرب غزة

فلسطين اليوم - غزة

كشف مركز حقوقي يعمل في صفوف فلسطينيي 48، النقاب عن الطرق التي استخدمتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي وأجهزتها في قمع الفلسطينيين في الأراضي المحتلة سنة 1948، على هامش الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة قبل ما يربو على تسعة شهور.

 

جاء ذلك في تقرير شامل جديد، نشره مركز "عدالة" الحقوقي، ومقرّه مدينة حيفا الفلسطينية المحتلة سنة 1948، وحصلت "فلسطين اليوم" على نصّه الكامل باللغة العبرية.

 

ويكشف التقرير الأول من نوعه، الطرق التي استخدمتها سلطات "تطبيق القانون" الإسرائيلية للردّ على احتجاجات فلسطينيي 48 وبعض الإسرائيليين المناهضين للعدوان العسكري الأخير على قطاع غزة، الذي دارت رحاه خلال كانون الأول (ديسمبر) 2008 وكانون الثاني (يناير) 2009.

 

ويرصد التقرير كيف قامت شرطة الاحتلال والنيابة العامة الإسرائيلية وجهاز الأمن العام "الشاباك" (المخابرات الإسرائيلية الداخلية)، والمحاكم وحتى مؤسسات أكاديمية معيّنة؛ بتحويل الاعتقال والسجن وقمع المظاهرات إلى "أداة سهلة وسريعة لقمع احتجاجات المعارضين للعدوان العسكريّ، ولردع المتظاهرين والدوس على حق المواطنين العرب ومناهضي العدوان من اليهود بالتعبير عن الرأي"، وفق استنتاجاته.

 

ويظهر من المعلومات التي جمعتها مؤلفتيْ التقرير، المحامية عبير بكر والمحامية رنا عسلي من مركز "عدالة"، أنّ 832 شخصاً اعتقلتهم شرطة الاحتلال داخل الخط الأخضر أثناء العدوان العسكريّ على غزة؛ وأنّ 34 في المائة من المعتقلين كانوا قاصرين، فهم تحت سن 18 عاماً. واتضح أنّ 80 في المائة من مجمل المعتقلين تم احتجازهم حتى الانتهاء من الإجراءات، من ضمنهم 54 في المائة من القاصرين. وجميع هؤلاء المتهمين من "لواء الشمال" اعتقلوا حتى نهاية الإجراءات؛ 94 في المائة من المتهمين في "لواء القدس" اعتقلوا حتى نهاية الإجراءات، فيما لم يُعتقل أيّ متهم من "لواء تل أبيب" (إسرائيليون يهود غالباً) حتى نهاية الإجراءات، وذلك وفق التقسيمات الإدارية المتبعة بالداخل المحتل سنة 1948.

 

وتدلّ استخلاصات التقرير على أنّ سلطات الاحتلال تبنّت تعاملاً "خالياً من أيّ تسامح تجاه مُناهضي العدوان، في كلّ موقع شهد أحداثاً احتجاجية تقريباً، وحتى في الأماكن التي لم تشهد أي أحداث عنف. وقد تجلى هذا التوجه في تفريق المظاهرات، عنف الشرطة، احتجاز المتظاهرين وحملة اعتقالات منهجية"، وفق ما خلص إليه.

 

ورصد التقرير أنّ شرطة الاحتلال "منعت بشكل غير قانوني الاعتصامات والمظاهرات رغم كونها قانونية، وشنّت حملة اعتقالات جماعية طالت الكثيرين حتى من لم يقم بأي شيء سوى التواجد في مكان الاحتجاج. وبكثير من العبثية والمفارقة، رأت الشرطة في النشاطات الاحتجاجية ضد العدوان العسكريّ خرقاً للسّلام والهدوء بادعاء أنّ هنالك بعض المتظاهرين الداعمين للعدوان بالقرب من المكان ويكفي ذلك لشرعنة تفريغ المظاهرات والاحتجاجات"، حسب ما جاء فيه.

 

ويشير مركز "عدالة" الحقوقي في تقريره الجديد، إلى أنّ النيابة العامة الإسرائيلية وشرطة الاحتلال "حوّلتا كل مظاهرة أو نشاط احتجاجي إلى تهديد على أمن الدولة، وبناء عليه تمّ تقديم  استئناف على كلّ قرار صدر بإطلاق سراح مشتبه به من الاعتقال، وكسبتا جميع الاستئنافات التي قدّمتاها. وفي بعض الحالات قامت الشرطة بتضخيم الشبهات التي وردت في طلبات الاعتقال، وذلك بغية تبرير اعتقال وإبعاد المتظاهر عن بيئته، ليس إلاّ. وقد قُدمت غالبية لوائح الاتهام بصدد المشاركة في تجمهرات محظورة والمشاغبة والاعتداء على شرطيّ حسب ما  ورد من الناطق العام باسم الشرطة. قُدم عدد ضئيل جدًا من لوائح الاتهام بصدد تشكيل خطر على حياة الناس في درب مواصلات"، طبقاً لاستخلاصات التقرير.

 

وبالمقابل؛ فإنّ المحاكم الإسرائيلية "شاركت بشكل غير مباشر بقمع الاحتجاجات"، حسب ما يُستدلّ التقرير، إذ "ظهر جلياً من قرارات المحاكم التي أوردها التقرير كيف وضعت المحاكم جانبًا مبادئ الفحص المفصّل، التي تميِّز القوانين الجنائية برمّتها، وفضلت اعتقال المشتبه بهم بشكل جارف وبالجملة، بادعاء كون المخالفة "مخالفة نابعة من الزمن العينيّ" و"لم تتغيّر الأزمان بعد" .."، أي أنّ المخالفة المذكورة خاصة بفترة الحرب وهي ليست عادية.

 

ويؤكد التقرير أنّ "الشاباك" كان أيضاً شريكاً في "إخراس الأصوات الاحتجاجية". وقد دعا "الشاباك" العشرات من الناشطين السياسيين الذين نظموا الاعتصامات الاحتجاجية والمظاهرات إلى التحقيق. وشهد هؤلاء الناشطون أمام مركز "عدالة" بأنّ الجهاز الأمني المذكور وجّه إليهم "أسئلة سياسية، وهدّد بملاحقتهم قضائياً ونسب المسؤولية عن أية جناية تُرتكب في المظاهرات إليهم، حتى لو لم يقوموا هم شخصيًا بارتكابها"، وفق ما توصّل إليه التقرير. وعلاوة على ذلك؛ فقد دعم المستشار القضائي لحكومة الاحتلال ضلوع "الشاباك" في هذه الممارسات والانتهاكات، ونهج الاستجوابات والتهديدات التي مارسها، بادعاء أنّ "الأمر جرى بغية تهدئة الخواطر".

 

ومن الجوانب المثيرة في تقرير مركز "عدالة"، أنّ "الأكاديميا الإسرائيلية لم تكترث بتاتاً بحملة الاعتقالات، بل وشاركت هي أيضاً بمضايقة المناهضين للعدوان العسكري" على غزة.

 

ويشرح التقرير بأنّ "مؤسّسات أكاديمية مثل جامعة حيفا أبرزت على بناياتها ومن خلال إعلانات تجارية مدفوعة في الصحف؛ العِزّة القومية التي أثارها فيها العدوان العسكريّ. وفي الآن نفسه؛ لم تتردّد الجامعة في ترتيب دخول عشرات الشرطيين من المشاة والخيّالة إلى الحرم الجامعيّ، من أجل تفريق تجمّعات الطلاب العرب الذين طالبوا بوقف التعليم لعدة ساعات احتجاجًا على العدوان العسكريّ، تفريقاً عنيفاً. كما أنّ العنف المفرط الذي واجهه الطلاب والاعتقالات العبثية وقمع احتجاجاتهم لم تحظَ كلها بأيّ استنكار من طرف الجامعة"، وفق ما تمّ رصده.

 

وفي المجمل؛ يُظهِر هذا التقرير أنّ سلطات الاحتلال وأجهزتها المتعددة "تكاتفت جميعاً وطبّقت مفهوم "التعامل الخالي من التسامح والتساهل" والذي برز في قمع النشاطات الاحتجاجية السلمية التي قام بها المعارضون للعدوان العسكري بالاعتقالات الجماعية، وبالتعليمات السرية، وبتقديم لوائح الاتهام، وبعنف الشرطة، وبمصادرة الحافلات وفي تحقيقات "الشاباك" ..."، وبناء عليه؛ فإنّ "أشخاص الذين ليست لهم أي سوابق جنائية، وجدوا أنفسهم داخل غياهب وذلك فقط لأنهم أرادوا إسماع صوت احتجاجهم ضد العدوان العسكري الهمجي الظالم".

 

يُذكر أنّ هذا التقرير شكل أحد المصادر التي اعتمدت عليها لجنة الأمم المتحدة التي حققت في مخالفات القانون الدولي وقانون حقوق الإنساني قطاع غزة خلال العدوان العسكري الإسرائيلي، أو ما يعرف بلجنة غولدستون. فقد خصصت اللجنة في تقريرها فصلاً كاملاً لقمع احتجاج مناهضي الحملة العسكرية، وارتكزت في ذلك على هذا التقرير وعلى معلومات أخرى وفرها لها مركز "عدالة".