خبر ليست نهاية المطاف .. محمد السعيد إدريس

الساعة 08:27 م|24 سبتمبر 2009

ليست نهاية المطاف

 

محمد السعيد إدريس ـ الخليج 24/9/2009

بعد انتهاء جولته الأخيرة لم يجد المبعوث الأمريكي للسلام جورج ميتشل ما يقوله للرئيس الفلسطيني محمود عباس إلا الاعتراف بفشله في حمل “إسرائيل” على وقف الاستيطان في القدس والضفة الغربية وطمأنته بأن الفشل في هذه الجولة “ليس نهاية المطاف”.

المقولة صحيحة مائة في المائة، ولكن في الاتجاه الآخر وهو أن هذا الفشل ليس نهاية مطاف الفشل الذي يحكم ما يسمى ب “عملية السلام” لسبب رئيسي هو أن كل ما يشغل المتعاملين مع هذه العملية لم يتجاوز القضايا الفرعية منذ التوقيع على أوسلو عام 1993 وحتى الآن.

وهذا ما أرادته “إسرائيل” لسبب أهم هو أنها لن تتفاوض حول القضايا الأساسية، ولا تريد ذلك لأنها لن تنسحب من الضفة الغربية ولن تقبل باقامة دولة فلسطينية، فهي تتجه إلى فرض “إسرائيل” “دولة يهودية” وترى أن أرض فلسطين هي الحد الأدنى المقبول لحدود هذه الدولة التي لم تعلن لها حدود حتى الآن.

الغريب في هذا كله هو الموقفان العربي والدولي، حيث يسيران في المسار الذي يريده “الإسرائيليون” لكسب الوقت إلى أن يحين استكمال تهويد معظم أراضي الضفة والقدس وعندها يكتشف الجميع أنه لم تعد هناك جدوى من الحديث عن الدولتين، وأن الواقع لا يتسع إلا لدولة واحدة هي “الدولة اليهودية”، وبعدها التفكير حول الحلول الأنسب لحل مشاكل توطين فلسطينيي 1948 و1967 معاً لأن الدولة اليهودية لن تقبل أن يقيم فيها غرباء، وان قبلت فإن الحد الأقصى للتنازل هو أن يبقوا داخل كانتونات (معازل) وأن يقبلوا أن يصبحوا مواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة، وعندها لن يكون قد بقي من العرب من هم خارج دائرة التطبيع أو من يملكون القدرة أو النية على مقاومة هذا التطبيع.

لم يفكر أحد في مغزى الرفض “الإسرائيلي” لوقف الاستيطان. لم يسأل أحد نفسه السؤال البديهي: هل من يصّر على مواصلة الاستيطان والتعمير المكثف والتوسع تكون لديه نية للانسحاب من المستعمرات والمدن التي أقامها. وهل من يؤمن بأن من حقه أن يتوسع ويبني مدناً ومنشآت على حساب أراضي الآخرين يفكر جدياً في أن هؤلاء الآخرين هم أصحاب هذه الأرض.

الأسئلة المهمة كثيرة، والاستيطان في القدس الشرقية لم يبق فيها للعرب أكثر من 12% فقط من مساحتها، وهذه النسبة يجري تهويدها لأنهم يخططون لفرض القدس الموحدة (الشرقية والغربية) عاصمة “أبدية موحدة” للدولة اليهودية، وليس للعرب أي نصيب فيها. أما الضفة فيجري تسريع الاستيطان بمعدلات عالية لشطرها إلى نصفين بعد أن يتم توسيع الاستيطان في جوار القدس وامتدادها إلى البحر الميت ونهر الأردن كي يتم شطر الضفة الغربية إلى نصفين شمالي وجنوبي لمنع أي اتصال بينهما.

نتنياهو الذي يرفض وقف الاستيطان ويبرر التوسع بأنه استجابة للزيادة السكانية ويسعى إلى تشجيع الهجرة في الوقت الذي يرفض فيه الاعتراف بحق العودة بحجة أن ضيق مساحة “إسرائيل” لا يسمح بعودة أي فلسطيني لا يفكر نهائياً في الانسحاب من الضفة، وهو أعلن ذلك، وأكده عندما وصف الانسحاب من غزة بأنه أسوأ قرار “إسرائيلي” وانه لا ينوي أن يكرره، وهو عندما يطرح شروطه للقبول بفكرة إقامة دولة فلسطينية فإنه يهدف إلى الهاء الآخرين بأفكار مرفوضة ومن المستحيل قبولها، لكن على الجانب الآخر يواصل التوسع الاستيطاني لفرض أمر واقع على الجميع.

شروط نتنياهو للقبول بدولة فلسطينية ترقى عنده إلى مرتبة المبادئ، فهو يصفها ب “المبادئ الخمسة” وهي: أولاً، الاعتراف ب “إسرائيل” كدولة قومية للشعب اليهودي، وثانياً، حل مشكلة اللاجئين خارج حدود “إسرائيل”، وثالثاً، المطالبة بأن تكون التسوية نهاية لأي مطالب، ورابعاً، أن تكون الدولة الفلسطينية الناشئة منزوعة السلاح، وخامساً، منح “إسرائيل” ضمانات دولية لنزع السلاح والتدابير الأمنية مع الفلسطينيين.

وأقصى ما يمكن أن يقدمه نتنياهو للفلسطينيين، حسب توضيحات للكاتب “الإسرائيلي” شمعون شيفر، هو حكم ذاتي في الضفة، أو ما بقي من الضفة، تحت شعار بناء قاعدة للتسوية الدائمة (من أسفل إلى أعلى) بما يقود إلى بناء كيان يتطور في المستقبل إلى كيان يتمتع بالسعادة، على أن يتم تعريفه لاحقاً. وتقوم هذه الخطة على ثلاث ركائز (سياسية وأمنية واقتصادية)، هذا التصور سبق أن دعا إليه الرئيس “الإسرائيلي” شمعون بيريز تحت مسمى “الدولة المؤقتة”. وهي كلها أفكار للتضليل ولكن ما هو ثابت في الفكر الاستراتيجي “الإسرائيلي” هو مبدأ “عدم الانسحاب”، وما هو دونه ليس إلا اضاعة لوقت العرب وكسباً لوقت “إسرائيل”، في وقت يروج فيه الرئيس الأمريكي لدعوة السلام الاقليمي، وتطالب فيه وزيرة خارجيته العرب بالاسراع في التطبيع وتقديم حسن النوايا ل “الإسرائيليين” من أجل تشجيعهم للقبول بالاستمرار في عملية السلام، وفي وقت ينشغل فيه الجميع الآن بعد اعلان ميتشل فشل مهمته باقناع الرئيس الفلسطيني بأن يقبل اللقاء مع نتنياهو في الأمم المتحدة لتشجيعه (نتنياهو) على المضي في السلام، في حين يؤكد المتحدث باسم الخارجية الأمريكية إيان كيلي ان الولايات المتحدة “مستعدة للصبر” طالما ان الفشل الذي حدث لميتشل “ليس نهاية المطاف”.