خبر ثوابت إسرائيلية.. أساسها القوة ..إياد مسعود

الساعة 11:55 ص|15 سبتمبر 2009

ثوابت إسرائيلية.. أساسها القوة

إياد مسعود

ـ المستقبل اللبنانية 15/9/2009

إن مراجعة لسياسات إسرائيل، وآليات عمل مؤسساتها المعنية باتخاذ القرار، توضح لنا أن ثمة "ثوابت" تحكم هذه السياسات وهذه الآليات، منذ ما قبل ولادة " الدولة" وحتى يومنا هذا. ويمكن في هذا السياق، الإشارة إلى بعض هذه " الثوابت"ـ إن جاز التعبير ـ

الأولى: العمل على فرض وقائع ميدانية في خدمة السياسة التوسعية الاستيطانية الإسرائيلية، تناقض القوانين والقرارات والاتفاقات الدولية، وتنتهكها. ثم تحويل هذه الوقائع إلى حالة ثابتة لا يمكن التراجع عنها، وجزءا من الواقع القائم، وإرغام المجتمع الدولي على الاعتراف بهذا الواقع والتعامل معه باعتباره بات أمراً مسلما به. هذه السياسة اتبعها، على سبيل المثال، "دافيد بن غوريون" المسمى مؤسس "الدولة"، في تصعيده للأعمال الوحشية ضد الفلسطينيين في نيسان (ابريل) 1948، حين تبين له أن المجتمع الدولي قد غضّ النظر عن الهجمات الصهيونية ضد القرى والبلدات والأحياء الفلسطينية. فقرر تصعيد هذه الهجمات، وتوسيع دائرة عملياته الحربية ضد الفلسطينيين قبل أن يلتفت المجتمع الدولي إلى حقيقة ما يدور في فلسطين. كان هدف بن غوريون، كما سجل مؤرخون إسرائيليون، خلقَ أمر واقع يتجاوز حدود قرار التقسيم لصالح توسيع مساحة "الدولة" لتصبح 78% من مساحة فلسطين بدلا من 54% كما تقرر في القرار 181. على خطى بن غوريون سار زعماء حزب العمل بعد حرب 67، وزعماء الليكود، وكاديما، وكل الذين ترأسوا الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة. ولعل تجربة إيهود أولمرت في مفاوضاته مع محمود عباس، وتجربة بنيامين نتنياهو مع دعوات الرئيس باراك أوباما لوقف الاستيطان، تشكلان نموذجا فاقعاً لسياسة فرض الأمر الواقع.

الثانية: إتباع سياسة معينة والتمويه عليها بخطاب إعلامي معاكس، يعيد تقديم إسرائيل إلى الرأي العام "دولة" تبحث لنفسها عن الأمن، يتهددها الخطران الفلسطيني والعربي، بينما هي تمارس، في الوقت عينه، سياسة عدوانية ترتقي في بشاعتها إلى مستوى جرائم الحرب. فبن غوريون (مرة أخرى) حين أقر مع مستشاريه خطة "دالت" لطرد الفلسطينيين من أراضي "الدولة" ومن مساحات واسعة من الأرض المخصصة لقيام دولة فلسطينية، وحين أمر اللجوء إلى الأساليب كافة التي تضمن ترحيل الفلسطينيين بما في ذلك النسف والحرق والقتل، لجأ إلى خطاب إعلامي، توجه به إلى الجمهور اليهودي يهدده بوقوع "هولوكوست" جديد ضدهم على أيدي الفلسطينيين والعرب، وعمل في الوقت ذاته على تنظيم محرقة جديدة بحق الفلسطينيين، مستندا إلى تقاريره الاستخباراتية التي تؤكد ضعف الحالة الدفاعية الفلسطينية وتشرذمها، وضعف الحالة القتالية العربية، وتفوق اليهود على العرب، عددا وعدة، في ميدان القتال، كما تأكد له أن آلاف الفلسطينيين العزل بدأوا يتركون ديارهم تحت وطأة المجازر التي ارتكبت في أكثر من قرية وبلدة فلسطينية. إلى الأسلوب ذاته لجأت إسرائيل في حرب 67 حين صوّرت وكأن العرب يتأهبون لرميها في البحر، وكانت في الوقت نفسه، تعد العدة كاملة لشن هجوم صاعق طال ثلاث دول عربية هي مصر ،سوريا، والأردن. كما شنت إسرائيل حربها ضد الفلسطينيين في لبنان عام 1982 بذريعة محاولة اغتيال السفير الإسرائيلي في لندن، علما أن الجنرالين الإسرائيليين، ايغورا ايلان، وداني حالونس، اعترفا أن مثل هذه الحرب كانت موضع إعداد وتخطيط منذ أكثر من عام تقريبا من تاريخه. قاتلت إسرائيل بشراسة، ووسائل إعلامها تدعوها إلى السلام القائم على التسوية التاريخية بين الجانبين، الفلسطيني والإسرائيلي.

* الثالثة ، وكما يعترف المؤرخون الإسرائيليون، هي ظاهرة احتقار العسكريين للسياسيين خاصة في مراحل الحروب، ولجوئهم إلى تضليل السياسيين، وعدم السماح لهم بالإطلاع على الحقيقة كاملة. وكما يوضح المؤرخون، فإن بن غوريون تجاوز القيادة السياسية وأحل محلها هيئة المستشارين وكلهم من العسكريين الذين يتولون قيادة المجموعات الصهيونية المسلحة ميدانيا. كان يدرس معهم الوقائع، ويحللها، ويستخلص ما يجب استخلاصه، ويعطي الأوامر للعسكريين بمواصلة أعمال القتال والعدوان والمجازر ضد الفلسطينيين لترحيلهم، ويقدّم في الوقت نفسه معلومات مغايرة للمستوى السياسي في "الدولة". ويقول المؤرخون إن الأمر نفسه تكرر في إسرائيل عام 1956، و1967، و1973، و1982، و2002، و2006. في كل مرة كان رئيس الأركان يقدّم معلومات منقوصة إلى مجلس الوزراء الإسرائيلي أو إلى المجلس المصغر، آخذاً بالاعتبار الاستفادة من التطورات الميدانية وعدم السماح للسياسيين للعبث بأوامر القتال أو المشاغبة عليها، خاصة إذا ما كانت العمليات القتالية تسير في الاتجاه الصحيح وكما تم التخطيط لها.

هذه الثوابت الثلاث تبدو بارزة في ثنايا التاريخ الإسرائيلي، ويمكن اللجوء إلى عشرات الأمثلة الإضافية لشرح طبيعة هذه الثوابت وخلفياتها. غير أنها تستند كلها إلى مبدأ مشترك، هو مبدأ القوة، وعلى قاعدة هذا المبدأ تمارس إسرائيل سياستها، وتصوغ آلية اتخاذ قرارها. فهل يعيد العرب النظر بثوابتهم هم أيضا، ويستجمعون قواهم، لتصبح القوة عندهم هي أيضا المبدأ الرئيس الذي يستندون إليه في صياغة قراراتهم وثوابتهم السياسية؟.