خبر القوس الشرقي .. هآرتس

الساعة 03:39 م|11 سبتمبر 2009

بقلم: عاموس هرئيل

في اللحظات القليلة التي لا تكون الصحافة الامريكية فيها قلقة من تدهور الرئيس اوباما في استطلاعات الرأي العام ومن الخلاف حول الاصلاحات الصحية، فانها تواصل الانشغال على نحو شبه مهووس بالمأزق الذي علقت فيه المساعي لوقف البرنامج النووي الايراني والاحتمالات المتزايدة في أن تؤدي الامور لهذا السبب الى قصف اسرائيل للمواقع النووية.

مختارات جزئية من الاسابيع الاخيرة: المقال الافتتاحي في "وول ستريت جورنال" يحذر من أن الولايات المتحدة ملزمة بأن توقف بسرعة البرنامج النووي والا فان اسرائيل ستقصف المنشآت. وتصف الصحيفة ايران بانها "مسألة العلاقات الخارجية الاخطر امام الادارة". نائب الرئيس السابق ريتشارد تشيني، يكشف النقاب عن أنه أيد قصفا امريكيا في ايران ولكنه اضطر الى قبول موقف الرئيس جورج بوش، الذي فضل استنفاد الخطوة الدبلوماسية. صقر متشدد جمهوري آخر، جون بولتون، يدعي بان لا تكفي عقوبات اخرى لوقف ايران.

وليم كوهن، وزير الدفاع في ادارة كلينتون يقضي بان "العد التنازلي بات قائما" وان "اسرائيل لن تقعد غير مكترثة على الخطوط لتشهد ايران تتقدم في برنامجها". رئيس اركان القوات الامريكية الادميرال مايك ملن، يشرح بانه توجد "نافذة فرص ضيقة بين الهجوم وبين وصول ايران الى النووي". مقال في "لوس انجلوس تايمز" يدعي "بقدر من الحق" بانه اذا لم تستجب ايران في اثناء ايلول للمطالب التي طرحت عليها، فان على العالم أن يستعد لهجوم اسرائيلي ولكنه يبحر من هناك (على سبيل الخطأ) نحو الافتراض بان اوباما "سيسمع عن الهجوم في الـ سي.ان.ان قبل أن يعلم به من الـ سي.اي.ايه".

أيلول يرتسم بالفعل كشهر حرج في سباق ايران نحو النووي. الجدول الزمني آخذ في القصر: "معظم أجهزة الاستخبارات في الغرب تشارك التقدير في أنه اثناء 2010 ستحقق ايران ما يكفي من المادة المشعة كي تسمح لنفسها في المستقبل بانتاج قنبلتين – ثلاث قنابل نووية. واذا ما نجحت ايران في أن تنشرها في عدد كبير من المواقع السرية فانها ستقلص بذلك الفرصة لاحباط برنامجها.

ومع أنه مرت سبعة اشهر ونصف منذ تولي اوباما الرئاسة، فان طهران لا تزال تتلبث في ردها على اقتراحه الشروع في حوار مباشر على النووي. في البداية اجلت المحادثات انتظارا للانتخابات للرئاسة الايرانية في حزيران، بعد ذلك بسبب الازمة الداخلية التي نشبت في أعقابها. وفي الاسبوع الماضي، لاول مرة، اعلنت عن استعداد مبدئي لعقد مفاوضات مع الاسرة الدولية.

التفاصيل لم يتفق عليها بعد. يبدو ان الاتحاد الاوروبي يسعى الى الوصول الى الحسم قبيل اقرار جولة رابعة من العقوبات الدولية ضد ايران في مؤتمر الزعماء الاقتصاديين الرائدين (جي 20) في بتسبورغ في الولايات المتحدة بعد نحو اسبوعين، ولكن في اسرائيل يشكون بان الامريكيين بالذات يميلون الى تأجيل القرار النهائي في هذا الشأن الى كانون الاول.

لاغراض سلمية

اسرائيليون زاروا مؤخرا واشنطن يأخذون الانطباع بان اوباما يتراجع بالتدريج عن مطلب جوهري لادارة بوش وبموجبه ينبغي لايران ان تكف عن تخصيب اليورانيوم كشرط مسبق لفتح الحوار. وفي السياق، كما يعتقدون، كفيلة الولايات المتحدة أن تقترح على ايران الحل الوسط التالي: "ان يسمح للايرانيين بتخصيب اليورانيوم، ولكن فقط للاغراض السلمية (رقابة دولية وثيقة يفترض بان تضمن بان هكذا يكون الحال). العقوبات السابقة على ايران سترفع والطرفان سيتوصلان الى تفاهمات حول مصالح طهران في سلسلة ساحات وعلى رأسها العراق، قبيل الانسحاب المخطط له للجيش الامريكي. اوباما يمكنه ان يعرض التسوية كانجاز: فعلى أي حال فانه تعهد بان يمنع عن ايران قنبلة نووية، وليس ان يوقف تخصيب اليورانيوم. ولكن مشكوك ان يكون هذا كافيا من ناحية اسرائيل.

اللواء احتياط غيورا ايلاند، رئيس مجلس الامن القومي الاسبق، يعتقد بان "الولايات المتحدة كانت مستعدة لان توقع على اتفاق بهذه الروح أمس. الاحتمال في أن توافق ايران، رغم اغراء الاعتراف الدولي بحقها في تخصيب اليورانيوم، لا يزال صغيرا". وبرأيه، فكي تنجح الاستراتيجية الامريكية فانها تحتاج الى تحالف دولي واسع وملزم. وانا لا ازال لا ارى كيف سيتم تجنيد روسيا والصين لتأييد مثل هذه الخطة وهو التأييد الحيوي لها".

اسرائيل، رغم تخوفها من أن تستخدم ايران إذن التخصيب لاغراض سلمية كي تواصل التقدم سرا نحو القنبلة، كفيلة – كموقف تراجع – بالموافقة على ذلك بشرطين: على أن يكون واضحا بان الرقابة الدولية قوية بما يكفي وان يتبلور مسبقا تحالف واسع لتشديد العقوبات في حالة (معقولة) يتبين فيها ان الايرانيين مرة اخرى يخدعون.

اذا فشل الحوار، او لم يبدأ على الاطلاق، يحتمل اقرار عقوبات اشد: حظر شراء النفط من ايران، حظر تصدير منتجات النفط اليها بل وفرض حصار بحري عليها. ولكن مدى نجاعة مثل هذه الخطوات، حين تكون طهران اجتازت اكثر من نصف الطريق الى تحقيق اهدافها، موضع شك. في موعد ما بين نهاية 2009 ومنتصف 2010 ستصل نقطة القرار: هل ينبغي مهاجمة ايران؟ محللون امريكيون يتفقون على أن على جدول الاعمال يقف اساسا هجوم اسرائيلي. الاحتمال في أن يطلق اوباما طائرات امريكية نحو نتناز يبدو هزيلا للغاية.

في السنة الاخيرة يتعزز في اوساط محللين وخبراء التقدير بان سلاح الجو قادر على هذا التحدي. الجيش الاسرائيلي اجتاز تطويرا ذا مغزى في فترة رئيس الاركان غابي اشكنازي. ويزعم بان الهدف لا ينبغي ان يكون بالضرورة تصفية البرنامج الايراني بل يمكن ان يكون تأخيره ايضا. حسب خط التفكير هذا، فان الهجوم الاسرائيلي او الامريكي كفيل بان يؤدي الى تأجيل القنبلة لبضع سنوات. يحتمل أن بذلك يحقق الهجوم هدفه. فعند قصف المفاعل النووي في العراق في 1981 ايضا لم يتوقعوا في اسرائيل مسبقا سلسلة الاحداث التي أدت في النهاية بصدام حسين الى التخلي عمليا عن تطلعاته النووية. رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع ايهود باراك يرون بشكل مشابه التهديد الايراني. هذا ما يفهم سواء من تصريحاتهما العلنية ام من مواقفهما في المداولات المغلقة.

لغرض الهجوم، اذا ما تقرر، ستحتاج اسرائيل على الاقل الى غض نظر من ادارة اوباما، ضوء اصفر ان لم يكن ضوء اخضر. وهذا يتعلق أولا وقبل كل شيء باستخدام الرواق الجوي فوق العراق، والذي يتواجد فيه جنود امريكيون حتى في 2011. وليس أقل اهمية التنسيق الاستراتيجي في اليوم التالي: كيف سترد الولايات المتحدة على هجوم جوي متواصل من جانب اسرائيل على المواقع النووية وعلى الاشتعال الاقليمي المحتمل في اعقابه؟ الامور ينبغي أن يتفق عليها بشكل مباشر بين اوباما ونتنياهو. الفارق في مواقفهما السياسية، مثل الغياب المطلق للكيمياء في علاقاتهما الشخصية، من شأنها ان تثقل على الامر.

الجانب المظلم

ايران كفيلة بان ترد على هجوم اسرائيلي بفتح جبهات قتالية، عبر حزب الله من لبنان وحماس من قطاع غزة. الجيش الاسرائيلي، بعد ثلاث سنوات من الحرب في لبنان وفي ختام مسيرة واسعة من استخلاص الدروس، واثق جدا بقدرته على التصدي لحزب الله. ومع ذلك، واضح ان الامر سينطوي على ضربات صاروخية ومقذوفات صاروخية في الجبهة الداخلية، مما سيغطي أغلبية اراضي الدولة. وستكون مسألة اساسية هي كيفية تصرف سوريا. لاسرائيل مصلحة واضحة في ابقاء دمشق تشهد المواجهة من الشرفة.

اذا ما اعتبر الهجوم في ايران نجاحا فهناك احتمال معقول بان يكون هذا هو الرد السوري. ولكن للقصف في ايران ستكون اثار اعمق من ذلك: مثل هذا الهجوم سيفتح حسابا دمويا لعشرات السنين – وللشعب الفارسي توجد ايضا ذاكرة طويلة وكثير من الصبر ايضا. وهذه كلها مسائل يتعين استيضاحها في غضون سنة، وربما أقل. ولا غرو أن نتنياهو معني بان ينزل عن جدول الاعمال في اقرب وقت ممكن صفقة شليت.

قرار بمهاجمة ايران، اذا ما اتخذ، سيضع الجيش الاسرائيلي كمسؤولا مركزيا عن حل التهديد النووي. وسيكون لذلك أثر جانبي ايضا: تغيير ميزان القوى بين الاجهزة داخل جهاز الامن. في السنوات التي فتن فيها بسحره رئيس الموساد مئير داغان رئيس الوزراء ارئيل شارون (بل واكثر منه خلفه اولمرت) كان دارجا الاعتقاد بان جهازه (الذي كلف بادارة عملية الاحباط السياسي) سيوقف النووي الايراني. وبالفعل، اذا كانت الاستخبارات الغربية ردت في العقد الماضي المرة تلو الاخرى توقعات الموساد بالنسبة لموعد اكتمال البرنامج النووي، فانه يمكن الافتراض بان ليس كل شيء حصل بفعل السماء.

اما اليوم، وباستثناء الهجوم لا تبدو في الافق خطوة يمكنها أن تصرف ايران عن تحقيق هدفها. مسألة ايران كفيلة بان توفر توترا لا بأس به في قيادة جهاز الامن. بين الجيش والموساد يوجد تعاون عملياتي عميق ومثير للانطباع، في سلسلة من الساحات. ولكن تثقل على هذا التعاون خلافات مهنية واحتكاكات شخصية بين رئيسي الجهازين.