خبر عاصفة النار القادمة في العالم الإسلامي (1 من 2) .. مازن النجار

الساعة 08:58 ص|11 سبتمبر 2009

عاصفة النار القادمة في العالم الإسلامي (1 من 2)

مازن النجار

في مقال لافت لإيمانويل وَلرستايْن، الباحث البارز بجامعة ييل الأميركية، ومؤلف كتاب "انحدار القوة الأميركية: الولايات المتحدة في عالم مضطرب"، يقدم المؤلف قراءة استشرافية للتداعيات الاستراتيجية والتفاعلات الجيوسياسية في المرحلة الراهنة من الصراع والتدافع في أرجاء متعددة بالعالم الإسلامي، تمتد من أفغانستان إلى باكستان والعراق وفلسطين، حيث يشهد العالم الإسلامي ميلاد مرحلة جديدة باتجاه الخروج من دوائر الهيمنة الإمبريالية على أقطاره ومقدراته.

يقول ولرستاين أن هناك عاصفة نار قادمة في الشرق الأوسط، لم تستعد لها الحكومة الأميركية ولا الجمهور الأميركي. ويبدو أنهم نادراً ما يدركون قربها الشديد في الأفق أو مدى عنفوانها. فحكومة الولايات المتحدة، (وكذلك معظم الجمهور الأميركي، لا مناص)، يخدعون أنفسهم على نحو واسع حول قدرتهم على تناول الوضع في الشرق الأوسط من حيث الأهداف المقررة. سوف تمتد العاصفة من العراق إلى أفغانستان إلى باكستان إلى إسرائيل/فلسطين، والتعبير الكلاسيكي يقول أنها "سوف تنتشر كالنار في الهشيم".

لو بدأنا من العراق، سنجد أن الولايات المتحدة قد وقعت مع الحكومة العراقية "اتفاقية وضع القوات" (الأميركية) المسماة اختصاراً صوفا(SOFA)، والتي دخلت حيز التنفيذ في مطلع يوليو/تموز الماضي. تنص الاتفاقية على تسليم الأمن الداخلي بالبلاد إلى الحكومة العراقية، وهذا يعني نظرياً تقييد وجود القوات الأميركية في البقاء بقواعدها، إضافة إلى دور محدود في تدريب القوات العراقية. جاءت بعض صياغات أو عبارات الاتفاقية غامضة، وعلى نحو متعمد، إذ كان ذلك هو السبيل الوحيد لكلا الطرفين لتوقيع الاتفاقية.

لقد أظهرت الأشهر الأولى للعمل بالاتفاقية مدى البؤس الذي ينطوي عليه تنفيذها. فالقوات العراقية تفسرها حرفياً تماماً، بحيث تحظر رسمياً كلاً من الدوريات المشتركة بينها وبين القوات الأميركية، علاوة على أي إجراءات عسكرية أميركية أحادية الجانب، بدون إذن مسبق ومفصل من الحكومة العراقية. وقد وصل الأمر إلى حد منع القوات العراقية للقوات الأميركية من اجتياز نقاط التفتيش ناقلة لوازمها وإمداداتها خلال ساعات النهار.

استولى الحنق على القوات الأميركية بسبب هذه الإجراءات. وحاولت تفسير عبارة أو شرط حق الدفاع عن النفس على نحو فضفاض جداً أكثر مما تريد القوات العراقية. وتلوّح القوات الأميركية بتصاعد أعمال العنف بالعراق، وبالتالي فهي تلمِّح إلى عدم قدرة القوات العراقية على حفظ الأمن والنظام.

يبدو الجنرال راي أودْيِرنو، الذي يقود القوات الأميركية، بوضوح غير راض بتاتاً عن الوضع الحالي، ومن الواضح أيضاً أنه يدبر المكائد للعثور على مبررات لإعادة تأسيس الحكم الأميركي المباشر للعراق. وقد التقى الجنرال مؤخراً برئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، ورئيس حكومة إقليم كردستان العراق مسعود البرزاني؛ حيث سعى أوديرنو إلى إقناعهما بقبول تسيير دوريات مشتركة ثلاثية (عراقية/كردية/أميركية) في الموصل ومناطق أخرى بشمال العراق، من أجل منع العنف أو الحد منه. وقد وافق الرجلان بأدب على النظر في اقتراحه. لسوء حظ أوديرنو، تتطلب خطته مراجعة أو تنقيحاً رسمياً لاتفاقية وضع القوات (صوفا).

كان من المفترض في الأصل أن يكون هناك استفتاء شعبي في مطلع يوليو/تموز الماضي حول إقرار اتفاقية وضع القوات. وكانت الولايات المتحدة تخشى من خسارة نتيجة الاستفتاء، مما سوف يعني بدوره أن تخرج القوات الأميركية كلها من العراق بحلول 31 ديسمبر/كانون الأول 2010، أي قبل الموعد "النظري" المحدد في اتفاقية وضع القوات بعام كامل.

ظنت الولايات المتحدة أنها كانت بالغة البراعة لدى إقناعها المالكي بتأجيل هذا الاستفتاء الشعبي إلى يناير/كانون الثاني القادم (2010). بيد أن الاستفتاء سيُجرى متزامناً مع الانتخابات البرلمانية (التشريعية)، حيث يسعى كل طرف عادة للحصول على أكبر عدد من الأصوات. وعند ذلك لن يكون هناك من يروج لصالح إقرار الاتفاقية في الاستفتاء. وكي لا يكون هناك شك في ذلك، تقدّم المالكي بمشروع قانون يسمح في الاستفتاء لأي أغلبية بسيطة ضد الاتفاقية بإبطالها. على الأرجح، ستكون هناك أغلبية ترفض الاتفاقية، بل قد تكون نتيجة الاستفتاء أغلبية ساحقة ضد الاتفاقية. لذلك، من المفروض أن يكون الجنرال أوديرنو قد بدأ الآن بتجهيز حقائبه للرحيل.

يرجِّح ولرستاين أن أوديرنو لا تزال لديه أوهام بأنه يستطيع تجنب ظهور عاصفة النار. كلا لن يستطيع.

ماذا سيحدث بعد ذلك؟

في الوقت الحاضر، لكنه قد يتغيّر بين الآن ويناير/كانون الثاني القادم، يبدو أن المالكي سوف يفوز بالانتخابات؛ وسيحقق ذلك بتقديم نفسه كبطل أول للوطنية العراقية. وسوف يعقد صفقات مع الجميع ودون استثناء على هذا الأساس. فالوطنية العراقية في هذه اللحظة ليس لها كبير شأن إزاء إيران أو المملكة العربية السعودية أو روسيا أو إسرائيل. إنها معنية في المقام الأول بتحرير العراق من آخر بقايا الحكم الكولونيالي الأميركي، وهي النظرة التي يُشخِّص بها جميع العراقيين تقريباً ما كانوا يعيشون في ظله منذ 2003.

هل سيكون هناك عنف داخلي في العراق؟

سيكون على الأرجح، وإن كان ربما أقل مما يتوقع أوديرنو وغيره.

لكن ماذا في ذلك؟

"تحرير" العراق الذي سوف يعتبره الشرق الأوسط بكامله تفسيراً لنتيجة الاستفتاء العراقي الرافضة لاتفاقية وضع القوات (صوفا)، سوف يكون له فوراً تأثيراً عظيماً في أفغانستان. هناك، سيقول الأفغان: إن كان العراقيون قادرين على تحقيق ذلك، فنحن نستطيع ذلك أيضاً.

للحديث بقية...